بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام (ح183) سياسة إدارة المصالح, والدوائر, والإدارات تقوم على اليسر, والسرعة في الإنجاز, والكفاءة
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح183) سياسة إدارة المصالح, والدوائر, والإدارات
تقوم على اليسر, والسرعة في الإنجاز, والكفاءة
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: “بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ”وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّالِثَةِ والثَّمَانِينَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا: “سِيَاسَةُ إِدَارَةِ الـمَصَالِـحِ, وَالدَّوَائِرِ, وَالإِدَارَاتِ تَقُومُ عَلَى اليُسْرِ, وَالسُّرعَةِ فِي الإِنجَازِ, وَالكَفَاءَةِ”. نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الخَامِسَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ “نظامُ الإسلام” لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 97: سِيَاسَةُ إِدَارَةِ الـمَصَـالِـحِ وَالدَّوَائِرِ وَالإِدَارَاتِ تَقُومُ عَلَى البَسَاطَةِ فِي النِّظَامِ، وَالإِسرَاعِ فِي إِنجَـازِ الأَعْمَالِ، وَالكِفَايَةِ فِيمَنْ يَتَوَلَّوْنَ الإِدَارَةَ.
المادة 98: لِكُلِّ مَنْ يَحْمِلُ التَّابِعِيَّةَ وَتَتَوَفَّرُ فِيهِ الكِفَايَةُ، رَجُلاً كَانَ أَوِ امرَأَةً، مُسْلِماً كَانَ أَوْ غَيرَ مُسْلِمٍ، أَنْ يُعَيَّنَ مُدِيراً لأَيَّةِ مَصْلَحَةٍ مِنَ الـمَصَالِـحِ، أَوْ أَيَّةِ دَائِرَةٍ أَو إِدَارَةٍ، وَأَنْ يَكُونَ مُوَظَّفاً فِيهَا.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ, يَا أُمَّةَ القُرآنْ, يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ, يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ, يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً, وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً, وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً, وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة,ِ أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ, فَوقَ كُلِّ أَرضٍ, وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ, يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ, أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا, وَهَاتَانِ هُمَا الـمَادَّتَانِ: السَّابِعَةُ والتِّسْعُون, وَالثَّامِنَةُ وَالتِّسْعُونَ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَاتَينِ الـمَادَّتَينِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
أولا: المادة 97: وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ وَاقِعِ إِنجَازِ الـمَصْلَحَةِ، فَصَاحِبُ الـمَصْلَحَةِ إِنَّمَا يَبغِي سُرْعَةِ إِنْجَازِهَا، وَإِنجَازُهَا عَلَى الوَجْهِ الأَكْمَلِ، وَالرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْـتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْـتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ …». (رَوَاهُ مُسلِمُ مِنْ طَرِيقِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ). فَالإِحْسَانُ فِي قَضَاءِ الأَعْمَالِ مَأْمُورٌ بِهِ مِنَ الشَّرعِ، وَلِلوُصُولِ إِلَى هَذَا الإِحْسَانِ فِي قَضَاءِ الـمَصَالِـحِ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَتَوَفَّرَ فِي الإِدَارَةِ ثَلاثُ صِفَاتٍ: إِحْدَاهَا: البَسَاطَةُ فِي النِّظَامِ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدِّي إِلَى السُّهُولَةِ وَاليُسْرِ، وَالتَّعقِيدُ يُوجِدُ الصُّعُوبَةَ. وَثَانِيَتُهَا: الإِسْرَاعُ فِي إِنجَازِ الـمُعَامَلَاتِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى التَّسْهِيلِ عَلَى صَاحِبِ الـمًصْلَحَةِ. وَثَالِثَتُهَا: القُدْرَةُ وَالكِفَايَةُ فِيمَنْ يُسنَدُ إِلَيهِ العَمَلُ، وَهَذَا يُوجِبُهُ إِحْسَانُ العَمَلِ، كَمَا يَقتَضِيهِ القِيَامُ بِالعَمَلِ نَفْسِهِ.وَمِنَ الأَدِلَّةِ الوَارِدَةِ عَلَى هَذِهِ الثَّلاثِ مَا يَأْتِي:
أولا: اليسر:حَدِيثُ أَبِي مُوسَى الـمُتَّفَقُ عَلَيهِ وَاللَّفْظُ لِلبُخَارِيِّ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُردَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدَّهِ قَالَ: لَـمَّا بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَالَ لَـهُمَا: «يَسِّرَا وَلا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا …».وَحَدِيثُ أَنَسٍ الـمُتَّفَقُ عَلَيهِ وَلَفْظُهُ عِنْدَهُمَا: قَالَ قَالَ النَّبِيُّصلى الله عليه وسلم : «يَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا، وَسَكِّنُوا وَلا تُنَفِّرُوا». وَحَدِيثُ عَمْرو بْنِ مُرَّةَ عِندَ الحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ, وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ دُونَ ذَوِي الْحَاجَةِ وَالخِلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ، أَغْلَقَ اللَّهُ بَابَ السَّمَاءِ دُونَ خِلَّتِهِ وَحَاجَتِهِ وَفَقْرِهِ وَمَسْكَنَتِهِ». وَحَدِيثُ أَبِي مَرْيَمَ الأَزْدِيِّ عِندَ الحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ, وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئاً فَاحْـتَجَبَ دُونَ خِلَّتِهِمْ وَحَاجَتِهِمْ وَفَقْرِهِمْ وَفَاقَتِهِمْ، احْـتَجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ القِيَامَةِ دَونَ خِلَّتِهِ وَفَاقَتِهِ وَحَاجَتِهِ وَفَقْرِهِ». قَالَ الحَاكِمُ فِي مُستَدْرَكِهِ عَلَى الصَّحِيحَينِ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسنَادِ, وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ, وَإِسْنَادُهُ شَامِيٌّ صَحِيحٌ.وَحَدِيثُ مُعَاذٍ عِندَ أَحْمَدَ وَصَحَّحَهُ الزينُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ شَيْئاً فَاحْتَجَبَ عَنْ أُولِي الضَّعَفَةِ وَالْحَاجَةِ، احْـتَجَبَ اللَّهُ عَـنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
ثانيا: السرعة في الإنجاز: حَدِيثُ الطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ غَيرُ بَقِيَّة, وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِيَّاكُمْ وَالإِقْرَادُ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الإِقْرَادُ؟ قَالَ: يَكُونُ أَحَدُكُمْ أَمِيراً أَوْ عَامِلاً فَتَأْتِيهِ الأَرْمَلَةُ وَالمِسْكِينُ فَـيُقَالُ لَهُ: انْتَظِرْ حَتَّى يُنْظَرَ فِي حَاجَتِكَ، فَـيُتْرَكُونَ مُقْرَدِينَ لاَ تُقْضَى لَهُمْ حَاجَةٌ وَلاَ يُؤْمَرُونَ فَيَـنْصِرِفُونَ، وَيَأْتِي الرَّجُلُ الغَنِيُّ الشَّرِيفُ فَـيُقْعِدُهُ إِلَى جَانِبِهِ ثُمَّ يَقُولُ: مَا حَاجَتُكَ؟ فَيَقُولُ: كَذَا وَكَذَا. فَيَقُولُ: اقْضُوا حَاجَتَهُ وَعَجِّلُوا بِهَا».
ذَكَرَ ابْنُ شَبَّةَ فِي تَارِيخِهِ عَنِ ابْنِ شَوذَبَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: (أَيُّهَا النَّاسُ لَا تُؤَخِّرُوا عَمَلَ اليَومِ لِغَدٍ، فَإِنَّكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ تَدَارَكَتْ عَلَيكُمُ الأَعْمَالُ فَلَمْ تَدرُوا بِأَيِّهَا تَبدَؤُونَ مَا ضَيَّعْتُم). وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الأُمَّ: أَنبَأَنَا غَيرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ أَنَّهُ لَـمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ مَا أُصِيبَ مِنَ العِرَاقِ، قَالَ لَهُ صَاحِبُ بَيتِ الـمَالِ: أَنَا أُدْخِلُهُ بَيتَ الـمَالِ. قَالَ: لَا وَرَبِّ الكَعْبَةِ لَا يُؤْوَى تَحْتَ سَقْفِ بَيتٍ حَتَّى أُقَسِّمَهُ. وَذَكَرَ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ وَابنُ عَبدِ البَرِّ فِي الاستِيعَابِ, وَابنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي الزُّهْدِ عَنْ مَجْمَعِ أَنَّ عَلِيّاًرضي الله عنه كَانَ يَأْمُرُ بِبَيْتِ الـمَالِ فَيُكْنَسَ, ثُمَّ يُنضَحَ, ثُمَّ يُصِلِّي فِيهِ رَجَاءَ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ يَومَ القِيَامَةِ أَنَّهُ لَـمْ يَحْبِسْ فِيهِ الـمَالَ عَنِ الـمُسلِمِينَ.
