حوادث الطّرقات في تونس: عنوان جديد لفساد المنظومة التّشريعيّة
الخبر:
أكّدت وزارة الدّاخلية أنّ حادث مرور جدّ صباح اليوم على مستوى منطقة “عين السّنوسي” من معتمديّة عمدون ولاية باجة. وتتمثّل صورة الحادث وفق بلاغ للوزارة، في سقوط حافلة، تابعة لإحدى وكالات الأسفار الخاصّة، كانت تقلّ 43 شخصا في إطار رحلة سياحيّة ترفيهيّة من تونس العاصمة في اتّجاه عين دراهم، في مجرى وادي بعد تجاوزها لحاجز حديديّ.
وتتمثّل الحصيلة الأوليّة للحادث في وفاة 22 شخصا وإصابة 21 آخرين تمّ نقلهم إلى مستشفيات عمدون وباجة لتلقّي الإسعافات الضرورية. (حقائق أون لاين، 01/12/2019)
التّعليق:
شهدت تونس اليوم فاجعة جديدة في شبابها. فالحافلة كانت تقلّ تلاميذ وطلبة، وعدد الضّحايا في ازدياد، فإلى الآن سجّلت 26 حالة وفاة إضافة إلى عدد كبير من الجرحى وحالتهم خطيرة، كانوا يقومون برحلة إلى عين دراهم – تلك المنطقة الجبليّة السّاحرة الجذّابة والتي تغري الكثير بزيارتها – ولكنّها وإن كانت كذلك فإنّ طرقاتها ليست بأفضل حالاً من الطّرقات في معظم مناطق البلاد، وما شهدته الأيّام الأخيرة من حوادث وما يلاقيه النّاس من صعوبات في التّنقّل حتّى في المدن الكبرى وذلك لتهرّي البنية التّحتيّة للطّرقات الذي كشفته الأمطار الأخيرة وهو ما أدّى إلى امتعاض النّاس وغضبهم.
هذه الحادثة ليست هي الأولى فقد أكّد شهود عيان بالمنطقة – مكان الحادث – أنّها تشهد من 4 إلى 5 حوادث في السنّة وذلك لأنّ هذا المكان يمثّل منعرجا خطيرا جدّا والطّريق ضيّقة وغير مؤمّنة، لذلك فهي تمثّل خطرا على كلّ من يستعملها خاصّة إن كان يجهل طبيعتها. وتجدر الإشارة إلى أنّه تمّ في سنة 2019 تسجيل: 5043 حادثا راح ضحيّتها 999 قتيلا و7326 جريحا، فهل اتّخذت الدّولة التّدابير اللّازمة لمراقبة الطّرقات وجعلها صالحة لمستعمليها لتفادي هذا الكمّ الهائل من الخسائر البشريّة، أم أنّ الشّركات الخاصّة كفيلة بتعبيد الطّرقات والسّمسرة في تكاليف تعبيدها وتجهيزها وجعلها ممرّات ضيّقة تسهم بشكل ملحوظ في مزيد من الحوادث والضّحايا؟
حالة السّيارات ومراقبتها “فنّيّا”: صار الفحص الفنّي يجرى كلّ سنتين بعد أن كان سنويّا والسّبب قلّة أعوان الفحص الفنّي والتّزاحم الكبير الذي يحصل نتيجة توافد النّاس للقيام به فكان هذا الإجراء؛ حلّ يمثّل في حدّ ذاته مشكلا ويساهم في جعل الطّرقات موطنا للعربات غير الصّالحة وهو ما أشار إليه رئيس الجمعيّة التّونسية للوقاية من حوادث الطرقات وأكّد أنّ الحافلات العموميّة هي الأخرى بحاجة لمزيد من الرّقابة وتحسين وضعيّتها.
أطلق على ما يحدث في الطّرقات – وعلى إثر هذه الفاجعة – إرهابا! هو فعلا إرهاب في حقّ النّاس الذين لا تُرعى شؤونهم في أبسط مرافق الحياة. إرهاب نظام رأسماليّ يحكم البلاد ولا همّ له سوى تحقيق الأرباح، فمتى كان هذا النّظام يبحث عن مصالح النّاس وراحتهم وسعادتهم؟! طرقات ضيّقة وغير مؤمّنة يسعى منفّذوها ومجهّزوها لتكون بأقلّ تكاليف ولو فسدت المواصفات. عربات لا تخضع للفحص الفنّي إلّا بعد سنتين لأنّ هذا النّظام يرفض الانتدابات الجديدة ويرفض المصاريف. مستعملون للطرقات غابت عنهم مفاهيم دينهم صاروا لا يقدّرون معنى قتل النّفس وما يترتب عليه من دية ومن عقاب يجعله يفكّر ويتعقّل فيتريث ولا يسرع.
أشار رئيس الجمعيّة التّونسية للوقاية من حوادث الطّرقات إلى أنّ حوادث المرور تكلّف المجموعة الوطنيّة خسائر 500 مليون دينار سنويّا. مؤشّر واضح لفساد منظومة تشريعيّة لا تعبأ بأرواح النّاس ولا تعمل على إصلاحات وحلول جذريّة لأنّها لا تملك ذلك ولأنّ قوانينها عاجزة عن ذلك. فلو أنّها صرفت هذه الأموال على الطّرقات وحسّنتها لتكون صالحة لا تمثّل خطرا على مستعمليها لتجنّبت الخسائر البشريّة وحدّت من مثل هذه المصائب.
شتّان بين نظام يجري حاكمه ليعبّد الطّريق لدابّة حتّى لا تعثر! وبين نظام يعبّد الطريق للإنسان حتّى يلقى حتفه، شتّان بين نظام ربّانيّ رحيم شرعه الله ليحيي به عباده وبين نظام بشريّ فاسد قوانينه أحكام بالإعدام.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلاميّ المركزيّ لحزب التّحرير
زينة الصّامت