الرسالة الثامنة عشرة
ذكرى فتح مكة (4)
الحَمدُ للهِ الذي فَتحَ أبوَابَ الجِنَانِ لِعبَادِهِ الصَّائمينْ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى أشرَفِ الأنبيَاءِ وَالمُرسَلينْ، المَبعُوثِ رَحْمَةً لِلعَالمينْ، وَآلهِ وَصَحبهِ الطيِّبينَ الطَّاهرينْ، وَمَنْ تبِعَهُ وَسَارَ عَلى دَربهِ وَاهتدَى بهَديهِ وَاستَنَّ بسُنَّتهِ، وَدَعَا بدَعوَتهِ إلى يَومِ الدِّينْ.
مستمعي الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير: السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، وبعد: إليكم الرسالة الثامنة عشرة من “الرسائل الرمضانية من هدي القرآن والسنة النبوية”، نتابع معكم فيها الحديث عن (القسم الرابع) من “ذكرى فتح مكة”.
إخوةَ الإيمانِ: أيها الصائمون:
أتابع معكم الحديث عن فتح مكة حيث إن الساعة الفاصلة مع أهل مكة قد دنت، وتمت الاستعدادات، وتحرك جيش المسلمين في عشرة آلاف مقاتل، فغادر رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة لعشر خلون من شهر رمضان المبارك سنة ثمان للهجرة متوجهاً نحو مكة في عدد وعدة لم تعرفه الجزيرة العربية من قبل. ومع كثافة هذا الجيش وقوته وأهميته، فقد بقي سرُّ حركته مكتوماً لا يعرف عنه شيء. وتقدم الجيش الزاحف يقوده الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد امتلأت نفسه رضاً ومسرَّة، إذ وجد قريشاً عاجزة عن المقاومة، فخفض رأسه متواضعاً لله تعالى حتى كاد عثنونُه يمسُّ واسطة الرَّحل. أي حتى كادت لحيته تمسُّ ظهرَ دابته. لقد فرض النبي عليه الصلاة والسلام كلَّ الاحتمالات الممكنة فقرر على الرغم من ظواهر الموقف التي تدل على عزم قريش على الاستسلام، أن يدخل مكة بتعبئة حربية استعداداً للطوارئ، فقسم جيش المسلمين إلى أربعة أرتال، تتقدم على النحو الآتي:
- رتل أبي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه: ويتألف من المهاجرين، وقد رافقه النبي صلى الله عليه وسلم بكتيبته الخضراء، ويدخل مكة من شمالها الغربي.
- رتل سعد بن عبادة الأنصاري رضي الله عنه: ويتألف من الأنصار، ويدخل مكة من جانبها الغربي.
- رتل الميمنة بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه: ويتألف من فرق مختلفة من القبائل تبلغ ثلث الجيش، ويدخل مكة من جنوبها.
- رتل الميسرة بقيادة الزبير بن العوام رضي الله عنه: ويدخل مكة من شمالها.
وكان أمر الرسول عليه الصلاة والسلام لقواده ألاَّ يقاتلوا إلاَّ إذا اضطروا إلى القتال. حتى يتمَّ فتح مكة سلمياً وبدون قتال، واستثنى من ذلك جماعة عظمت ذنوبهم، وآذوا الإسلام وأهله عظيم الأذى، فأهدر دمهم وإن تعلقوا بأستار الكعبة، منهم: عكرمة بن أبي جهل. وصفوان بن أمية بن خلف. ووحشي قاتل حمزة بن عبد المطلب. وهند زوج أبي سفيان. وعبد الله بن أبي سرح الذي كان قد أسلم، وكتب لرسول الله الوحي، ثمَّ ارتد، وافترى الكذب على النبي الأمين. وقليل غير هؤلاء. تقدمت طلائع أرتال الجيش الأربعة، في اليوم العشرين من رمضان نحو أهدافها، وسمع بعضُ المسلمين سعدَ بنَ عبادة يقول: (اليوم يوم الملحمة! اليوم تستحل الحرمة!). فأخبروا الرسول عليه الصلاة والسلام بذلك فقال: «اليومَ يومُ المرحَمة! اليومَ يومٌ تعظَّم فيه الكعبة، اليومَ يومٌ أعزَّ اللهُ فيه قريشاً». وأمر أن تؤخذ الراية من سعد وتدفع إلى ابنه قيس، فقد كان أهدأ أعصاباً من أبيه، وأكثر سيطرة على نفسه، وبذلك حال دون اندفاع سعد لإثارة الحرب. وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل مكة من أعلاها، ودخلت قوات المسلمين مكة دون مقاومة، إلاَّ رتل خالد بن الوليد، فقد تجمع متطرفو قريش مع بعض حلفائهم من بني بكر، وعلى رأسهم عكرمة وصفوان وسهيل بن عمرو، فتصدوا لخالد، وأمطروه بوابل من نبالهم، وهم يظنون أنهم بذلك إنما يدفعون عن مكة الشر، ولكنَّ خالداً لم يمهلهم لحظة واحدة، بل كرَّ عليهم، وشتت شملهم، بعد أن قتل منهم اثني عشر رجلاً، ففروا أجمعين، واستسلمت مكة للمسلمين… وتمَّ الفتح المبين! وللحديث بقية.
اللهُمَّ أقـِرَّ أعْيُنَنَا بـِقيَامِ دَولةِ الخِلافَة، وَاجْعلْنـَا مِنْ جُنُودِهَا الأوفِياء المُخلِصينْ.
وَالسَّلامُ عَليكـُم وَرَحمَةُ اللهِ.