Take a fresh look at your lifestyle.

الحديث الشريف – الصراط المستقيم

 

الحديث الشريف

الصراط المستقيم

 

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ! “إِنَّ الْحَلالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، ألا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْب” متفق عليه.

إن خير الكلام كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي نبيه محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، أما بعد،

 

إن هذا الحديث الشريف من أعظم الأحاديث؛ لما فيه من معانٍ جازمة واضحة لكل من حكّم عقله، وهنا عندما يقول الرسول الكريم: «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ» أي ما أحل ظهر حليته بأن ورد نص على حله أو مهد أصل يمكن استخراج الجزئيات منه كقوله تعالى:  خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فإن اللام للنفع، فعلم منه أن الأصل ما فيه الحل إلا أن يثبت ما يعارضه. وعندما قال:«وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ» أي ما حرم واضح حرمته بأن ورد نص على تحريمه كالفواحش والمحارم وما فيه حد أو عقوبة أو مهد أصل مستخرج منه ذلك، كقوله صلى الله عليه وسلم «كل مسكر حرام».

 

وعندما قال:«وبَيْنَهُمَا» أي البين من الأمرين «مُشْتَبِهَاتٌ» لوقوعها بين أصلين ومشاركتها لأفراد كل منهما وقف على أمر غاية في الدقة. وقال:«لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ» لتعارض الأمارتين، ولم يقل كل الناس؛ لأن العلماء المحققين لا يشتبه عليهم ذلك، فإذا تردد ذلك بين الحل والحرمة ولم يكن نص أو إجماع اجتهد فيه المجتهد فألحقه بأحدهما بدليل شرعي، وإذا لم يبق له شئ فالورع تركه. وقد اختلف العلماء في المشتبهات المشار إليها في هذا الحديث فقيل حرام لقوله: فمن اتقى الشبهات…الخ، قالوا: ومن لم يستبرئ لعرضه ودينه فقد وقع في الحرام. وقيل هي حلال بدليل قوله: كالراعي يرعى حول الحمى، فدل على أنه لا بس الحرام المرموز عنه بالحمى، وأن الترك ورع.

 

وبعد هذا اخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بما يجب أن نسلكه فقال:«فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ» أي من احترز وحفظ نفسه عنها, بعدها تتجسد النتيجة الطبيعية فقال: «فقد اسْتَبْرَأَ» أي طلب البراءة أو حصلها, والجواب هنا من ماذا؟ في قوله «لِدِينِهِ» من ذم الشرع «وَعِرْضِهِ» من وقوع الناس فيه لاتهامه بمواقعة المحظورات، وقيل المراد بالعرض البدن: أي طهر دينه وبدنه.

 

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ» لأن من سهل على نفسه ارتكاب الشبهة أوصله الحال متدرجًا إلى ارتكاب المحرمات المقطوع بحرمتها، أو ارتكب المحرمات؛ لأن ما ارتكبه ربما كان حرامًا في نفس الأمر فيقع فيه. وحتى تظهر الصورة بشكل جلي كان المثال الحي، فقال عليه الصلاة والسلام: «كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى» وهو ما حمي من الأرض لأجل الدواب ويمنع دخول الغير.

 

فمن يقترب من الحرام، بقوله عليه الصلاة والسلام: «يُوشِكُ» أي يسرع «أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ» أي في ذلك الحمى، بناءً على تساهله في المحافظة وجرأته على الرعي. ثم نبه الحديث بكلمة «أَلَا» في ثلاثة مواضع إرشادًا إلى أن كل أمر دخله حرف التنبيه له شأن ينبغي أن ينتبه له المخاطب ويستأنف الكلام لأجله، فقال: «أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى» يمنع الناس عنه ويعاقب عليه «أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ» وهي المعاصي، فمن دخلها بالتلبس بشيء منها استحق العقوبة، وشبه المحارم من حيث أنها ممنوع التبسط منها بحمى السلطان. ولما كان التورع والتهتك مما يتبع سلامة القلب وفساده نبه على ذلك بقوله: «أَلَا أنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً» أي قطعة من اللحم قدر ما يمضغ، «إِذَا صَلَحَتْ»بفتح اللام أفصح من ضمها: أي بالإيمان والعلم والعرفان «صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ» بالأعمال «وَإِذَا فَسَدَتْ» أي تلك المضغة بالجحود والشك والكفران «فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ» بالفجور والعصيان «أَلَا وَهِيَ» أي المضغة الموصوفة بما ذكر «الْقَلْبُ» فهو الملك والأعضاء كالرعية.

 

إن الله سبحانه وتعالى لم يترك الإنسان فريسة الشيطان، بل أرشده إلى كيفية الوقوف في وجه مكائده وشروره وتحديه بالِإيمان والمعرفة الدقيقة للخط المستقيم الذي خطه الشرع، وما على الإنسان سوى السير عليه. وهنا يجب أن نستحضر قدرة الله سبحانه وتعالى في الإثابة والعقاب. فيصبح الحلال والحرام مقياس أي عمل نقوم به صغيرًا كان أم كبيرًا، فلا نترك الهوى يتحكم بأفعالنا. والضلال يبدأ بشيء صغير ثم يكبر، فيجب أن نجعل مرضاة الله بين أعيننا. وإن الله لا يترك خلقه دون تدبير وإعانة، بل هو دائمًا مع الذين استقاموا على الحق، يعين كل مخلص متلبس بالأحكام الشرعية المستنبطة من الأدلة الشرعية، عندها نسير بخُطا ثابتة في طريق الصواب، فنقي أنفسنا عذاب الله. فالله نسأل هدايتنا الصراط المستقيم، وأن يعيننا على الحفاظ على أنفسنا وغيرنا بسيادة شرع الله على الأرض، ليكون الحكم في كل شيء.

 

   أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

كتبه للإذاعة: د. ماهر صالح