Take a fresh look at your lifestyle.

تأملات في كتاب “من مقومات النفسية الإسلامية” الحلقة الثانية

 

 

تأملات في كتاب “من مقومات النفسية الإسلامية”

الحلقة الثانية

 

 

 

الحمد لله رب العالمين, والصَّلاةُ والسَّلامُ علَى إمامِ المتقين, وسيِّدِ المرسلين, المبعوثِ رحمةً للعالمين, سيدِنا محمدٍ وعلَى آلهِ وصَحبِهِ أجمعين, واجعلنا مَعَهم, واحشرنا في زُمرتهم برَحمتكَ يا أرحمَ الراحمين.

 

أيها المسلمون:

 

 

أحبتنا الكرام :

 

السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب”من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل توضيح المقصود بمصطلح “العقلية الإسلامية” ومصطلح “النفسية الإسلامية”, وتوضيح الهدف من هذه الحلقات نقول وبالله التوفيق:  

 

شخصية كل إنسان تتألف من عقليته ونفسيته، والعقلية هي الكيفية التي يجري عليها عقل الأشياء, أي إصدار الحكم عليها وفق القاعدة التي يؤمن بها, ويطمئن إليها. فإذا كان عقله للأشياء بإصدار الأحكام عليها بناء على العقيدة الإسلامية كانت عقليته إسلامية، وإن كان إصداره للأحكام بناءً على العقيدة الرأسمالية كانت عقليته رأسمالية.

 

والنفسية هي الكيفية التي يجري عليها إشباع الإنسان لغرائزه وحاجاته العضوية, أي القيام بعملية الإشباع وفق القاعدة التي يؤمن بها ويطمئن إليها، فإذا كان إشباع غرائزه وحاجاته العضوية يتم بناء على العقيدة الإسلامية كانت نفسيته إسلامية، وإن كان الإشباع يتم بناء على العقيدة الرأسمالية كانت نفسيته رأسمالية.

 

وإذا كانت القاعدة للعقلية والنفسية واحدة، كانت شخصية الإنسان متميزة منضبطة. فإذا كانت العقيدة الإسلامية هي الأساس لعقليته ونفسيته كانت شخصيتُه شخصيةً إسلامية. وإن كانت العقيدة الرأسمالية هي الأساس لعقليته ونفسيته كانت شخصيتُه شخصيةً رأسمالية.

 

وعليه فلا يكفي أن تكون العقلية إسلامية، بل ينبغي أن تكون النفسية إسلامية كذلك. لا يكفي أن تكون العقلية إسلامية يُصدر صاحبها الأحكام على الأشياء والأفعال إصداراً صحيحاً حسب أحكام الشرع، فيستنبط الأحكام, ويعرف الحلال والحرام، ويكون ناضجاً في وعيه وفكره، لا يكفي ذلك إلا أن تكون النفسية نفسية إسلامية, فيشبع صاحبها غرائزه وحاجاته العضوية إشباعاً على أساس الإسلام، يصلي ويصوم ويزكي ويحج، ويأتي الحلال, ويجتنب الحرام، ويكون حيث يحب الله له أن يكون، ويتقرب إليه سبحانه بما افترضه عليه, ويحرص على فعل النوافل فيزداد قرباً من الله سبحانه, ويتخذ تجاه الأحداث مواقف صادقة مخلصة، يأمر بالمعروف, وينهى عن المنكر، يحب في الله, ويبغض في الله، ويخالق الناس بخلق حسن.

 

أيها المسلمون:

 

 

وكذلك لا يكفي أن تكون نفسية المرء إسلامية, وعقليته ليست كذلك، فعبادة الله على جهل قد ينحرف بها صاحبها عن الخط المستقيم، فقد يصوم في يوم حرام، ويصلي حيث تكره الصلاة، ويحوقل أمام مرتكب منكر يراه، بدل أن ينكر عليه وينهاه. أي أنه قد يسيء وهو يظن أنه يحسن، فيكون إشباعه لغرائزه وحاجاته العضوية على غير ما أمر به الله ورسوله. وهذا ينطبق عليه قول الله جل في علاه: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}.

 

إن الأمر لا يستقيم إلا إذا كانت عقلية المرء إسلامية، عالماً بما يلزمه من أحكام، وفي الوقت نفسه تكون نفسيته إسلامية فيكون قائماً بأحكام الشرع، لا أن يعلمها فقط، بل يطبقها في كل أمره، مع خالقه، ومع نفسه، ومع غيره، على الوجه الذي يحبه الله ويرضاه.

 

فإذا انضبطت عقليته ونفسيته بالإسلام كان شخصية إسلامية تشق طريقها إلى الخير وسط الزحام، لا تخشى في الله لومة لائم.

 

وهذا لا يعني عدم وجود ثغرات في السلوك، وذلك لأن الإنسان ليس ملاكاً بل هو يخطئ فيستغفر ويتوب، ويصيب فيحمد الله على مَنِّهِ وهداه. وكلما استزاد المسلم من الثقافة الإسلامية نمت عقليته، وكلما استزاد من الطاعات قويت نفسيته, وسار نحو المرتقى السامي, وثبت على هذا المرتقى, بل اعتلى من عليّ إلى أعلى.

 

وفي هذه الحالة يستولي على الحياة بحقها، وينال الآخرة بسعيه لها وهو مؤمن، ويكون حليف محراب وفي الوقت نفسه بطل جهاد، أسمى صفة من صفاته أنه عبد الله تعالى، خالقِه وبارئه.

 

أيها المسلمون:

 

 

ونحن هنا في هذه الحلقات نقدم للمسلمين بعامة، ولحملة الدعوة بخاصة، مقوماتٍ للنفسية الإسلامية ليكون لسان حامل الدعوة، وهو يعمل لإقامة الخلافة، رطباً بذكر الله، وقلبه عامراً بتقوى الله، وجوارحه تسارع للخيرات، يتلو القرآن ويعمل به، ويحب الله ورسوله، ويحب في الله ويبغض في الله، يرجو رحمة الله ويخشى عذابه، صابراً محتسباً مخلصاً لله متوكلاً عليه، ثابتاً على الحق كالطود الأشم، ليناً هيِّناً رحيماً بالمؤمنين، صلباً عزيزاً على الكافرين، لا تأخذه في الله لومة لائم، حسن الخلق، حلو الحديث، قوي الحجة، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، يسير في الدنيا ويعمل فيها وعيناه ترنوان إلى هناك، إلى جنة عرضها السموات والأرض، أعدت للمتقين.

 

ولا يفـوتنا أن نذكِّـر حملة الدعوة، العاملين لاستئناف الحياة الإسلامية في الأرض بإقامة دولة الخلافة الراشدة، نذكِّرهم بالواقع الذي يعملون فيه، فإن أمواجاً متلاطمة من أعداء الله ورسوله تحيط بهم،  وهم إن لم يكونوا مع الله آناء الليل وأطراف النهار، فكيف سيشقّون طريقهم وسط الزحام؟ كيف يصلون إلى ما يرجون؟ كيف يرتقون من شاهق إلى شاهق؟ كيف؟ وكيف؟ هذا ما سنعرفه في الحلقات القادمة فكونوا معنا.

 

أحبتنا الكرام :

 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, عَلَى أنْ نُكمِلَ تأمُّلاتنا في الحَلْقاتِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعالى, فإلى ذَلكَ الحِينِ وَإلى أنْ نَلقاكُم, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ. نَشكُرُكُم وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.