ثالثا: الكفاءة: رَوَى أَحْمَـدُ بِإِسْـنَادٍ حَسَنٍ عَنْ حُذَيفَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ قَـوْمـاً كَانُـوا أَهْلَ ضَعْفٍ وَمَسْكَنَةٍ قَاتَلَهُمْ أَهْلُ تَجَـبُّرٍ وَعَدَدٍ، فَأَظْهَرَ اللَّهُ أَهْلَ الضَّعْفِ عَلَيْهِمْ، فَعَمَدُوا إِلَى عَدُوِّهِمْ فَاسْتَعْمَلُوهُمْ وَسَلَّطُوهُمْ، فَأَسْخَطُوا اللَّهَ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ».رَوَى مُسلِمُ عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّا وَاللَّهِ، لاَ نُوَلِّي عَلَى هَذَا الْعَمَلِ أَحَداً سَأَلَهُ، وَلاَ أَحَداً حَرَصَ عَلَيْهِ». رَوَى البَيهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ عُمَرَ قَالَ: “لَا يَقْضِي بَينَ النَّاسِ إِلَّا حَصِيفُ العَـقـلِ أَرِيبُ العُقْدَةِ, لَا يُطَّلَعُ مِنهُ عَلَى عَورَةٍ, وَلَا يَحْنَقُ عَلَى جَرَّةٍ, وَلَا تَأخُذُهُ فِي اللهِ لَومَـةُ لَائِـٍم”. قَـالَ ابْنُ الأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ: لَا يَحْنَقُ عَلَى جَرَّتِةِ: أَيْ لَا يَحْقِدُ عَلَى رَعِيَّتِهِ. وَرَوَى الحَاكِمُ فِي الـمُسْـتَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ, وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه: أَنَّهُ قَـالَ لِأَصْحَابِهِ: تَمَنَّوا فَقَالَ بَعضُهُمْ: أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ مَملُوءَةٌ ذَهَباً أُنفِقُهُ فِي سَـبِـيلِ اللهِ وَأَتَصَدَّقُ, وَقَـالَ رَجُلٌ: أَتَمَنَّى لَو أَنَّهَا مَملُوءَةٌ زَبَرجَداً وَجَوْهَراً فَأُنفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأَتَصَدَّقَ, ثُمَّ قَالَ عُمَرُ تَمَنَّوا فَقَالُوا: مَا نَدْرِي يَا أَمِيرَ الـمُؤْمِنِينَ فَقَال عُمَرُ: “أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّهَا مَملُوءَةٌ رِجَالاً مِثْلَ أَبِي عُبَيدَةَ بْنِ الجَرَّاحِ, وَمُعَاذٍ بْنِ جَبَلٍ, وَسَالِـمٍ مَولَى أَبِي حُذَيفَةَ, وَحُذَيفَةَ بْنِ اليَمَانِ”.
ثانيا: المادة 98: وَذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ أَحْكَامِ الإِجَارَةِ، لِأَنَّ الـمُدِيرِينَ وَالـمُوَظَّفِينَ فِي الدَّولَةِ أُجَرَاءُ وَفْقَ أَحْكَامِ الإِجَارَةِ، فَيَجُوزُ استِئْجَارُ الأَجِيرِ مُطْلَقاً، سَوَاءٌ أَكَانَ مُسْلِماً أَمْ غَيرَ مُسْلِمٍ؛ وَذَلِكَ لِعُمُومِ أَدِلَّةِ الإِجَارَةِ وَإِطْلَاقِهَا، فَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ). (الطلاق 6) وَهُوَ عَامٌّ، غَيرُ مُخَصَّصٍ بِالـمُسْلِمِ، وَرَوَى البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَالَ اللَّهُ: ثَلاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ … وَرَجُلٌ اسْـتَأْجَرَ أَجِيراً فَاسْـتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ». وَهُوَ مُطْلَقٌ غَيرُ مُقَيَّدٍ بِالأَجِيرِ الـمُسْلِمِ، عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم استَأْجَرَ رَجُلاً مِنْ بَنِي الدِّيلِ، وَهُوَ عَلَى دِينِ قَومِهِ، كَمَا رَوَاهُ البُخَارِيًّ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ إِجَارَةِ غَيرِ الـمُسْلِمِ كَإِجَارَةِ الـمُسْلِمِ. وَكَذَلِكَ يَجُوزُ استِئْجَارُ الـمَرْأَةِ كَمَا يَجُوزُ استِئْجَارُ الرَّجُلِ، لِعُمُومِ الأَدِلَّةِ وَإِطْـلَاقِهَا أَيْضـاً، فَيَجُوزُ لِلمَرْأَةِ أَنْ تَكُونَ مُدِيرَةَ دَائِرَةٍ فِي دَوَائِرِ الدَّولَةِ، وَأَنْ تَكُـونَ مِنَ الـمُوَظَّـفِـينَ فِيهَا، وَيَجُوزُ لِغَيرِ الـمُسْلِمِ أَنْ يَكُونَ مُدِيراً لِدَائِرَةٍ مِنْ دَوَائِرِ الدَّولَةِ، وَأَنْ يَكُونَ مُوَظَّفاً مِنَ الـمُوَظَّفِينَ؛ لِأَنَّهُمْ أُجَرَاءُ، وَأَدِلَّةُ الإِجَارَةِ عَامَّةٌ وَمُطْلَقَةٌ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.