بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح271) لا يتصف بالأخلاق لذات الأخلاق، بل لأن الله أمر بها
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: “بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ” وَمَعَ الحَلْقَةِ الوَاحِدَةِ وَالسَّبْعِينَ بَعدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا: “لا يُتَّصَفُ بِالأَخلاقِ لِذَاتِ الأخلاقِ، بَلْ لأنَّ اللهَ أمَرَ بِهَا”. نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَاتِ الخَمْسِ الأخِيرَةِ مِنْ كِتَابِ «نظامُ الإسلام». من الصَّفْحَةِ التَّاسِعَةِ وَالثَّلَاثِينَ إلى الصَّفْحَةِ الثَّالِثَةِ وَالأربَعِينَ بَعدَ المِائَةِ لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: “فهذهِ الآياتُ في هذِهِ السُوَرِ الثلاثِ كلٌّ مِنْهَا وِحْدَةٌ كاملَةٌ تَعْرِضُ الصفاتِ المختلفةَ. تجلو صُورَةَ الـمُسْلِمِ وتبَيِّنُ الشَخْصِيَّةَ الإِسْلامِيَّةَ في ذاتِها المتميزةَ عَنْ غَيْرِهَا، ويُلاحَظُ فِيهِا أَنَّها أَوَامِرُ ونواهٍ مِنَ اللهِ تعالى، مِنْهَا أَحْكَامٌ تتَعَلَّقُ بالعَقِيدَةِ، كَمَا أَنَّ مِنْهَا أَحْكَاماً تتَعَلَّقُ بالعباداتِ، وأَحْكَاماً تتَعَلَّقُ بالمعاملاتِ، وأَحْكَاماً تتَعَلَّقُ بالأَخْلاقِ، ويُلاحَظُ أَنَّها لَمْ تقتصِرْ عَلَى صفاتٍ خُلُقيةٍ، بَل اشتملتْ عَلَى العَقِيدَةِ، والعباداتِ، والمعاملاتِ، كَمَا اشتملتْ عَلَى الأَخْلاقِ. وهيَ الصفاتُ الَّتِي تُكَوِّنُ الشَخْصِيَّةَ الإِسْلامِيَّةَ، والاقتصارُ عَلَى الأَخْلاقِ لا يُوجِدُ الرجلَ الكاملَ والشَخْصِيَّةَ الإِسْلامِيَّةَ. ولكيْ تُحَقِّقَ الغايةَ الَّتِي وُجِدَتْ مِنْ أَجْلِها لا بُدَّ مِنْ أَن تَكَونَ مبنيةً عَلَى الأَسَاسِ الرُوحيِّ، وهُوَ العَقِيدَةُ الإِسْلامِيَّةُ، وأَن يَكُونَ الاتصافُ بِهَا مَبنِيّاً عَلَى هَذِهِ العَقِيدَةِ.
وعَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الـمُسْلِمَ لا يتصفُ بالصدقِ لذاتِ الصدقِ، بَلْ يتصفُ بهِ لأَنَّ اللهَ أَمرَ بِهِ، وإن كَانَ يراعِي تَحَقيقَ القِيَمةِ الخُلُقِيَّةِ حِينَ يَصْدُقُ. فالأَخْلاقُ لا يُتَّصَفُ بِهَا لذِاتِها، بَلْ لأَنَّ اللهَ أَمرَ بِهَا. ولهذا لا بُدَّ مِنْ أَنْ يَتَّصِفَ الـمُسْلِمُ بصفاتِهَا، وأَنْ يَقُومَ بِهَا طَوْعاً وانقياداً لأَنَّها مما يَتَّصِلُ بتقْوَى اللهِ. وبِمَا أَنَّها تأتي مِنْ نتائجِ العِبَادَةِ: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ). ومما يَجِبُ أَن يُرَاعَى في المعاملاتِ: «الدِينُ الـمُعَامَلةُ» عَلاوَةً عَلَى كَوْنِها وحْدَها أَوَامِرَ ونَوَاهِيَ معينةً، فإن ذَلِكَ يُثَبِّتُها في نَفْسِ الـمُسْلِمِ، ويَجْعَلُها شيمةً لازمةً. وعَلَيْهِ فقَدْ كَانَ اندِماجُ الأَخْلاقِ بباقِي أَنظمةِ الحَيَاةِ -مَعَ كَوْنِها صفاتٍ مستقلةً- كفيلاً بأَنْ يهيّئَ الـمُسْلِمَ تهيئَةً صالحةً، لاسِيَّما وأَنَّ الاتصافَ بالخُلُقِ هُوَ إجابةٌ لأَوامِرِ اللهِ تعالى واجتنابٌ لنَوَاهِيهِ، لا لأَنَّ هَذَا الخُلُقَ يَنْفَعُ أَوْ يَضُرُّ في الحَيَاةِ. وهذا مما يَجْعَلُ الاتصافَ بالخُلُقِ الحسنِ دائمياً وثابتاً ما ثَبَتَ الـمُسْلِمُ عَلَى القِيَامِ بتَطْبِيقِ الإِسْلامِ، ولا يدورُ حَيْثُ دَارَتِ الـمَنْفَعَةُ، لأَنَّهُ لا تُقْصَدُ مِنْهُ النَفْعِيَّةُ، بَلْ يَجِبُ أَن تُسْتَبْعَدَ مِنْهُ، لأَنَّ المقصودَ منهُ هُوَ القِيَمةُ الخلقيةُ فقط، لا القِيَمةُ المَادِّيَّةُ أَو الإِنْسَانيَّةُ أَو الرُوحيَّةُ، بَلْ لا يَجُوزُ أَن تَدْخُلَ هَذِهِ القِيَمُ فِيهِ لئلا يَحْصُلَ اضطرابٌ في القِيَامِ بهِ، أَو الاتصافِ بهِ. ومما يَجِبُ التنبيهُ إِلَيْهِ أَنَّه يَجِبُ استبعادُ القِيَمةِ الـمَادِّيَّةِ عَنِ الخُلُقِ، واستبعادُ أَن يَكُونَ القِيَامُ بهِ مِن أجْلِ المنافِعِ والفوائدِ، لأَن ذَلِكَ خطرٌ عَلَيْهِ.
والحاصلُ: إنَّ الأَخْلاقَ لَيْسَتْ مِن مُقَوِّمَاتِ المجتمعِ، بَلْ هِيَ مِن مُقَوِّمَاتِ الفردِ. ولذَلِكَ لا يَصْلُحُ المجتمَعُ بالأَخْلاقِ، بَلْ يَصْلُحُ بالأَفْكَارِ الإِسْلامِيَّةِ والمشاعرِ الإِسْلامِيَّةِ وبتَطْبِيقِ الأَنظمةِ الإِسْلامِيَّةِ. وَمَعَ أَنَّ الأَخْلاقَ مِن مُقوماتِ الفردِ، ولكنَّها لَيْسَتْ هِيَ وَحْدَها، ولا يَجُوزُ أَن تَكونَ وَحْدَهَا، بَلْ لا بُدَّ أَن تَكونَ معها العقائدُ، والعباداتُ، والمعاملاتُ. ولذَلِكَ لا يُعْتَبَرُ مَنْ كَانَتْ أَخْلاقُهُ حَسَنَةً وعَقِيدَتُهُ غَيْرَ إِسْلامِيَّةٍ، لأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئذٍ كافِراً، ولَيْسَ بَعْدَ الكُفْرِ ذَنْبٌ. وكذَلِكَ مَنْ كَانَتْ أَخْلاقُهُ حَسَنَةً وهُوَ غَيْرُ قائِمٍ بالعِباداتِ، أَوْ غَيْرُ سائِرٍ في معاملاتِهِ حَسَبَ أَحْكَامِ الشَرْعِ. ومِنْ هُنا كَانَ لِزَامَاً أَن يُرَاعَى في تَقويمِ الفردِ وُجُودُ العَقِيدَةِ، والعباداتِ، والمعاملاتِ، والأَخْلاقِ. ولا يَجُوزُ شَرْعاً العنايةُ بالأَخْلاقِ وَحْدَهَا وتَرْكُ باقِي الصفاتِ، بَلْ لا يَجُوزُ أَن يُعْنَى بشَيءٍ ما قَبْلَ الاطمئنانِ إِلَى العَقِيدَةِ. والأَمْرُ الأَسَاسِيُّ في الأَخْلاقِ هُوَ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ تَكونَ مبنيةً عَلَى العَقِيدَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وأَن يَتَّصِفَ المؤمِنُ بِهَا عَلَى أَنَّها أَوَامِرُ ونواهٍ مِنَ اللهِ تعالى”.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة، أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ:
أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ كِتَابَ: “نِظَامِ الإِسلَامِ” هَذَا الكِتَابُ الَّذِي عَرَضْنَاهُ عَلَيكُمْ عَرْضاً مُفَصَّلاً، وَقَدْ أَوْشَكْنَا عَلَى الانتِهَاءِ مِنْ عَرضِهِ، بَيَّنَ فِيهِ هَؤُلَاءِ العُلَمَاءُ الأَجِلَّاءُ لِلْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ فِي مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا دِينَ الإِسلَامِ غَضّاً طَرِيّاً كَمَا أَنْزَلَهُ اللهُ رَبُّ العَالَـمِينَ، ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ الكَامِلُ، والشَّامِلُ لِجَمِيعِ شُؤُونِ الحَيَاةِ، بِصُورَتِهِ النَّاصِعَةِ الوَاضِحَةِ، وَحَقِيقَتِهِ النَّقِيَّةِ الصَّافِيَةِ الـمُبَلْوَرَةِ.
