بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام (ح213) الأرض العشرية رقبتها ومنفعتها للأفراد، والخراجية رقبتها للدولة ومنفعتها للأفراد
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح213)
الأرض العشرية رقبتها ومنفعتها للأفراد، والخراجية رقبتها للدولة ومنفعتها للأفراد
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: “بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ”وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا: “الأَرْضُ العُشْرِيَّةُ رَقَبَتُهَا وَمَنفَعَتُهَا لِلأَفْرَادِ، وَالخَرَاجِيَّةُ رَقَبَتُهَا لِلدَّولَةِ وَمَنْفَعَتُهَا لِلأَفْرَادِ”. نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الثَّالِثَةِ والعِشْرين بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ “نِظَامُ الإِسلَامِ” لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 133: الأَرْضُ العُشْرِيَّةُ هِيَ الَّتِي أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيهَا، وَأَرْضُ جَزِيرَةِ العَرَبِ، وَالأَرْضُ الخَرَاجيَّةُ هِيَ الَّتِي فُتِحَتْ حَرْباً أَوْ صُلْحاً مَا عَدَا جَزِيرَةِ العَرَبِ، وَالأَرْضُ العُشْرِيَّةُ يَـمْلِكُ الأَفْرَادُ رَقَبَتَهَا وَمَنفَعَتَهَا، وَأَمَّا الأَرْضُ الخَرَاجيَّةُ فَرَقَبَتُهَا مِلْكٌ لِلدَّولَةِ، وَمَنفَعَتُهَا يَملِكُهَا الأَفرَادُ، وَيَحِقُّ لِكُلِّ فَردٍ تَبَادُلَ الأَرضِ العُشْرِيَّةِ وَمَنْفَعَةَ الأَرْضِ الخَراجيَّةِ بِالعُقُودِ الشَّرعِيَّةِ وَتُورَثُ عَنْهُمْ كَسَائِر الأَمْوَالِ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة، أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَذِهِ هِيَ الـمَادَّةُ الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ بَعْدَ الـمِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
دَلِيلُهَا هُوَ أَنَّ الأَرْضَ بِمَنْـِزلَةِ الـمَالِ، تُعتَبَرُ غَنِيمَةً لِلمُسْلِمِينَ إِذَا أُخِذَتْ فَتْحاً بِالحَربِ كَسَائِرِ الغَنَائِمِ. وَهَذِهِ هِيَ الأَرْضُ الخَراجيَّةُ، فَتَكُونُ رَقَبَتُهَا مِلْكاً لِبَيتِ الـمَالِ، وَأَمَّا إِذَا أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيهَا فَإِنَّهَا تَكُونُ كَأَمْوَالِ الـمُسلِمِينَ مِلْكاً لَـهُمْ، يَـمْلِكُونَ رَقَبَتَهَا وَهَذِهِ هِيَ الأَرْضُ العُشْرِيَّةُ.
أَمَّا دَلِيلُ كَونِ الأَرْضِ غَنِيمَةً كَسَائِرِ الأَمْوَالِ فَقَدْ حَدَّثَ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ أَنَّهُ قَدْ أَحْرَزَ دَمَهُ وَمَالَهُ إِلاَّ أَرْضَهُ، فَإِنَّهَا فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يُسْلِمُوا وَهُمْ مُمْتَنِعُونَ».(كِتَابُ الخَراجِ لِيَحْيَى بْنِ آدَم).
وَأَمَّا كَونُهَا لَـمْ تُقَسَّمْ عَلَى الـمُحَارِبِينَ كَسَائِرِ الغَنَائِمِ، فَلِأَنَّ الخِلَافَ الَّذِي حَصَلَ عَلَى هَذَا الحـُكْمِ بَينَ الزُّبَيرِ وَعُمَرَ فِي أَرْضِ مِصْرَ، وَبَينَ بِلَالٍ وَعُمَرَ فِي أَرْضِ العِرَاقِ، كَانَ دَلِيلُ عُمَر فِي الحَالَتَينِ هُوَ الأَقْوَى، وَأَيَّدَهُ عَشَرَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ وَالـمُهَاجرِينَ:
فَالزُّبَيرُ رَأَى فِي أَرْضِ مِصْرَ لَـمَّا افتُتِحَتْ أَنْ تَكُونَ كَالأَمْوَالِ الـمَنقُولَةِ تُقَسَّمُ عَلَى الـمُحَارِبِينَ، وَكَتَبَ عَمْرُو بْنُ العَاصِ وَالِي مِصْرَ لِعُمَرَ بِذَلِكَ، وَلَكِنَّ عُمَرَ أَبَى وَأَجَابَ عَمْرَو بْنَ العَاصِ «أَقِرَّهَا حَتَى يَغْزُوَ مِنْهَا حَبَلُ الحَبَلَةِ». أَيْ أَنْ تَكُونَ مِلْكاً لِلْمُسْلِمِينَ مَا تَنَاسَلُوا.
