مع الحديث الشريف
لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ـ رضي الله عنهم ـ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَرَأَى زِحَامًا، وَرَجُلاً قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: ”مَا هَذَا”. فَقَالُوا: صَائِمٌ. فَقَالَ: ”لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ”. سنن ابن ماجه
إن خير الكلام كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي نبيه عليه الصلاة والسلام، محمد بن عبد الله، أما بعد:
يرشدنا هذا الحديث الشريف إلى أمر نتعرض له كثيرا هذه الأيام ألا وهو السفر والقيام بالعبادات التي فرضها الله علينا، فهناك بعض العبادات التي جعل الله سبحانه وتعالى لها رخصة شرعية كالسفر، وقد يكون المسلم مسافرا ويحدث أن يكون صائما، فالسؤال هنا هل من البر أن نقوم بالصيام ونحن لا نستطيع ذلك لأسباب كثيرة؟ فالجواب في هذا الحديث أنه ليس من البر أن نقوم بهذه العبادة، بل البر أن نأخذ بالرخصة الشرعية حتى نستطيع القيام بالعبادات التي تحتاج منا القوة والقدرة، فقد يظن البعض أنه بصيامه سيناله الأجر الأكبر، ولكن هذا الأمر يناقض الحال ويمنع المرء من عبادات أخرى كالصلاة والجهاد، فكلا العملين – الصلاة والجهاد – بحاجة إلى قوة وقدرة، فكيف لنا أن نقوم بعمل رُخص لنا أن نؤجله في الوقت الذي يمكن أن يمنعنا القيام به من أعمال أخرى أفضل وأكثر أجرا؟!
إن الأمر متعلق بالوعي على الأحكام الشرعية كيف تؤخذ وتُؤدى حتى لا يقع المؤمن في المحظور، فكيف نقع فيه ونحن نجتهد من أجل التقرب إلى الله سبحانه وتعالى في الوقت الذي نعلم أن الله يحب أن تُؤتى رخصه كما يحب أن تُؤتى فرائضه، فيجب على المؤمن أن يعلم أنه إذا تزاحمت الفروض فحينها يُقدم الأولى على غيره، ومن يحدد الأولى هو الله سبحانه وتعالى، فيجب على المؤمن أن يقتصر على ما فرضه الله بشكله وحاله، ويجتهد فيما سُمح له بالاجتهاد فيه حتى لا يقع في الإثم.
ولكننا هذه الأيام بُلينا بمن يظن أنه أكثر تقوى وأكثر حرصا على الدين، وهو في حقيقة الأمر يجهل أحكام الإسلام ويتخبط في أدائها بالشكل المطلوب، فأمثال هؤلاء وغيرهم يفسدون على من سمع منهم عبادتهم، فهم يتقصدون أن يفسدوا عليهم هذا الفرض العظيم بدعوى التقوى والحرص على الإسلام، فيضيقون على عباد الله ما وسع عليهم فيه، ويتساهلون في حدود الله ومحارمه.
فالله نسأل أن يعيذنا من أمثال هؤلاء الضالين المضلين الجهالين الفاسدين العاملين لإفساد عباداتنا علينا، إن ذلك ليس على الله بعزيز.
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه للإذاعة: د. ماهر صالح