الحكومة الانتقالية ومفهوم (عصا موسى)!
شاعت هذه الأيام عبارة (ما عنده عصا موسى) ليُلتمس بها الاعتراف بضعف الحكومة الانتقالية، تلك الحكومة التي ليس لها علاقة بمنهج صاحب العصا موسى عليه السلام الذي قال القرآن على لسانه: ﴿كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾، فعصا موسى لم تفعل شيئاً بنفسها، بل الذي جعلها بتلك الصفة ووضع فيها تلك الخواص الخارقة هو الله سبحانه وتعالى رب موسى، وهو حي لا يموت، وقد وعد عباده العاملين لتطبيق منهجه في الأرض بالنصر في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾ وقال سبحانه: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾.
إذن المشكلة ليست في عدم وجود (عصا موسى)، بل المشلكة في عدم اعتقاد منهج رب موسى؛ المنهج الذي بين أن اللجوء إلى الله هو الحل للمشكلات، وليس التفاوض والتنازلات والتراضيات، والركون إلى الذين ظلموا! كفانا تضليلا وتجارب فاشلة؛ فالإنقاذ جاءت بخطط خمسية وربع قرنية، كأنهم يعيشون ألف عام، وبقي الشعب مضللا غارقا في الأحلام ينتظر وينتظر، وما حصد إلا الأوهام، والمؤمن لا يجوز له أن يلدغ من جحر واحد مرتين!
إن الناظر إلى فلسفة السياسة وتعامل السياسيين الديمقراطيين اليوم، في بلادنا أنهم يعبدون الله في المسجد، يسبحون بحمده ويقدسون له، ثم عندما يديرون أمور السياسة والحكم والمال؛ ينسون الله وينصبون أمريكا وأوروبا رباً وإلهاً من دونه سبحانه، فيجعلون أمور التشريعات في الحكم والاقتصاد والمال إلى الدول الاستعمارية أمريكا وأوروبا، وأدواتها الاستعمارية مثل صندوق النقد الدولي، ويوهمون الناس أنه لا حلول إلا بروشتات صندوق النقد الدولي، واتفاقيات واشتراطات وتنازلات؛ فلذا تجد الساسة يقولون إن الوضع الاقتصادي في البلد لا يتحسن إلا برفع البلد من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بل تجدهم يتملقون بكل جرأة ما يسمى بالمجتمع الدولي، لكي يشفع لهم، إلا أن أمريكا ستبقى مراوغة بهذا الكرت إلى أن تصل إلى آخر شرط بعد التنازل عن الدين وفكرة الحكم بالإسلام، إلى أن يسقطوا أخلاقيا بإباحة الحرام، وفتح بيوت الدعارة لا سمح الله، كما هو الحال في تركيا، فالناظر إلى ما تنازل عنه البشير من أرض جنوب السودان، وإجازته للربا في شهر رمضان، وعدم حكمه بالشريعة الإسلامية طوال فترة حكمه، إرضاء لأمريكا وأخواتها؛ وعلى الرغم من ذلك ألقت به أمريكا في قارعة الطريق غير مأسوف عليه، مع أنه حقق لهم جل ما يريدون من طلبات، اللهم إلا إعلان الكفر صراحة، وهذا تصديقا لقول الله سبحانه وتعالى ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ ومن لم يفعل ذلك لن يقبلوه مطلقا مهما قدم من تنازلات وخضوع وركوع، وسيظل في تصورهم ومنهجهم (مسلما) أي مصدرا (للإرهاب والتطرف) نتيجة لنفسية المستعمرين المريضة.. ومن يهن يسهل الهوان عليه…
لقد مضى البشير إلى مزبلة التاريخ، رغم الجرائم التي نفذها لصالح المستعمر؛ من فصل الجنوب وبث القبليات، وإباحة الربا، وتشويه صورة الشريعة، فهي كلها أجندة أمريكية أوروبية بامتياز. والآن جاء دور حمدوك لتتمة ما بدأه البشير. فـ(عصا موسى) عند أمريكا هي تنفيذ الشروط حتى تأتي الإغاثة الملعونة التالفة المسرطنة، وروشتات صندوق النقد الدولي المسمومة، ونشر الفساد والفسق والفجور، لترضى أمريكا، حتى تعبر سفينة حكومة حمدوك باقتصاد البلاد، ولكنها حتما لن تعبر بذلك، لأن أمريكا تريد من أي حكومة أن تترك مشاريع البلاد رهواً، كما أن المستعمر يريد شعبا يكون سوقاً ضخمة لتسويق منتجات دوله؛ من القمح والاسبيرات، لتعود الدولارات إليهم ببعض ما تحتاجه كالصمغ العربي والذهب والمعادن النفيسة.
لا بد لأي حاكم سواء أكان حمدوك أو غيره، ليكون مقبولا عندهم، أن يقبل بشروط استيراد القمح واستيراد أدوات طبخه، وكيفيات صناعة الأكلات منه، من أمريكا وأوروبا، فكيف تنهض في ظل حكومتك بشعب يستورد القمح؟! وكيف ترضى عنك تلك الدول التي تستورد منها، أن تعطي شعبك منحاً أو قروضاً تنمي سياسة الاكتفاء عندكم فلا تحتاجون إلى استيراد، مما يجعل أسواق المستعمرين، وبضاعتهم، وقمحهم وأدواتهم، في كساد؟! وهل هم أغبياء إلى هذ الحد؟! إن الغبي هو الذي لم يدرك لعبة السياسة والاقتصاد في العالم، من يديرها؟ ومن يتحكم فيها ويحرك خيوطها؟ فإذا كانت حكومة حمدوك جادة ومخلصة، فلترفع يدها عن مؤسسات الاستعمار العالمية وأدواتها من صندوق النقد والبنك الدوليين، وليدع دولاراتهم المسمومة جانباً، ويتوكل على رب موسى، وليس على (عصا موسى)! فيوقف استيراد القمح، ففي الإنتاج المحلي بدائل غنية.. ولكن هذه الأعمال الجريئة تحتاج إلى فكرة سياسية اقتصادية مبدئية، تُخرج الحكومة من عبودية الاستعمار ومنظماته الإجرامية، إلى الاكتفاء الذاتي، والاعتماد على الله، والاستفادة من نعمته علينا، ولا يوجد ذلك إلا في نظام الإسلام؛ ودولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فهي وحدها المخرج وما عداها دوامة العجز، والفشل، وعاقبتها مثل عاقبة الذين مضوا ملعونين عند شعوبهم، وعند الكفار، وعند الله، وعليهم وصمة عار في جبينهم إلى يوم الدين.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الشاو البشر الشاو – الخرطوم
2019_09_15_Art_Transitional_government_and_the_concept_of_Moses_stick_AR_OK.pdf