وَبِلَالٌ رَأَى فِي أَرْضِ العِرَاقِ كَذَلِكَ، أَيْ أَنْ تُقَسَّمَ عَلَى الـمُحَارِبِينَ، فَكَتَبَ سَعْدٌ بِذَلِكَ لِعُمَرَ، فَأَجَابَهُ عُمَرُ: «وَاترُكِ الأَرضِينَ وَالأَنْهَارَ لِعُمَّالِـهَا لِيَكُونَ ذَلِكَ فِي أُعطِيَاتِ الـمُسْلِمِينَ، فَإِنَّا لَو قَسَمْنَاهَا بَينَ مَنْ حَضَرَ لَـمْ يَكُنْ لِـمَنْ بَعْدَهُمْ شَيءٌ».(رَوَاهُ أَبُو عُبَيدٍ فِي الأَمْوَالِ، وَأَبُو يُوسُفَ فِي الخَرَاجِ، وَيَحيَى بْنِ آدَمَ فِي الخَرَاجِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيب).
وَقَدْ كَانَتْ حُجَّةُ عُمَرَ فِي ذَلِكَ أَنَّ قَولَهُ تَعَالَى: (وَمَا أَفَاءَ اللَّـهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ). (الحشر 6) الآيَة فَإِنَّ اللهَ قَدْ قَالَ: (فَلِلَّـهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ).(الحشر 7)، ثُـمَّ قَالَ: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ).(الحشر 8)، ثُـمَّ لَـمْ يَرْضَ حَتَّى خَلَطَ بِـهِمْ غَيرُهُمْ. فَقَالَ: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ).(الحشر 9). فَهَذِهِ لِلأَنصَارِ خَاصَّةً، ثُـمَّ لَـمْ يَرْضَ حَتَّى خَلَطَ بِـهِمْ غَيرَهُمْ فَقَالَ: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ).(الحشر10) فَكَانَتْ هَذِهِ عَامَّةً لِـمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ، فَقَدْ صَارَ الفَيءُ بَينَ هَؤُلَاءِ جَمِيعاً.
فَهَذَا دَلِيلُ عُمَرَ عَلَى أَنَّ الأَرْضَ الَّتِي لَـمْ يُسْلِمْ أَهْلُهَا عَلَيهَا، وَتُفتَحُ تَكُونُ مِلْكاً لِـجَمِيعِ الـمُسْلِمِينَ إِلَى يَومِ القِيَامَةِ. وَالإِمَامُ يَـمْلِكُ مَنفَعَتَهَا لِلنَّاسِ. وَقَدِ استَشَارَ الـمُسْلِمِينَ فَاختَلَفُوا، فَأَرْسَلَ إِلَى عَشَرَةٍ مِنَ الأَنصَارِ، خَمْسَةٍ مِنَ الأَوسِ وَخَمْسَةٍ مِنَ الخَزرَجِ، مِنْ كُبَرَائِهِمْ وَأَشرَافِهِمْ.
وَكَانَ مِمَّا قَالَهُ لَـهُمْ: «وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَحْبِسَ أَرضِينَ بِعُلُوجهَا، وَأَضَعَ فِيهَا الخَراجَ، وَفِي رِقَابِهِمُ الجِزيَة يُؤَدُّونَـهَا، فَتَكُونَ فَيئاً لِلْمُسْلِمِينَ الـمُقَاتِلَةِ وَالذُّرِّيَّةِ مِنْ بَعدِهِمْ.
أَرَأَيتُم هَذِه الثُّغُورَ؟ لَا بُدَّ لَـهَا مِنْ رِجَالٍ يَلزَمُونَـهَا، أَرَأَيتُمْ هَذِهِ الـمُدُنَ العِظَامَ كَالشَّامِ وَالجَزِيرَةِ وَالكُوفَةِ وَالبَصْرَةِ وَمِصْرَ؟ لَا بُدَّ لَـهَا أَنْ تُشْحَنَ بِالجُيُوشِ وَإِدْرَارِ العَطَاءِ لَـهُمْ. فَمِنْ أَينَ يُعْطَى هَؤُلَاءِ إِذَا قُسِّمَتِ الأَرْضُونَ وَالعُلُوجُ؟» (رَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الخرَاجِ)، فَقَالُوا جَمِيعاً: الرَّأْيُ رَأْيُكَ، فَنِعْمَ مَا قُلْتَ، وَمَا رَأَيْتَ. فَاستِشْهَادُ عُمَرَ بِالآيَةِ، وَبِعِلَّةِ إِبْقَاءِ الأَرْضِ بِأَنَّـهَا غَلَّةٌ دَائِمَةٌ لِبَيتِ الـمَالِ، اسْتِشْهَادٌ بِدَلِيلٍ قَوِيٍّ، وَلِذَلِكَ كَانَتِ الأَرْضُ الَّتِي تُفْتَحُ فَتْحاً أَرْضاً خرَاجيَّةً، تَبقَى رَقَبَتُهَا مِلْكاً لِبَيتِ الـمَالِ، وَيَنتَفِعُ أَهْلِهَا بِـهَا.