وَفي خِتَامِ كِتَابِ «نِظَامِ الإِسْلَامِ» حَتَّى لَا تَلْتَبِسَ سَبِيلِ النَّهْضَةِ عَلَى السَّائِرِينَ، بَحَثَ هَؤُلَاءِ العُلَمَاءُ مَوضُوعاً في غَايَةِ الأَهَمِّيَّةِ، أَلَا وَهُوَ «الأَخلَاق فِي الإِسلَامِ» وَلِكَيْ يَسْهُلَ تَنَاوُلَنَا لَهْ ارْتأَينَا تَجزِئَتَهُ لِعِدَّةِ أَجْزَاءَ، وَإِلَيكُمُ الجُزْءَ الثَّامِنَ وَالأَخِيرَ مِنهُ.
بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى فِي كَثِيرٍ مِنْ سُوَرِ القُرآنِ الكَرِيمِ الأَخلَاقَ الَّتِي يَجِبُ أَنْ يَتَحَلَّى بِهَا الـمُؤْمِنُونَ، وَيُمكِنُ بَيَانُ وَإِبرَازُ مَوضُوعِنَا مِنْ خِلَالِ النُّقَاطِ الآتِيَةِ:
- تَعْرِضُ الآيَاتُ فِي السُّوَرِ الثَّلاثِ: (لُقْمَان، وَالفُرقَان، وَالإِسرَاء) الصِّفَاتِ الـمُختَلِفَةَ الَّتِي تَجلُو صُورَةَ الـمُسْلِمِ وتبَيِّنُ الشَخْصِيَّةَ الإِسْلامِيَّةَ في ذاتِها المتميزةَ عَنْ غَيْرِهَا.
- يُلاحَظُ فِي الآيَاتِ أَنَّها أَوَامِرُ ونواهٍ مِنَ اللهِ تعالى، مِنْهَا أَحْكَامٌ تتَعَلَّقُ بالعَقِيدَةِ، كَمَا أَنَّ مِنْهَا أَحْكَاماً تتَعَلَّقُ بالعباداتِ، وأَحْكَاماً تتَعَلَّقُ بالمعاملاتِ، وأَحْكَاماً تتَعَلَّقُ بالأَخْلاقِ.
- يُلاحَظُ أَنَّ الآيَاتِ لَمْ تقتصِرْ عَلَى صفاتٍ خُلُقيةٍ، بَل اشتملتْ عَلَى العَقِيدَةِ، والعباداتِ، والمعاملاتِ، كَمَا اشتملتْ عَلَى الأَخْلاقِ. وهيَ الصفاتُ الَّتِي تُكَوِّنُ الشَخْصِيَّةَ الإِسْلامِيَّةَ.
- الاقتصارُ عَلَى الأَخْلاقِ لا يُوجِدُ الرجلَ الكاملَ والشَخْصِيَّةَ الإِسْلامِيَّةَ.
- لكيْ تُحَقِّقَ الأَخلَاقُ الغايةَ الَّتِي وُجِدَتْ مِنْ أَجْلِها لا بُدَّ مِنْ أَن تَكَونَ مبنيةً عَلَى الأَسَاسِ الرُوحيِّ، وهُوَ العَقِيدَةُ الإِسْلامِيَّةُ، وأَن يَكُونَ الاتصافُ بِهَا مَبنِيّاً عَلَى هَذِهِ العَقِيدَةِ.
- الـمُسْلِمُ لا يتصفُ بالصدقِ لذاتِ الصدقِ، بَلْ يتصفُ بهِ لأَنَّ اللهَ أَمرَ بِهِ، وإن كَانَ يراعِي تَحَقيقَ القِيَمةِ الخُلُقِيَّةِ حِينَ يَصْدُقُ.
- لا يُتَّصَفُ بِالأَخلاقِ لذِاتِ الأخلاق، بَلْ لأَنَّ اللهَ أَمرَ بِهَا، ولهذا لا بُدَّ مِنْ أَنْ يَتَّصِفَ الـمُـسْلِمُ بصفاتِهَا، وأَنْ يَقُومَ بِهَا طَوْعاً وانقياداً لأَنَّها مما يَتَّصِلُ بتقْوَى اللهِ.
