رسائل رمضانية من هدي القرآن والسنة النبوية – الرسالة الثانية والثلاثون – علماء الإسلام نجوم وضاءة يهتدي بها الحكام
الرسالة الثانية والثلاثون
علماء الإسلام نجوم وضاءة يهتدي بها الحكام
الحَمدُ للهِ الذي فَتحَ أبوَابَ الجِنَانِ لِعبَادِهِ الصَّائمينْ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى أشرَفِ الأنبيَاءِ وَالمُرسَلينْ، المَبعُوثِ رَحْمَةً لِلعَالمينْ، وَآلهِ وَصَحبهِ الطيِّبينَ الطَّاهرينْ، وَمَنْ تبِعَهُ وَسَارَ عَلى دَربهِ وَاهتدَى بهَديهِ وَاستَنَّ بسُنَّتهِ، وَدَعَا بدَعوَتهِ إلى يَومِ الدِّينْ.
مستمعي الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير: السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، وبعد: إليكم الرسالة الثانية والثلاثين من “الرسائل الرمضانية من هدي القرآن والسنة النبوية”، وهي بعنوان: “علماء الإسلام نجوم وضاءة يهتدي بها الحكام”.
إخوةَ الإيمانِ: أيها الصائمون:
فال الله تعالى وهو أصدق القائلين: [إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء]. وقال عزَّ من قائل: [يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ]. وقال جلَّ شأنه: [شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ]. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإنَّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات والأرض، حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإنَّ العلماء ورثة الأنبياء، وإنَّ الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر». رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي. وعن أبي أمامة قال: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان: أحدُهما عابد، والآخر عالم، فقال عليه أفضل الصلاة والسلام: «فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم، ثمَّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير». رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وقد حفلت الدولة الإسلامية في تاريخها الطويل بمآثر جليلة، سجلها العلماء في مواقفهم الخالدة مع الحكام. تلك المواقف التي اتسمت بالصدق والجرأة والإخلاص لله ولدينه الحنيف، فكانوا نجومًا وضاءة يهتدي بها الحكام والمحكومون في ظلمات الحياة. لقد أظهر العلماء في تلك العصور عزة الإسلام، وحقيقة الشريعة الإسلامية الغراء في صلابة موقفها من الحكام المنحرفين عنها ولو قيد أنملة. وفي معالجتها لجميع شؤون الدولة التي يرأسها الخليفة، ويخضع لسلطانها المسلمون. يظهر العلماء عزة الإسلام وحقيقة الشريعة متحملين بصبر وشجاعة ما ينتج عن الجهر بكلمة الحق عند سلطان جائر، غير هيابين سطوة الحكام، ولا قوة الدولة، ولا صولة الجند. إنَّ الحكام الظالمين الذين تولوا أمر الإسلام حينًا من الدهر، لم يستطيعوا أبداً تسخير العلماء الأبرار لتنفيذ أهوائهم أو السير في ركابهم المعوج مع ما أوتوا من قوة وبأس. وكيف لا يكون ذلك وقد نهي العلماء والمسلمون أجمع أن يركنوا إلى الظالمين استجابة لقول الله:[وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ]. كيف لا يكون ذلك؟ وقد قال الله تعالى لهم في محكم كتابه:[إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ]. لذلك نجد منهم المحاسبين للحكام، المنكرين سوء أفعالهم. كما نجد منهم الناصحين لهم، الرافضين منحهم، الصابرين على محنهم. كما نجد منهم الساعين لمواجهتهم بقصد إسماعهم مقالة الإسلام صريحة جريئة، ولا يخافون في الله لومة لائم. كما نجد منهم الركع السجود في سجون الحكام، يلتمسون رحمة الله وطلب رضاه، يكتبون ويؤلفون، ويهدون الناس إلى الطيب من القول. كما نجد منهم المجاهدين في سبيل الله في مقدمة الجند وعلى رأس الجيوش. وهكذا أثبت العلماء الذين كانوا من قبل أنَّ وجودهم إنما هو من أجل الإسلام وحده، وأنهم حقا ورثة الأنبياء.
اللهُمَّ أقـِرَّ أعْيُنَنَا بـِقيَامِ دَولةِ الخِلافَة، وَاجْعلْنـَا مِنْ جُنُودِهَا الأوفِياء المُخلِصينْ.
وَالسَّلامُ عَليكـُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكاتهُ.