كيف سيقضي الإسلام باعتباره مبدأً على العنصرية
(مترجمة)
الإسلام هو المبدأ الوحيد القادر على القضاء على العنصرية. لنفهم كيف، نحتاج أولاً إلى تحديد ماهية العنصرية والتعرف على ما يكمن في أساسها.
يتم شرح العنصرية وفقاً لقاموس أوكسفورد الأمريكي الجديد مع التعريفين التاليين:
1) التحامل أو التمييز أو العداء الموجه ضد شخص من جنس مختلف بناءً على الاعتقاد بأن جنس الفرد هو الأفضل.
2) الاعتقاد بأن جميع أعضاء كل عرق يمتلكون خواص أو قدرات خاصة بهذا العرق، تميزه على أنه أدنى أو متفوق على جنس أو أعراق أخرى.
ترتبط العنصرية بالروابط السطحية بين الناس على أساس القبلية والوطنية والقومية. إنها روابط قائمة على الروابط العائلية أو القبلية أو العشائرية. وتستند الروابط الثلاث إلى أفكار ضحلة، وهي في جوهرها مقسِّمة وتشجع التمييز والفصل.
تولد القومية عندما يكون الفكر السائد هو تحقيق الهيمنة. وتبدأ داخل وحدة الأسرة، حيث يحقق أحد الأعضاء القيادة في شؤون الأسرة. وبمجرد تحقيق ذلك، يوسع الفرد قيادته إلى الأسرة الأوسع. ولاحقا يتم تحقيق هذه القيادة داخل المجتمع، مما يؤدي في النهاية إلى تنافس القبائل مع بعضها البعض. الجميع يعتقدون أن أسرة الفرد أو القبيلة أو البلد متفوقة بطبيعتها على الآخرين وكلهم يحاولون تحقيق الهيمنة والامتيازات التي تأتي مع وجود السلطة.
وهكذا ولدت الأمم، التي شكلتها ثمار القومية. والآن، على الرغم من أن معظم المجتمعات الليبرالية العلمانية تدعي أنها تعترض على أي شكل من أشكال العنصرية، وإن لم تكن جميعها قد أدرجت مفهوم المساواة في دستورها، فإن أساسها ذاته مبني على مفهوم القومية والاعتقاد بأن هذا البلد متفوق على غيره. إنه مفهوم يتم الترويج له داخل هذه المجتمعات من خلال الوسائل المختلفة؛ (على سبيل المثال “يوم الاستقلال”، “النشيد الوطني”). كل هذا يؤدي إلى مجتمعات تكافح من أجل التوفيق بين الترويج للقومية وما ينتج عنها من “كُره للأجانب” والعنصرية المصاحبة لها. هذا أمر لا مفر منه، حيث ستكون لكل أمة مصالحها الخاصة؛ وستتعارض مصالح إحداهما مع مصالح الأخرى مما يؤدي إلى استمرار الخلاف والانقسام والصراع في العالم، على سبيل المثال الاستعمار والفصل العنصري والعبودية وتدفق اللاجئين والحرب.
قبل مجيء الإسلام، كانت بنية المجتمع العربي هي بنية قبلية، وحين جاء الإسلام أعطى العالم رابطة جديدة بين الناس، رابطة تتجاوز كل الروابط الأخرى، رابطة مبدئية قائمة على العقيدة الإسلامية. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.
جاءت رسالته بأن جميع الناس هم من نسل آدم وحواء ويتشاركون في هذا الشرف على قدم المساواة. الفرق الوحيد بينهم هو في الدين الذي يدور حول طاعة الله تعالى واتباعهم رسوله e ، و”إنما تتفاضلون عند الله بالتقوى لا بالأحساب”. (ابن كثير)
أمر الإسلام بالولاء للعقيدة الإسلامية بدعوة جميع الناس إلى الإيمان بالله سبحانه وتعالى خالق البشرية جمعاء. لذلك كانت العلاقات في الإسلام مبنية على عقيدة لا إله إلا الله وليس على العرق أو اللون أو المنطقة.
في مناسبات عديدة، كان النبي e يؤكد على فساد القومية، في أقواله وأفعاله. «لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ» (أبو داود)
في خطبة الوداع، قال النبي e : «أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي فضل على أعجمي إلا بالتقوى». وقال أيضا: «إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُم». وقال e : «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ».
إحدى القصص المهمة التي تظهر رد فعل النبي e هي قصة أبي ذر الذي قال لبلال “يا ابن السوداء”، فغضب النبي e وقال له: «إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ». مما جعل أبا ذر يشعر بالندم الشديد ووضع خده على الأرض وطلب من بلال أن يدوس على خده الآخر إذا كان يريد ذلك.
عندما رأى أعداء الإسلام القوة الكبيرة للأمة الإسلامية من خلال رابطتهم المبدئية، تآمروا لإعادة تثبيت رابطتهم القومية المنحطة. أعيد إدخال القومية العربية والتركية إلى الأمة. مما أدى في النهاية إلى تدمير الخلافة التي انقسمت الدولة الإسلامية بعدها إلى دول. ستؤكد الأنظمة الاستبدادية الحالية في البلاد الإسلامية على القومية والوطنية وتضخيمها داخل نطاق سيطرتها، من أجل الحفاظ على مركزها الخاص للسلطة، وهذا هو السبب أيضاً في عودة العنصرية إلى هذه الأراضي.
في الختام، علمنا التاريخ أنه لا يمكن ربط الناس معاً بناءً على رابطة القومية السطحية دون مصلحة مجموعة واحدة تتصادم مع مصالح المجموعة الأخرى. لذلك، حتى لو حاولت الدول الليبرالية العلمانية القضاء على العنصرية، فإن الرابطة التي تربط هذه المجتمعات ببعضها هي القومية، وهي مقدمة للعنصرية.
من ناحية أخرى، يقدم الإسلام رباطاً مختلفاً، رباطاً ينقل الناس من انحطاط القومية إلى سمو الرابطة المبدئية. سيكون مجتمعاً مبنياً على التقوى، خاليا من العنصرية. وتاريخنا يشهد على هذا النجاح الذي لا مثيل له. دولة تأسست في الأساس على الرابطة الصحيحة وحيث يتم تعليم المسلمين حول ثمار القومية الفاسدة. لن يتم منع العنصرية فقط من خلال القضاء عليها ولكن أيضاً من خلال شعور عالٍ بالالتزام الأخلاقي الذي يشعر به المجتمع تجاه القضاء على هذا النوع من الأعمال غير المتحضرة من جذورها.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
ياسمين مالك
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
2019_05_11_Art_How_Islam_as_an_ideology_will_eradicate_Racism_AR_OK.pdf