رسائل رمضانية من هدي القرآن والسنة النبوية – الرسالة الثانية عشرة ذكرى فتح عمورية على يد المعتصم (2)
الرسالة الثانية عشرة
ذكرى فتح عمورية على يد المعتصم (2)
الحَمدُ للهِ الذي فَتحَ أبوَابَ الجِنَانِ لِعبَادِهِ الصَّائمينْ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى أشرَفِ الأنبيَاءِ وَالمُرسَلينْ، المَبعُوثِ رَحْمَةً لِلعَالمينْ، وَآلهِ وَصَحبهِ الطيِّبينَ الطَّاهرينْ، وَمَنْ تبِعَهُ وَسَارَ عَلى دَربهِ وَاهتدَى بهَديهِ وَاستَنَّ بسُنَّتهِ، وَدَعَا بدَعوَتهِ إلى يَومِ الدِّينْ.
مستمعي الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير: السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، وبعد: إليكم الرسالة الثانية عشرة من “الرسائل الرمضانية من هدي القرآن والسنة النبوية”، نتابع معكم فيها الحديث عن (القسم الثاني) من: “ذكرى فتح عمورية على يد المعتصم”.
إخوةَ الإيمانِ: أيها الصائمون:
ثمَّ أمر المعتصم من صاح في قصره: النفير، النفير! ثمَّ امتطى صهوة جواده، وأخذ معه حقيبة فيها زاده، وأصدر أوامره بأن تكون الجيوش التي تلحق به أعظم جيوش سالت بها الأباطح قبل ذلك اليوم! فما زالت الجيوش تتبعه يومًا بعد يوم، يسلك بعضها إلى أنقرة وعمُّورية طريق الساحل إلى جانب طرطوس ومرسين، ومنها إلى قونية فمدينة أنقرة. والجيوش الأخرى اتبعت الطرق الداخلية بقدر ما تحتمله تلك الطرق من الجيوش، وما زالوا كذلك حتى اخترقوا الأناضول ومعاقله وحصونه، فوصلوا إلى أنقرة في ربيع سنة ثلاث وعشرين ومائتين هجرية، ثمان وثلاثين وثمانمائة ميلادية، فدمرها المعتصم على رؤوس أهلها. ولما انتهى المعتصم من هذه المدينة، سار إلى عمُّورية، فكانت أمنع مدائن البيزنطيين، وأعز على الروم من القسطنطينية نفسها، فنزل على حصونها وأبراجها وأسوارها، وكانت أمنع أسوار عُرفت إلى ذلك العهد، فما زال يلح عليها بمنجانيقه ورهيب آلاته، حتى دخلها في شهر رمضان في تلك السنة، وكان أول ما طلبه هو الوصول إلى السيدة التي استجارت به وهي في سجنها، فقال كلمته الأولى: لبيك، لبيك!
وقد ثبت بالتاريخ أن أمير المؤمنين المعتصم كان يدير الحركات العسكرية بنفسه في هذه الوقائع، ويصدر الأوامر اليومية إلى جيوش كانت منه على مسافة أيام. وهو الذي رسم خطط هذه الحرب، وعين للقواد مراكزهم، ومناطق هجومهم. ولما تفرغ المعتصم من بابك وقتله وأخذ بلاده، استدعى الجيوش لتأتي بين يديه، وتجهَّز جهازا لم يُجهِّزه أحد كان قبله من الخلفاء، وأخذ معه من آلات الحرب والأحمال والجمال والقرب، والدواب والنفط والخيل والبغال شيئاً لم يُسمع بمثله، وسار إلى عمُّورية في جحافل أمثال الجبال، وعبأ جيوشه تعبئة لم يسمع بمثلها، وقدَّم بين يديه الأمراء المعروفين بالحرب، فانتهى في سيره إلى نهر قريب من طرسوس.
وقد ركب ملك الروم في جيشه فقصد نحو المعتصم فتقاربا حتى كان بين الجيشين نحو من أربعة فراسخ، ودخل أحد قادة المسلمين بلاد الروم من ناحية أخرى فجاءوا في أثره وضاق ذرعه بسبب ذلك. فسار إليه ملك الروم في شرذمه من جيشه واستخلف على بقية جيشه قريباً له، فالتقيا هو وأحد قادة جيش المسلمين، فثبت له القائد، وقتل من الروم خلقا كثيراً، وجرح آخرين وتغلب على ملك الروم، وبلغه أن بقية الجيش قد شردوا عن قرابته، وذهبوا عنه، وتفرقوا عليه، فأسرع الأوبة، فإذا نظام الجيش قد انحل، فغضب على قرابته وضرب عنقه! وجاءت الأخبار بذلك كله إلى المعتصم، فسره ذلك وركب من فوره، وجاء إلى أنقرة فوجد أهلها قد هربوا منها. وللحديث بقية.
اللهُمَّ أقـِرَّ أعْيُنَنَا بـِقيَامِ دَولةِ الخِلافَة، وَاجْعلْنـَا مِنْ جُنُودِهَا الأوفِياء المُخلِصينْ.
وَالسَّلامُ عَليكـُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكاتهُ.