Take a fresh look at your lifestyle.

رسائل رمضانية من هدي القرآن والسنة النبوية – الرسالة الحادية عشرة ذكرى فتح عمورية على يد المعتصم (1)


الرسالة الحادية عشرة

ذكرى فتح عمورية على يد المعتصم (1)

 

 

الحَمدُ للهِ الذي فَتحَ أبوَابَ الجِنَانِ لِعبَادِهِ الصَّائمينْ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى أشرَفِ الأنبيَاءِ وَالمُرسَلينْ، المَبعُوثِ رَحْمَةً لِلعَالمينْ، وَآلهِ وَصَحبهِ الطيِّبينَ الطَّاهرينْ، وَمَنْ تبِعَهُ وَسَارَ عَلى دَربهِ وَاهتدَى بهَديهِ وَاستَنَّ بسُنَّتهِ، وَدَعَا بدَعوَتهِ إلى يَومِ الدِّينْ.

 

مستمعي الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير: السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، وبعد: إليكم الرسالة الحادية عشرة من “الرسائل الرمضانية من هدي القرآن والسنة النبوية”، وهي بعنوان: “ذكرى فتح عمورية على يد المعتصم (القسم الأول)”.

 

إخوةَ الإيمانِ: أيها الصائمون:

 

اجتمعت على الدولة العباسية في النصف الأول من القرن الثالث الهجري قوتان رهيبتان:

 

الأولى: المجوسية متجسمة في أتباع بابك الخرَّميِّ، الذي قتل من المسلمين والمسلمات في عشرين سنة مائتين وخمسة وخمسين ألفاً.

 

والثانية: البيزنطية متكئة على جيوش ثيوفلس بن ميخائيل ملك القسطنطينية والأناضول، الذي رصد لحرب المسلمين مائة ألف جندي أو يزيدون. ولما ضيقت الجيوش الإسلامية الخناق على بابك، وقامت بحركاتٍ عسكريةٍ واسعةٍ في الشرق، لم يسبق لها نظير في تاريخ الحروب، كانت الرسائل دائرة حينئذ بين عدوَّي الإسلام ثيوفلس وبابك نصير المجوسية. فبادر ثيوفلس إلى حرب المسلمين في الشمال؛ ليخفف الضغط عن بابك الخرَّميِّ في الشرق، فبينما الفيالق المحمدية تخوض الموت خوضا ًفي أذربيجان وأرمينيا، للبطش بزعيم المجوسية، كان ثيوفلس يغدر في البلاد الإسلامية التي على حدود الأناضول مثل ملطية وزبطرة وغيرهما، فيسبي المسلمات، ويسمُل أي يفقأ عيون الشيوخ المسلمين، ويقطع أنوف أطفالهم وآذانهم، وقد ارتكب من الفظائع ما تقشعر له الأبدان، منتهزاً خلو هذه الديار من الجيوش الكافية المشغولة بحرب بابك. وكان من بين النساء المسلمات اللاتي ساقهن ثيوفلس من زبطرة إلى عمورية بالقرب من أنقرة، سيدة من نساء بني هاشم، ممتلئة بالعزة والأنفة والشجاعة والشرف، وكانت ترى أنَّ كل ما في الدنيا من عزة وشجاعة وشرف متمثل في نفس الخليفة أمير المؤمنين، المعتصم بن هارون الرشيد؛ لأنه إمام المسلمين، وقائد جيوشهم، فهو بمن تحت إمرته من ملايين الأسود، وبما هو قائم من نصرة دين الله  قادر على أن يزيل عن رعيته كل بؤس مهما كان شديدا!

 

وفي ضحوة يوم من أيام الشتاء، سنة ثلاث وعشرين ومائتين هجرية، آذار سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة ميلادية، كان أمير المؤمنين جالسًا في قصره العظيم بمدينة (سُرَّ من رأى) ومن حوله حشمه وأهل قصره، فقال له الحاجب: يا أمير المؤمنين، شيخ مسلم بالباب، هارب من أسر الروم، يريد المثول بين يديك. فلما أذن له دخل فقال: يا أمير المؤمنين، جئتك من عمُّورية، المجاورة لأنقرة، وكنت أسيراً فيها، فسمعت سيدة مسلمة من أسرى زبطرة تنادي  رُغم ما بينك وبينها من جبال ومفاوز وا معتصماه! فجئتك هاربًا من أسرهم، مقتحمًا صنوف الأخطار؛ لأبلغك صوتها!

 

فلما سمع الخليفة أمير المؤمنين، المعتصم بن هارون الرشيد مقالة ذلك الشيخ نهض في الحال مجيبًا نداءها: لبيك، لبيك! ودعا إليه عبد الرحمن بن إسحاق قاضي بغداد، وشعبة بن سهل، أحد كبار العلماء، وثلاثمائة وثمانية وعشرين رجلاً من أهل العدالة، فقال لهم:

 

إني ذاهب في سبيل الله؛ لأنقذ تلك المرأة المسلمة التي دعتني من أعماق بلاد الروم، وقد لا أعود إليكم، فاشهدوا أني وقفت جميع ما أملكه من الضياع، فجعلت ثلثًا لولدي، وثلثًا لله تعالى، وثلثًا لمواليَّ. وللحديث بقية.

 

اللهُمَّ أقـِرَّ أعْيُنَنَا بـِقيَامِ دَولةِ الخِلافَة، وَاجْعلْنـَا مِنْ جُنُودِهَا الأوفِياء المُخلِصينْ.

 

وَالسَّلامُ عَليكـُم وَرَحمَةُ اللهِ  وَبَرَكاتهُ.