شوال شهر الاستجابة
ها قد انقضى شهر الصيام والقيام، شهر رمضان، فتبعه شهر شوال بما فيه من بركة خصها الله سبحانه وتعالى لهذا الشهر، فلقد انقضى رمضان بما فيه من دعوات بقلوب صادقة مخلصة لله تعالى ترجو من ربها النصر والتمكين وأمورا أخرى لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، فقد كانت نفوس المؤمنين إلى الله أقرب من أي وقت سبق، وكانت القلوب متيقنة بأن الرحمن الرحيم سيستجيب لعباده الصادقين المتقين، وهنا لا بد من وقفة مخلصة صادقة مع الذات لنسأل فيها أنفسنا: أليس رب رمضان هو رب الشهور جميعها، يرى ويسمع ويستجيب الدعاء فيحقق للمؤمنين ما طلبوه منه بعد اليقين والتأكد من الاستجابة؟ فلا يُجهل بأن الله تعالى واجب الوجود يستجيب الدعاء في كل وقت وحين، فانقضاء شهر رمضان لا يعني أن الخالق ما عاد يرى أو يسمع والعياذ بالله.
وقد يقول قائل عن شهر رمضان بأن الشياطين قد كبلت فيه فكيف حدثت كل تلك الأمور التي لا تخرج عن عباءة الشياطين من أقوال وأفعال اقترفها البشر؟ إن الشيطان يجري في الإنسان مجرى الدم في الوريد فيوسوس له للقيام بالمعصية التي تغضب رب العالمين، ومع تكرار هذه المعصية تصبح سجية عند مريضي النفوس، فلا حاجة بعدها لوجود الشيطان حتى يقوم أمثال هؤلاء بأعمال الشياطين في رمضان، فلقد شهدنا في شهر رمضان القتل والمجازر وخطط الإفساد ونشر الفتن بين المسلمين في كل بقاع الأرض، ثم شهدنا بعدها ما قام به أعوان شياطين الإنس لتفريق المسلمين في عيدهم فأفسدوا عليهم فرحتهم وأبعدوهم عن وحدتهم.
وقد يتساءل سائل عن الحال الذي كان عليه الناس في شهر رمضان من كثرة العبادات والتقرب إلى الله تعالى، هل سيبقى على ما هو في شهر شوال أم لا؟ فالأصل أن التقي النقي يبقى تقيا نقيا والعاصي الفاسد يبقى عاصيا فاسدا إلا إن تاب ورجع إلى رشده، فالصالح يبقى صالحا في كل حين ويقوي عزيمته في رمضان، والفاسد المنافق يعود إلى حاله وفساده بعد انقضاء شهر رمضان، فشياطين الجن قد تحررت وأصبحت الأجواء مهيئة لهؤلاء.
وأخيرا فإن شهر رمضان شهر الصادقين المخلصين العاملين لمرضاة الله تبارك وتعالى، ومسألة بدء الصوم وانتهائه هي أمر توقيفي لا مجال للاجتهاد فيه، فالعبادات كلها توقيفية من عند الله في حالها وشكلها وشروطها، ولا ينكر هذا إلا جاهل أو منافق أو فاسد مفسد، فكيف يقبل المسلمون أن يكون من هم إلى الظلم والفساد أقرب يقررون لنا متى نصوم ومتى نفطر؟! فمنذ متى نأخذ الدين من الجهّل الحاقدين والعملاء؟! فلقد تجرأ أعداء الدين على تقرير كيفية عبادتنا لربنا واستخدموا كل أساليبهم الرخيصة من البطش والتنكيل والتشويش على الواعين المخلصين العالمين بأحكام الله تعالى حتى لو استخدموا لذلك كلابهم، بل إنهم لبسوا لباس الحرص على الإسلام فحاولوا الادعاء بأنهم يمثلون الإسلام ويعملون على القضاء على الفتن! والإسلام من ذلك براء، فكما أن شهر رمضان هو شهر الطاعة والتقرب إلى الله، فشهر شوال شهر الكشف عن كل منافق فاسق ظالم، وهو شهر معرفة القائم على حدود الله حقا المتتبع لأحكامه، حتى يظهر للأمة من ينتمي لها ولدين الله ممن ينتمي للغرب ويواليه، فلقد بان لهذه الأمة الكريمة بأن حزب التحرير وشبابه المخلصين هم من يصدقونهم القول فعلا، وبأنهم حريصون على الإسلام وأهله، وما ينكر هذا إلا جاهل أو عدو.
وختاما وجب ألا ننسى بأن الله تبارك وتعالى سيستجيب دعوة المتقين المخلصين الموقنين بالإجابة، وإن شهر شوال هو شهر الحصاد لزرع رمضان، فلننتظر الإجابة التي ستقصم ظهر الفاسدين المنافقين، وإنا لنراه قريبا ويرونه بعيدا.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. ماهر صالح – أمريكا
2019_06_23_Art_Ramadan_the_month_of_prayer_and_Shawwal_the_month_of_response_AR_OK.pdf