Take a fresh look at your lifestyle.

من مقومات النفسية الإسلامية – الحلقة الثالثة

 

 

من مقومات النفسية الإسلامية

الحلقة الثالثة

 

 

 

الحمد لله رب العالمين, والصَّلاةُ والسَّلامُ علَى إمامِ المتقين, وسيِّدِ المرسلين, المبعوثِ رحمةً للعالمين, سيدِنا محمدٍ وعلَى آلهِ وصَحبِهِ أجمعين, واجعلنا مَعَهم, واحشرنا في زُمرتهم برَحمتكَ يا أرحمَ الراحمين.

 

أيها المسلمون:

 

 

أحبتنا الكرام :

 

السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب”من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل إعطاء نماذج حية للشخصية الإسلامية, مع التركيز على العقلية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق: قلنا في الحلقة السابقة: “إن العقلية هي الكيفية التي يجري عليها عقل الأشياء, أي إصدار الحكم عليها وفق القاعدة التي يؤمن بها, ويطمئن إليها”. هكذا ينبغي أن يكون المسلم وقافاً عند حدود الله, يقيس الأمور بمقياس الله, ويزنها بميزان الله وهو الحلال والحرام, يأتمر بما أمر به الله ورسوله, وينتهي عما نهى عنه الله ورسوله, يفعل ذلك حتى لو تعارض مع أهوائه ومصالحه ابتغاء رضوان الله, ولسان حاله يقول ما قال الشاعر:

 

فليتكَ تحلُـو والحياةُ مَريـرَةٌ                وليتكَ تَرضَى والأنامُ  غِضابُ

 

وليتَ الذي بَيني وَبينَكَ  عَامِرٌ               وبيني وبَيـنَ العالمينَ خَـرَابُ

 

إذا صحَّ مِنكَ الوُدُّ فالكُلُّ هَيِّنٌ                وكُلُّ الذي فَوقَ التُرابِ تُرابُ

 

أيها المسلمون:

 

 

المؤمنُ صاحب العقلية الإسلامية «هَـيِّنٌ لَـيِّنٌ كَـيِّسٌ فَطِنٌ». كما أخبر حبيبنا المصطفى صلوات الله وسلامه عليه, فالمؤمن يتصف بالفطنة والذكاء, وهو سريع البديهة, بمعنى أنه في المواقف الصعبة والحرجة يتصرف تصرف الحكيم, فيجيب الإجابة المسكتة لخصمه, والتي تنجيه وترفع عنه الضيق والحرج, وتخرجه من المأزق الذي أوقعه فيه خصمه, ونضرب لذلك مثالاً حياً من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم: جاء في سيرة ابن هشام قال ابن إسحق:”ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأبو بكر رضي الله عنه، حتى وقف على شيخ من العرب فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم, فقال الشيخ: لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أخبرتنا أخبرناك» قال: أذاك بذاك؟ قال: «نعم» قال الشيخ: فإنه بلغني أن محمداً وأصحابَه خرجوا يوم كذا وكذا, فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذي به رسول الله صلى الله عليه وسلم, وبلغني أن قريشاً خرجوا يوم كذا وكذا فإن كان الذي أخبرني صدقني, فهم اليوم بمكان كذا وكذا, للمكان الذي فيه قريش فلما فرغ من خبره قال: ممن أنتما؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن من ماء». ثم انصرف عنه قال: يقول الشيخ: ما من ماء؟ أمن ماء العراق؟

 

أيها المسلمون:

 

 

هكذا ينبغي أن تكون عقلية المؤمن عقلية إسلامية. يعقل الأشياء, أي يصدر الحكم عليها وفق القاعدة التي يؤمن بها, ويطمئن إليها. ويتصف بالفطنة والذكاء, وهو سريع البديهة, يتصرف تصرف الحكيم, فيجيب الإجابة المسكتة لخصمه, وليس النبي صلى الله عليه وسلم وحده صاحب هذه العقلية الإسلامية, بل إنَّ الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وعلى رأسهم الخليفة الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه لهم مثل هذه العقلية, كيف لا وقد تربوا بمدرسة النبوة؟

 

فالصديق رضي الله عنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجرته من مكة إلى المدينة. وهو يعلم أن معنى هذه الصحبة، أنه سيكون وحده برفقة رسول رب العالمين بضعة عشرة يوماً على الأقل, وهو الذي سيقدم حياته لسيده وقائده وحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم، فأي فوز في هذا الوجود يفوق هذا الفوز؟ أن يتفرد الصديق وحده من دون أهل الأرض، ومن دون الصحب جميعاً برفقة سيد الخلق وصحبته كل هذه المدة؟ وتظهر معاني الحب في الله في خوف أبي بكر وهو في الغار من أن يراهما المشركون، ليكون الصديق مثالاً لما ينبغي أن يكون عليه جندي الدعوة الصادق، مع قائده الأمين، حين يحدق به الخطر من خوف وإشفاق على حياته، فما كان أبو بكر ساعتئذ بالذي يخشى على نفسه الموت، ولو كان كذلك لما رافق رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الهجرة الخطيرة، وهو يعلم أن أقلَّ جزائه القتلُ إن أمسكه المشركون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكنه كان يخشى على حياةِ الرَّسولِ الكريم صلى الله عليه وسلم، وعلى مُستقبل الإسلام إن وقع الرسول صلى الله عليه وسلم في قبضة المشركين، ويَظهرُ الحسُّ الأمنيُّ الرفيعُ للصديق في هجرته مع النبي صلى الله عليه وسلم في مَواقِفَ كَثيرةٍ منها، حِينَ أجابَ السائلَ: مَن هَذا الرجلُ الذي بَينَ يَديك؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه: هذا هادٍ يهديني السبيل، فظن السائل بأن الصِّديقَ يقصدُ الطريق، وإنما كان يقصد سبيل الخير، وهذا يدل على حُسنِ استخدامِ أبي بكرٍ للمعاريض، فراراً من الحرج أو الكذب, ويدلُّ دلالةً واضحةً على العقلية الإسلامية التي يتمتعُ بها.

 

أيها المسلمون:

 

 

هل عقمت النساء عن إنجاب أمثال هؤلاء الرجال أصحاب العقول الإسلامية الراجحة؟ للإجابة نقول: إن الأمهات اللواتي أنجبن هؤلاء الرجال أصحاب العقول الإسلامية المستنيرة, لا زلن قادرات على إنجاب أمثال هؤلاء القادة العظماء الذين لا أبالغ إن قلت: إنهم أمثال الصحابة رضي الله عنهم! ونضرب لذلك مثالاً حياً من عصرنا الحاضر الذي نعيش فيه, وقد كنت شاهد عيان, أرويه بأمانة كما عشته واقعاً محسوساً: فحين شرفني الله بحمل الدعوة مع شباب حزب التحرير, وتم اعتقالي عام ثلاثة وثمانين, من قبل أجهزة المخابرات في ولاية الأردن, وقد كنت حديث العهد بالدعوة, فتعرفت على كثير من شباب الحزب, وتعلمت منهم ومن مواقفهم الجريئة والشجاعة الشيء الكثير.

 

ومن أبرز هؤلاء الشباب الذين تعلمت منهم, واستفدت منهم فائدة عظيمة أميرنا الحالي, أمير حزب التحرير عطاء بن خليل أبي الرشتة حفظه الله ورعاه. فهو بحقٍّ رجُلٌ وأيُّ رجُل! نسيجٌ وَحدَه, ذو شخصيةٍ إسلاميةٍ راقيةٍ, وذو عقليةٍ أسلاميةٍ مُستنيرة, وذو نفسيةٍ إسلاميةٍ من أرقى النفسيات. وهذهِ شهادةُ حَقٍّ أسألُ عَنها يومَ القيامةِ, أؤدِّيها خالصة لوجه اللهِ ربِّ العالمين, وهي شهادةٌ أسوقُها وأقدمُها لأمةِ الإسلام, لعلَّها تهتدي إلى أرشد أمرها, وهي تتلمَّسُ طريقَها نحو العزة, وتبحثُ عن قائدٍ يقودُها إلى برِّ الأمان! ويحكمُها بشرع ربها الرحمن! ويُطبقُ فيها هَديَ القُرآن, ويَعملُ فيها بِسُنةِ النَّبي العدنان صلى الله عليه وسلم.

 

أيها المسلمون:

 

 

سأذكر لكم موقفاً واحداً من المواقف الكثيرة التي تبرز العقلية الإسلامية الراقية التي يتمتع بها أميرُنا أميرُ حزب التحرير, لقد ألقى وهو في عمان محاضرة عن ظهر قلب, وكان وهو يلقيها كأنه يقرأ عن كتاب. وكانت هذه المحاضرة بعنوان: “الأزمات الاقتصادية: واقعها ومعالجاتها من وجهة نظر الإسلام” وبعد أن أنهاها, فسح المجال لطرح الأسئلة من قبل الحضور. غير أن أجهزة المخابرات كانت قد دسَّت أحد المتعاونين معهم ليعكر صفو المحاضرة, فبادر وطرح السؤال الآتي: لقد تأسس حزب التحرير في مطلع الخمسينات, فما الذي فعله حتى الآن؟ فماذا أجابه أبو ياسين يا ترى؟ افتحوا قلوبكم وعقولكم أيها المؤمنون وأصيخوا السمع, لتسمعوا هذه الإجابة التي تُظهر سرعة البديهة لديه, قال أبو ياسين حفظه الله ورعاه: “لقد أديت ما كلفت به وشكراً”. فما إن سمع الحاضرون تلك الإجابة حتى ضج من في القاعة كلهم أجمعون بالتصفيق إعجاباً بها.

 

 أحبتنا الكرام:

 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, عَلَى أنْ نُكمِلَ تأمُّلاتنا في الحَلْقاتِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعالى, فإلى ذَلكَ الحِينِ وَإلى أنْ نَلقاكُم, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ. نَشكُرُكُم وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.