Take a fresh look at your lifestyle.

كغثاء السيل نحن بلا خلافة تحرر الأقصى وتحمي المقدسات

 

كغثاء السيل نحن بلا خلافة تحرر الأقصى وتحمي المقدسات

 

صلى في المسجد الأقصى المبارك، ليلة السابع والعشرين من رمضان نحو نصف مليون مصلٍّ، اعتكفوا وأحيوا الليل في المسجد، فكانت الصور والفيديوهات التي انتشرت تبعث في النفس البهجة لامتلاء المسجد بأهله ومحبيه الذين تكبدوا المشاق واحتملوا العناء للوصول إليه. خاصة بعد دعوات الحشد التي انتشرت في الأيام الأخيرة للصلاة فيه ومنع الاحتلال من التعدي على المعتكفين وإخراجهم من المسجد كما حصل في الليالي السابقة خلال الشهر الفضيل…

 

لكن هذه البهجة استحالت في الصباح قهراً وألماً بعدما هاجم الاحتلال المسجد فاعتقل من المعتكفين من اعتقل، ودنس جنوده ساحات المسجد ومصلياته، وجال فيه المستوطنون وصالوا تحت حماية قوات الجيش، بعدما صار المسجد شبه خالٍ من الزوار الذين غادروه فجراً عائدين إلى ديارهم.

 

يمنع الاحتلال أهل فلسطين المسلمين من زيارة مسجدهم، ولا تستطيع الجموع الوصول له إلا في رمضان وتحت عين الاحتلال وسمعه، وبإذن منه إلا ما ندر. وليس استشهاد الشابين عبد الله ويوسف يوم 26 رمضان أثناء محاولة الوصول للأقصى إلا مثال صارخ من عشرات الأمثلة على سيطرة يهود على قبلة المسلمين الأولى واغتصابهم لمسرى رسول الله، وسط صمت مخزٍ من علماء الأمة وأهل قوتها ومنعتها والفاعلين فيها!

 

دعوات الحشد التي أطلقها مرابطون ومقدسيون، للتصدي لقوات المقتحمين من يهود للمسجد، كانت موجهة لأهل فلسطين من الضفة والأراضي المحتلة عام 1948، موجهة للمدنيين العزّل الذين لا يصِلون المسجد أصلاً إلا بتصاريح يصدرها الاحتلال أو إذنه. وكأن هذه الجموع تستطيع حل مشكلة الاقتحامات التي تزداد وتيرتها يوماً بعد يوم!

 

تم الحشد وامتلأ الأقصى لكن هذه الجموع ما لبثت أن أعيدت بفعل سياسات المحتل وقوانينه إلى ديارها تاركة الأقصى خلفها وحيداً بين أنياب الضباع. انفض الجمع ودخل يهود صباحاً مقتحمين للساحات ضاربين عرض الحائط بكل هاتيك الجموع. فماذا يصنع نصف مليون بل مليون من المدنيين الذين لا دولة لهم ولا حامي أمام جيش مدجج بالسلاح تقف خلفه كل دول العالم؟

 

هل أغنت هذه السيول البشرية عن الأقصى شيئاً إلا ليلة وحيدة ثم عاد يهود يقولون لهم: “قد أخذتم دوركم وحان دورنا”؟

 

أليست هذه هي قمة القهر؟ أن لا تمر إلى مسجدك إلا عبر بوابات يقف عليها جنود المحتل، ومرفوع عليها علم الكيان المسخ، وبإذن منه وتحت سمعه وبصره، ثم تضطر أن تتركه لأن وقتك انتهى وحان وقت عدوك؟

 

أليس هذا منتهى الذل بأن يصلي الألوف في الأقصى ولا يستطيعون حمايته؟ بينما يحمّلهم السياسيون والإعلاميون مسؤولية الرباط في الأقصى ويلقون على عاتقهم عبء حمايته وصد الاقتحامات، بينما الجهة القادرة ليس على صد الاقتحام فحسب بل وتحرير الأقصى وفوقها إزالة كيان يهود كله، هذه الجهة وهي الجيوش يتم إعفاؤها من مهمتها وترك مخاطبتها وإقصاؤها من خيارات المواجهة بحجج أوهى من بيت العنكبوت كالواقعية وخيانة الحكام والخوف من معاداة الغرب؟!

 

وكل هذه الحجج يدحضها حديث رسول الله e عن أبي عبد السلام، عن ثوبان، قال: قال رسول الله e: «يُوْشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا»، فقال قائل: ومِن قلة نحن يومئذ؟ قال: «بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ»، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: «حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ».

 

وها نحن كغثاء السيل، تداعت علينا الأمم، ولا يهابنا عدونا ولا يحسب لنا حساباً، نخشى الغرب وعدوانه وننسى أن الله أكبر من كل متكبر، نخشى الذل وننسى أن العزة لله ورسوله والمؤمنين، نتحجج بالواقع وننسى أن الله ينزل نصره فقط حين تتعلق القلوب به وتعمل لنصرة دينه كما يحب…

 

إن كل دعوات الحشد للأقصى والرباط فيه وحمايته باطلة إذا لم توجَّه للجيوش والعلماء والمؤثرين في الأمة كما توجه للعزّل والمدنيين الذين لا يملكون من أمرهم شيئاً. وكل دعوة لحماية الأقصى من اقتحام أو عدوان دون أن تكون مصحوبة بالدعوة لحشد الجيوش لتحريره فهي مخدر يلهي الناس ويحرفهم عن طريق التحرير.

 

فمتى ما قصَرنا القضية في أهل فلسطين المحتلة، ونزعناها من سياقها الإسلامي فنحن نساهم في خدمة عدونا بعلم منا أو بجهل. وهذه هي النقطة المحورية التي أوصى بها عدد من الكتاب والسياسيين اليهود حكومة الاحتلال، أي عدم أسلمة الصراع، بل جعله صراعاً بين أهل فلسطين وبين كيان يهود، لا صراعاً إسلامياً يهودياً. وهذا ما يفعله الإعلام العربي الذي يطلق شعارات “الصراع العربي (الإسرائيلي)” أو “الصراع الفلسطيني (الإسرائيلي)”، ما يوحي بأن المسألة مشكلة بسيطة بين دولتين متجاورتين لا صراعاً على فكرة وجود هذا الكيان من عدمه، وأن هذه الأرض ملك للأمة الإسلامية.

 

هذه البلاد ملك للأمة الإسلامية، وقد رواها المسلمون بدمائهم. هذه كانت كلمات السلطان عبد الحميد رحمه الله لهرتزل. وبهذه الكلمات حفظ رحمه الله فلسطين من أطماع يهود. لكن فلسطين والأقصى اليوم لا عبد الحميد لهم… والمسلمون لا خليفة لهم يقاتلون من ورائه ويتقون به عدوهم… فلا عجب أن تضيع فلسطين الأرض التي باركها الله، ويدنَّس الأقصى مسرى رسول الله e ما دام المسلمون بلا خلافة على منهاج رسول الله e.

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

بيان جمال

 

2019_06_02_Art_Without_Khilafah_we_are_like_the_scum_of_the_torrent_AR_OK.pdf