تونس والديمقراطية
الخبر:
انتخب البرلمان التونسي الجديد يوم الاثنين رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي رئيسا له.
وكلف الرئيس التونسي قيس سعيّد مرشح حركة النهضة الحبيب الجملي رسميا بتشكيل الحكومة الجديدة، وهو كاتب دولة سابق لدى وزير الفلاحة، ويقدم نفسه على أنه ليست له انتماءات سياسية. (وكالات)
التعليق:
حيث إن حركة النهضة قد أحرزت في انتخابات السادس من تشرين الأول/أكتوبر الماضي 52 مقعدا في البرلمان من مجموع 217، فهي مطالبة دستوريا بتكوين ائتلافات مع أحزاب أخرى لتتمكن من جمع 109 مقاعد، حتى تتمكن من تشكيل الحكومة المقبلة. وذلك في مدة أقصاها 60 يوما. وإذا نظرنا في تشكيلة البرلمان من حيث الأحزاب ندرك مدى تهافت النظام وبلاهة المؤمنين به. فهناك تسعة أحزاب تشارك في البرلمان بنسب متفاوتة وأهمها حزب قلب تونس الحاصل على 38 مقعدا والتيار الديمقراطي 22 مقعدا وائتلاف الكرامة 21 مقعدا والحزب الدستوري الحر 17 مقعدا وحركة الشعب 15 مقعدا وحركة تحيا تونس 14 مقعدا ولكل من حزب الرحمة وحزب مشروع تونس 4 مقاعد بالإضافة إلى قوائم أخرى حصلت على 30 مقعدا.
كيف يمكن تشكيل حكومة من كل هذه الاتجاهات المتباينة في أصولها وفي برامجها إلا أن يكون هناك تنازلات وتواطؤ وتخلٍ عن أهداف أساسية أو أصولية حتى يلتئم التآلف لتشكيل حكومة؟! ومنذ البداية نتابع التهديدات والتوعدات بعدم منح الثقة لحكومة حركة النهضة من أغلب الأحزاب، ربما تكون من أجل الضغط على النهضة لتقديم المزيد من التنازلات أو ربما تكون حقيقية لعدم ثقة الناس بالنهضة بعدما حصل منها التخلي عن الحكم أول الأمر واشتراكها في ترويكا علمانية مع أطراف من العهد البائد البروقيبي الموالي لفرنسا والغرب.
ربما يقول قائل إن هذه هي السياسة البراغماتية، بل قد يقول آخر إن هذه هي الديمقراطية وهذا يعني أن الحكم قطعة كعك تتقاسمها الأطراف، ويرضى كل طرف بنصيبه ويسكت عن الآخرين، أو يكون في المعارضة التي تقف أمام كل مشروع وتشجب كل برنامج لأنها لا يجوز أن تكون في المعارضة وتوافق على برامج الآخرين. وهنا نقول إن هذا فعلا هو شأن الديمقراطية ولا خلاف ولا جدال والنموذج الإيطالي خير دليل حيث تشكلت أكثر من 40 حكومة منذ عام 1954 حتى الآن أي بمعدل حكومة كل 18 شهرا وذلك لكثرة الأحزاب التي تشكل البرلمان، وكثير من التحالفات كانت على حساب الجوهر والبرامج مما أدى إلى عزوف الناس عن المشاركة في الانتخابات بعدما تبين لهم أن البرامج الانتخابية ليست أكثر من وعود وخطب لا تسمن ولا تغني من جوع مقابل مقولة السياسة فن الممكن. بل إن تونس سبقت هذه الأرقام حيث تشكلت منذ ثورة 2011 حتى الآن 7 حكومات أي بمعدل حكومة كل 14 شهرا.
التعريف الصحيح للسياسة هو رعاية شؤون الناس على أساس المبدأ، فالأصل هو رعاية الشؤون وليس الوصاية على الناس أو استغلال المراكز والسلطات لرعاية المصالح الخاصة، ومحاولة الحصول على أكثر حصص من الكعكة دون النظر إلى مصالح العامة.
إن فشل الديمقراطية في أرضها أصبح واضحا للعيان وأمثلته كثيرة، وليس آخرها هو ارتفاع أصوات التطرف اليميني الذي أصبح ممثلا في البرلمانات الأوروبية كلها والذي يدعو إلى الانفصالية والعزلة الوطنية التي تجلب مخاطر الحروب وفوضى التشاحن بين الأمم. ومن أمثلتها انتخابات البريكسيت البريطاني للخروج من الاتحاد الأوروبي والذي كان فوزه بنسبة ضئيلة 51% جعلت البعض يفكر لاحقا في إعادة التصويت للخروج من الأزمة. بل إن وصول ترامب إلى الحكم في أمريكا هو أكبر دليل على فشل هذه الديمقراطية.
فهل من مستجيب للدعوة إلى نبذ هذا النظام وتركه مهملا ليحرق البلاد التي ولدته وننجو نحن من نيران مصائبه وكثرة مشكلاته التي لا حل لها؟!
الخروج من هذه الأزمة وكل الأزمات لا يكون إلا بالرجوع إلى خالق العباد والعودة إلى منهجه الذي قال فيه مؤكدا كماله وشموليته: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾.
فلنرجع إذن إلى ديننا الذي فيه معالجات الحياة ورعاية الناس، ولن يكون ذلك إلا بتطبيق شريعة الله وإحياء دينه في دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
والحمد لله على نعمة الإسلام ونعوذ بالله من الضلال والانحراف عن نهجه سبحانه وتعالى بأخذ القيم والأفكار الغربية الغريبة.