لماذا يقبِّل أقدامهم؟
الخبر:
ركع البابا فرنسيس بعد خلوة روحية غير مسبوقة في الفاتيكان، لتقبيل أقدام زعماء جنوب السودان المتحاربين السابقين وحثهم على عدم العودة إلى الحرب الأهلية.
وحث البابا رئيس جنوب السودان سلفاكير ونائبه السابق الذي تحول إلى زعيم للمتمردين رياك مشار وثلاثة نواب آخرين للرئيس على احترام الهدنة والالتزام بتشكيل حكومة وحدة الشهر المقبل.
وقال البابا في كلمة مرتجلة “أطلب منكم كأخ أن تبقوا في سلام. أنا أطلب منكم من قلبي، دعونا نمضي قدما. ستكون هناك العديد من المشكلات لكنها لن تتغلب علينا. حلوا مشاكلكم”.
التعليق:
قبل أن يسجد رأس الكنيسة الكاثوليكية ليقبل أقدام فرقاء الحرب في جنوب السودان قال باللغة الإيطالية لهم، بينما كان أحد مساعديه يترجم حديثه إلى الإنجليزية: “ستكون هناك صراعات وخلافات فيما بينكم ولكن احتفظوا بها بينكم، داخل المكتب، إذا جاز التعبير… لكن أمام الناس، ضعوا أيديكم في أيدي بعض لتأكيد الوحدة. لذا، كمواطنين بسطاء، ستصبحون آباء للأمة”.
كان الجنوب قد فصل عن السودان وأعلن استقلاله في 2011، وبعد ذلك بعامين اندلعت حرب أهلية في جنوب السودان عندما أقال كير وهو من قبيلة الدينكا مشار وهو من جماعة النوير العرقية من منصب نائب الرئيس.
وقُتل حوالي 400 ألف شخص ونزح نحو ثلث سكان البلاد البالغ عددهم 12 مليون نسمة مما تسبب في اندلاع أسوأ أزمة لاجئين في أفريقيا منذ الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994.
فهل خلوة البابا بزعماء جنوب السودان النصارى مدة 24 ساعة ثم تقبيل أقدامهم بعدها هو أمر رمزي ليس أكثر أم يحمل دلالات أخرى؟
هذا الأمر تم بعد إعلان الانقلاب العسكري في السودان على البشير، ولذلك نجد أن مونت كارلو الدولية تعلق قائلة: “وأصبحت دعوته أكثر إلحاحا مع تزايد القلق في جنوب السودان من أن يتسبب الانقلاب الذي وقع اليوم الخميس في السودان المجاور في تقويض اتفاق السلام الهش الذي أنهى الحرب الأهلية الوحشية التي استمرت لخمس سنوات في جنوب السودان”.
ولو أعدنا ترتيب الكلمات والقراءة بين السطور فإنا سندرك مقدار خوف الغرب من زوال هذه الدويلة الجديدة (والتي سميت بـ”إسرائيل الثانية”) وعودتها لحضن السودان.
مما يؤكد رعبهم من زوال هذا الكيان الهش أن من اقترح الخلوة هو جاستن ويلبي المعروف بكبير أساقفة كانتربري، والزعيم الروحي لأتباع الكنيسة الإنجيلية بمعظم العالم.
فالبعد العقائدي النصراني حاضر بقوة في هذا اللقاء وهو لا يكون إلا لأمر جلل خاصة أنه كان بين الحضور أعضاء مجلس كنائس جنوب السودان وغيرهم من قادة الكنيسة الكاثوليكية في أفريقيا.
وتجدر الإشارة إلى أن ذلك الصراع الذي أودى بحياة 400 ألف ونزوح ثلث السكان (12 مليونا) عن مساكنهم لم ينجم إلا بسبب الصراع الدولي المحموم هناك بين دول الغرب وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا والتي لا ترعى حرمة لدم إنسان… فهل تقبيل الأقدام سيوقف حمام الدم بين هؤلاء لصد خطر حقيقي قريب داهم؟
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حسام الدين مصطفى