- الأَخلَاقُ تأتي مِنْ نتائجِ العِبَادَةِ: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)، ومما يَجِبُ أَن يُرَاعَى في المعاملاتِ: «الدِينُ الـمُعَامَلةُ» عَلاوَةً عَلَى كَوْنِها وحْدَها أَوَامِرَ ونَوَاهِيَ معينةً، فإن ذَلِكَ يُثَبِّتُها في نَفْسِ الـمُسْلِمِ، ويَجْعَلُها شيمةً لازمةً.
- اندِماجُ الأَخْلاقِ بباقِي أَنظمةِ الحَيَاةِ – مَعَ كَوْنِها صفاتٍ مستقلةً – كَفِيلٌ بأَنْ يهيّئَ الـمُسْلِمَ تهيئَةً صالحةً.
10. الاتصافَ بالخُلُقِ هُوَ إجابةٌ لأَوامِرِ اللهِ تعالى واجتنابٌ لنَوَاهِيهِ، لا لأَنَّ هَذَا الخُلُقَ يَنْفَعُ أَوْ يَضُرُّ في الحَيَاةِ. وهذا مما يَجْعَلُ الاتصافَ بالخُلُقِ الحسنِ دائمياً وثابتاً ما ثَبَتَ الـمُسْلِمُ عَلَى القِيَامِ بتَطْبِيقِ الإِسْلامِ، ولا يدورُ حَيْثُ دَارَتِ الـمَنْفَعَةُ، لأَنَّهُ لا تُقْصَدُ مِنْهُ النَفْعِيَّةُ، بَلْ يَجِبُ أَن تُسْتَبْعَدَ مِنْهُ.
11. المقصودُ مِنَ الخُلُقِ هُوَ القِيَمةُ الخلقيةُ فقط، لا القِيَمةُ المَادِّيَّةُ أَو الإِنْسَانيَّةُ أَو الرُوحيَّةُ، بَلْ لا يَجُوزُ أَن تَدْخُلَ هَذِهِ القِيَمُ فِيهِ لئلا يَحْصُلَ اضطرابٌ في القِيَامِ بهِ، أَو الاتصافِ بهِ.
12. مما يَجِبُ التنبيهُ إِلَيْهِ أَنَّه يَجِبُ استبعادُ القِيَمةِ المَادِّيَّةِ عَنِ الخُلُقِ، واستبعادُ أَن يَكُونَ القِيَامُ بهِ مِن أجْلِ المنافِعِ والفوائدِ، لأَن ذَلِكَ خطرٌ عَلَيْهِ.
13. إنَّ الأَخْلاقَ لَيْسَتْ مِن مُقَوِّمَاتِ المجتمعِ، بَلْ هِيَ مِن مُقَوِّمَاتِ الفردِ. ولذَلِكَ لا يَصْلُحُ المجتمَعُ بالأَخْلاقِ، بَلْ يَصْلُحُ بالأَفْكَارِ الإِسْلامِيَّةِ والمشاعرِ الإِسْلامِيَّةِ وبتَطْبِيقِ الأَنظمةِ الإِسْلامِيَّةِ.
14- مَعَ أَنَّ الأَخْلاقَ مِن مُقوماتِ الفردِ، ولكنَّها لَيْسَتْ هِيَ وَحْدَها، ولا يَجُوزُ أَن تَكونَ وَحْدَهَا، بَلْ لا بُدَّ أَن تَكونَ معها العقائدُ، والعباداتُ، والمعاملاتُ.
15. الأَمْرُ الأَسَاسِيُّ في الأَخْلاقِ هُوَ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ تَكونَ مبنيةً عَلَى العَقِيدَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وأَن يَتَّصِفَ المؤمِنُ بِهَا عَلَى أَنَّها أَوَامِرُ ونواهٍ مِنَ اللهِ تعالى.
16. لا يُعْتَبَرُ مَنْ كَانَتْ أَخْلاقُهُ حَسَنَةً وعَقِيدَتُهُ غَيْرَ إِسْلامِيَّةٍ، لأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئذٍ كافِراً، ولَيْسَ بَعْدَ الكُفْرِ ذَنْبٌ. وكذَلِكَ مَنْ كَانَتْ أَخْلاقُهُ حَسَنَةً وهُوَ غَيْرُ قائِمٍ بالعِباداتِ، أَوْ غَيْرُ سائِرٍ في معاملاتِهِ حَسَبَ أَحْكَامِ الشَرْعِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة الأخيرة من هذا الكتاب، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في سلسلة قادمةٍ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.