تحرك أهلنا في الجزائر والسودان وفي كل مكان
إن تحرك أهلنا في الجزائر والسودان وفي كل مكان فيه خير كثير بإذن الله، وإن كان الشر الجاثم على صدورهم وصدورنا لا يستهان به، فقد عمّر وعشش في بلادنا منذ أكثر من مئة عام، فحكم الكفار بلادنا مباشرة وغير مباشرة، صنعوا هياكل دويلات – إدارات استعمارية – وجاؤوا بنخبة خائبة طائعة لهم وحكمونا من خلفهم. فقام الناس يتحدّون هؤلاء الظلمة وما يمثلون من أنظمة فاسدة ظالمة قائمة على نظام رأسمالي استعماري لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة.
إن القوة الحقيقية بأيدي الناس وفي تجمعهم واجتماعهم على كلمة سواء، على وجوب الحكم بما أنزل الله باستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الدولة الإسلامية التي تحكم بالإسلام صدقا وحقا وعدلا، ولكن ينقص الناس شيءٌ من الوعي، فالتغير الجذري لا يتم بتغيير الأشخاص فحسب، فلا بد من تغييرهم وتغيير النظام الذي يطبقونه من أساسه، بأنظمته وقوانينه وأفكاره والأشخاص الذين يمثلونه ويطبقون أنظمته وقوانينه وفلسفته على الناس، وإن لبس هؤلاء لبوسا إسلاميا زائفا مثل البشير وزمرته، أو ثوريا مثل جبهة التحرير الجزائرية…
وعدم الوعي عند الناس يتمثل بدعوتهم للدولة المدنية والديمقراطية والعدالة (الاجتماعية) وجميع الشعارات غير الإسلامية، هذه الشعارات الزائفة المنبعثة من الثقافة الرأسمالية، التي غزى بها الاستعمار بلادنا وحكمنا بها وهو حريص أشد الحرص على ألا يخرج هو ولا ثقافته من بلادنا مهما كلفه الأمر، حيث إن التكلفة هي إهراق المزيد من دماء المسلمين وتخريب بلادهم ونهب خيراتهم، كما نشاهد ما يحصل في مصر وسوريا وليبيا واليمن على سبيل المثال.
إن تغيير الأشخاص لا يعدو أن يكون إلا مثل تغيير دابة المعصرة التي تدير الرحى، فحين تهرم يبدلها قيّم المعصرة وتبقى الرحى تدور بدوران الدابة الجديدة، والرحى هنا هو النظام المطبق على الناس، والدابة هي الحاكم العميل للغرب الكافر، وقد نفهم أهمية الأشخاص من عمل الرسول الله e، حين بعث الصحابي محمد بن مسلمة رضي الله عنه لقتل كعب بن الأشرف، ومن هروب عبد الرحمن الداخل من يد العباسيين إلى الأندلس وأخذ الحكم فيها بصفته من بيت الحكم الأموي.
وفي حالنا لا بد من تغيير النظام الرأسمالي، ومن يطبقه علينا في بلاد المسلمين، والعمل لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الدولة الإسلامية التي تحكم حقا وصدقا بكتاب الله وسنة رسوله e بدون مداهنة ولا مداورة ولا تدرج.
إن الكافر المستعمر حين يرى أنه يتعامل مع أناس قليلي الوعي – الذين يطالبون بتغيير أشخاص الحكام وبطانتهم ولا يحرصون على تغيير النظام الذي يطبقونه والذي لا يمت للإسلام بصلة – يقبل بهم مؤقتا وقد يعطيهم الحكم ريثما يحتوي حركة الناس، ويصبح لدى الكفار تغيير الحاكم الذي أفنى حياته في خدمتهم أولوية ولا يلتفتوا إلى ما قدم لهم من خدمات، كما حدث في مصر، فحين أصر الناس على ذهاب مبارك، أمره أسياده بالرحيل فرحل، وحين لم يستطيعوا تزوير الانتخابات بين مرسي وشفيق، تُرك مرسي – فك الله أسره – ليحظى بكرسي الرياسة، وكأنه ظن أن من يحظى بالكرسي يحظى بالحكم! ولم يتصرف كعلماني ولا كمسلم، العلماني يدوار ويناور ويداهن، وسياسته تقوم على أن الغاية تبرر الوسيلة، والمسلم تقوم سياسته على تحكيم شرع الله بدون مداورة ولا مناورة، يهدم ويبني في اللحظة نفسها، يهدم مدماكاً من أنظمة الكفر ويبني مكانه مدماكاً في النظام الإسلامي، وإن تعذر عليه ذلك ينتظر حتى تتوفر الفرصة والإمكانية المناسبة لحكم الإسلام، ولا ينخرط في معمعة المجهول على غير هدى، ليتسنى للأمريكان إعداد عملائهم والانقضاض عليه