وَهَذَا هُوَ حُكْمُ الأَرْضِ، سَوَاءٌ أَفُتِحَتْ عَنوَةً كَأَرضِ العِرَاقِ، أَمْ فُتِحَتْ صُلْحاً كَمَدِينَةِ بَيتِ الـمَقْدِسِ، إِلَّا أَنَّهُ فِي حَالَةِ الفَتْحِ صُلْحاً يُنظَر: فَإِنِ اشتَرَطُوا فِي عَقْدِ الصُّلْحِ شَرْطاً مَنصُوصاً عَلَيهِ فِي الأَرْضِ، أَي كَانَ الصُّلْحُ عَلَى خَرْجٍ مَعْلُومٍ، فَيَجبُ أَنْ يُعَامَلُوا عَلَى مَا صُولِـحُوا عَلَيهِ، لِقَولِهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تُقَاتِلُونَ قَوْماً فَيَتَّقُونَكُمْ بِأَمْوَالِهِمْ دُونَ أَنْفُسِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ وَيُصَالِحُونَكُمْ عَلَى صُلْحٍ فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ فَوْقَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ».(قَالَ أَبُو عُبَيدٍ فِي هَذَا الحَدِيثِ: إِنَّ السُّنَّةَ فِي أَرْضِ الصُّلْحِ أَنْ لَا يُزَادَ عَلَى وَظِيفَتِهَا الَّتِي صُولِـحُوا عَلَيهَا، وَإِنْ قَوُوا عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ)، لِقَولِهِ صلى الله عليه وسلم: «فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ فَوْقَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ».(رَوَاهُ أَبُو عُبَيدٍ فِي الأَمْوَالِ)، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِي إِسْنَادِهِ مَـجْهُولٌ إِلَّا أَنَّ الصَّحَابَةَ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيهِمْ قَدِ التَزَمُوا فِي أَرْضِ الصُّلْحِ بِـمَا صُولِـحُوا عَلَيهِ، كَمَا أَنَّ الحَدِيثَ «وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلاَّ شَرْطاً حَرَّمَ حَلاَلاً أَوْ أَحَلَّ حَرَاماً».(الَّذِي أخرَجَهُ التِّرمِذِيُّ، وَقَالَ عَنهُ حَسَنٌ صَحِيحٌ، من طريق كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ يَنطَبِقُ هُنَا كَذَلِكَ). وَأَمَّا إِنْ لَـمْ يَشتَرِطُوا فِيهَا شَيئاً كَمَا حَصَلَ فِي بَيتِ الـمَقْدِسِ، فَإِنَّـهَا تُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الأَرْضِ الـمَفْتُوحَةِ عَنْوَةً، لِأَنَّـهَا تَكُونُ فَيئاً لِلمُسْلِمِينَ.
وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَيرِ جَزِيرَةِ العَرَبِ، أَمَّا جَزِيرَةُ العَرَبِ، فَإِنَّ جَمِيعَ أَرَاضِيهَا أَرَاضٍ عُشْرِيَّة، لِأَنَّ النَّبِيَّصلى الله عليه وسلم فَتَحَ مَكَّةَ عَنْوَةً، وَتَرَكَ أَرْضَهَا لِأَهْلِهَا، وَلَـمْ يُوَظِّفْ عَلَيهَا الخَرَاجَ؛ وَلِأَنَّ الخَراجَ عَلَى الأَرْضِ بِمَنْـزِلَةِ الجِزْيَةِ علَى الرُّؤُوسِ، فَلَا يَثْبُتْ فِي أَرْضِ العَرَبِ، كَمَا لَـمْ تَثْبُتِ الجِزْيَةُ فِي رِقَابِـهِمْ؛ لِأَنَّ مُشرِكِي العَرَبِ لَا يُقْبَــلُ مِنْهُمْ إِلَّا الإِسْــلَامُ أَوِ السَّـيفُ: (تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ).(الفَتْح 16)؛ وَلِذَلِكَ كَانَتْ أَرْضُهُمْ عُشْرِيَّةً، وَلَيْسَتْ خرَاجيَّةً، كَأَيِّ أَرْضٍ أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيهَا.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.