مع الحديث الشريف – الزمان وحصاده
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيَنْقُصُ الْعَمَلُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّمَ هُوَ؟ قَالَ: الْقَتْلُ الْقَتْلُ» صحيح البخاري.
أيها المستمعون الكرام:
إن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي نبيه عليه الصلاة والسلام محمد بن عبد الله أما بعد:
إن هذا الحديث يشير إلى عدة أمور تحدث في الزمان الذي نعيش فيه، وهي واضحة ونلمسها:
الأول: لا يخفى على أحد أننا أصبحنا لا نشعر بسرعة الأيام، وتعاقبها، فنرى الوقت يمر ولم ننجز الكثير.
الثاني: الشح ونقص الأشياء التي يحتاج لها البشر، ليس لقلتها، ولكن لمانع منعها، أو حاجب حجبها.
الثالث: الفتن، وعنها حدث ولا حرج، فالمقاييس قد تقلّبت، والموازين تغيرت، وهذا ملاحظ ومشهود، فنرى بأم أعيننا الفسق والظلم والكفر، ونرى من يقلب الأمور ويجيرها، ويروج بما لم ينزل الله به من سلطان، تحت مسميات: “تكتيك”، “تقنية”، “نحن أعلم بأمور دنيانا”! ويؤول الأمور بما يتوافق مع مصالحه.
الرابع: القتل، الذي لا ينفك يلازم أمة محمد عليه الصلاة والسلام، فقد شاع القتل فيها، من شرقها إلى غربها، فنرى بأم أعيننا كيف أن يُقتل المسلمون لا لشيء سوى تمسكهم بدينهم الإسلام.
ومن الأمور المجملة التي يُستفاد منها في هذا الحديث هي:
الأمر الأول: أننا في آخر الزمان، ولكن هذا لا ينفي الخير الذي لا ينقطع في هذه الأمة الكريمة، كما آن الآيات تشير إلى التمكين لهذه الأمة، وأن بعد العسر يسرًا، والعاقبة للمتقين. وفي الوقت نفسه هذا لا يعني أن نركن، فلا نعمل ولا نستعجل، بل الواقع يحتاج إلى فاعل يغيره، فاعل يستحق تنزيل نصر الله ومؤازرته.
والأمر الآخر: هو أنه يجب أن نبقى متيقظين إلى هذه الأمور التي أشار إليها الحديث، من نقص العمل، وتقارب الزمان، وكثرة الفتن، والقتل في الأمة، فلا نسلم لها، بل نعمل على تغيير الحال إلى الحال الذي أراده الله تعالى لهذه الأمة الكريمة، بأعمال تنجينا من عذاب النار وتدخلنا الجنة، فيجب علينا كذلك الوقوف أمام الفتن، وإخمادها، وفضح من يشعلها، حتى لا يستمر في غيه، وينتهي عصره، ويستبدل بزمانه زمان الخير كله.
والأمر الأخير: هو أن نقف أمام أسباب القتل وكثرته، وأن نمنع من يقوم به، بكل الوسائل المتاحة لنا وأقرّها الدين الحنيف.
فالله نسأل أن لا يدوم هذا الزمان أكثر من هذا، وأن يخلصنا ممن سلبونا حقنا في العمل الصالح، ومنعونا من الدعوة إلى الخير، وأن يثبتنا على الوقوف أمام الفتن والفاتنين، وأن يرشدنا الصراط المستقيم، وأن يتقبّل من يُقتل منا ظلمًا بغير حق، وأن يعجّل لنا بالفرج القريب، حتى نعود كما كنا، أسيادًا حماة للأرض، جنودًا للإسلام، رافعين رايته.
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه للإذاعة: د. ماهر صالح