وعلى المسلمين، بوضع لا سابقة له، قتلا وتشريدا وسجنا، بيد شيطان يتعوذ إبليس منه ومن أفعاله، وإن كان السيسي قد خدع المسلمين وخدع مرسي – فك الله أسره – وإذا لم يكن لمرسي خيار في تعيين السيسي وزيرا للدفاع، فلا تجد عذرا لتعيينه وزيرا للداخلية من لواءات مبارك، وخصوصا محمد إبراهيم، فقد حدث السيد أيمن نور في مداخلة له في فضائية الجزيرة – بتصرف – أنه قد كلف من الرئيس محمد مرسي فك الله أسره بإحضار تقرير أو إحصائية من مديرية السجون، وكان محمد إبراهيم مديراً لمصلحة السجون، فرفض إعطاءه أي شيء للرئيس مرسي وأخبره أنه مستعد لإعطائه له شخصيا ما يطلب، فقال السيد أيمن نور أنه رئيس جمعية ما فكتب طلباً باسم تلك الجمعية وأعطاه محمد إبراهيم ما طلبه، وذهب أيمن نور وحدث الرئيس مرسي بما حدث، ويقول أيمن نور إنه تفاجأ حين عين مرسي محمد إبراهيم وزيرا للداخلية… انتهي كلام أيمن نور. مع أنه من الحكمة تعيين رجل مدني وزيرا للداخلية وإحالة جميع الرتب العالية في وزارة الداخلية إلى التقاعد لولائهم لنظام مبارك وجرأتهم على تعذيب المسلمين والاستهانة بهم، ومن الخطأ الفادح الاستعانة بهم.
ويذكر في التاريخ أنه عندما استولى العباسيون على السلطة من الأمويين قاموا بدعوة الأمويين للصلح، وتم التخلص منهم، ولم ينج سوى من فر إلى الأندلس، واستولى على الحكم هناك وأقام دولة بادعاء أنه من العائلة الحاكمة. وحين عين محمد علي باشا واليا على مصر تخلص من المماليك بأن دعاهم إلى القلعة على طعام ثم قضى عليهم ولاحق من فر إلى الأقاليم. وفي أول وزارة شكلها الجيش المصري بعد انقلاب 1952 أخذ عبد الناصر وزارة الداخلية ليتمكن من معرفة مفاصل حكم مصر، ورمّج 500 ضابط من ضباط الجيش المصري الذين لا يثق بهم، وحاصر وصادر أموال سياسيي العهد الملكي واستولى على أملاك العائلة المالكة ولم تظهر أموالهم في خزينة الدولة. ويحدث محمد فوزي – بتصرف – أنه ليلة الانقلاب، كان يتحرك مع سريته أو كتيبته فالتقى بوحدات مشتركة في الانقلاب، فدعوه للمشاركة معهم فامتنع، وحين نجح الانقلاب كان ينتظر ترميجه لكنهم أبقوه في الجيش ليصبح قائدا عاما وكلف باعتقال المشير عبد الحكيم عامر.
إن ما يطلق عليه الدولة العميقة في الثقافة الرأسمالية، لا عمق فيها ولا شيء مخفي وإن كان اسمها يوحي بذلك، حيث إن المصالح والإدارات والدوائر والوزارات ينقسم العاملون فيها إلى فئتين؛ فئة آمرة ناهية ترسم السياسة وتنفذها، وهؤلاء هم النخبة الحاكمة، ومن في حكمهم أو يعمل لينضم إليهم أو يحل مكانهم وهؤلاء هم السياسيون أو الوسط السياسي، بمعنى آخر هم من يتعامل بالسياسة ويعرف دهاليز السياسة ويخبر أساليب الحكم. والفئة الثانية تقوم بالأعمال الإدارية وتنفيذ الأوامر وهؤلاء يعملون تحت يد من يملك الأمر والنهي ومن يرسم السياسة، ينتظرون الأوامر ولا يتصرفون بإرادتهم كالعسكري الذي ينتظر أوامر قائده ليتحرك ولا يتحرك بدون أوامر. على رأي المثل العامي (من يتزوج أمي فهو عمي!). فالوسط السياسي – السياسيون والحكام ومن في حكمهم – الذي يجب التخلص منه، وهم أولئك الذين يمثلون العهد البائد المراد التخلص منه، وهم معروفون وظاهرون، ويجب منعهم من التدخل في أمور الدولة الإسلامية التي يجب إنشاؤها مكان هذه الدويلات التي أنشأها الكفار حين تآمروا على الدولة الإسلامية، وأسقطوها قبل ما يقرب من مئة عام، بسجنهم مثلا وتجريدهم من قوتهم ومنع تحركهم، وليس لهم قوة ذاتية بل إن قوتهم تأتي من مناصبهم واتصالهم مع الكفار أعداء الأمة الإسلامية. ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
إبراهيم سلامة
2019_04_26_Art_Movment_of_our_people_in_Algeria_and_Sudan_AR_OK_1.pdf