الجزائر: الواقع السياسي والتحديات المرتقبة
تستعد الجزائر لانتخاباتها الرئاسية في 12 كانون الأول/ديسمبر الجاري وذلك بالتزامن مع تواصل الحراك الشعبي لأسبوعه الـ42 دون انقطاع بعد إطاحته بالرئيس بوتفليقة في نيسان/أبريل الماضي.
وتجري الحملة الانتخابية وسط انقسام في الشارع بين داعمين لها يعتبرونها حتمية لتجاوز الأزمة التي دامت قرابة التسعة أشهر، وبين معارضين يطالبون بتأجيلها بدعوى أن الظروف غير مواتية لإجرائها في هذا التاريخ وأنها فقط لتجديد أنفاس النظام القديم.
وبالتزامن مع الحراك والحملة الانتخابية، نشرت وزارة الدفاع الجزائرية تسجيلا مصورا لقائد أركان الجيش الفريق قائد صالح يتضمن كلمة له في اجتماع مغلق لقادة عسكريين يقول فيه “نحن ندير هذه الأزمة منذ 9 أشهر، هذا ليس بالأمر الهين ومن دون سقوط قطرة دم واحدة”، داعيا الشعب إلى اختيار الرئيس القادم.
وتؤكد القيادة العسكرية في ظاهر حديثها عدم دعمها لأي من المترشحين للحملة الانتخابية المقبلة تاركة الاختيار للشعب في حين رأينا انتفاضة شعبية في أواخر ليلة 20 تشرين الثاني/نوفمبر بالعاصمة الجزائرية تلتها حملة اعتقالات ومضايقات أمنية غير مسبوقة لمجموعة من الصحفيين والنشطاء السياسيين والحقوقيين ومدونين يقودون ويوجهون الحراك الذي يتضاعف عدده بازدياد كل أسبوع رافضين إجراء الانتخابات برموز النظام السابق، وتجلى ذلك أثناء تنقل المترشحين الخمسة للانتخابات الرئاسية في حملاتهم الانتخابية بحماية مشددة من فرق شرطة مكافحة الشغب.
تشابك الأحداث وتسارعها في الجزائر دفع بالبرلمان الأوروبي إلى إصدار بيان أدان فيه الاعتقالات التعسفية وغير القانونية، وتظاهروا خلاله بالتعبير عن قلقهم لحالة حقوق الإنسان والحريات الأساسية في الجزائر، وطالبوا الجزائر بتغيير القوانين التي تحد من حرية المعتقد، في إشارة إلى حاملي الراية الأمازيغية بقيادة المعارض فرحات مهني، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المتهمين. وقوبل بيان البرلمان الأوروبي ببيان للخارجية الجزائرية شديد اللهجة وصفته بالتدخل “الوقح” واتهمت الجزائر البرلمان الأوروبي بالتحريض والترويج المفضوح لأجندة الفوضى المقصودة، في إشارة إلى ربيع عربي في الجزائر.
وفي حقيقة الأمر كان الرد قاسيا وأقوى بكثير من مجرد بيان، بل كان الرد عمليا في الميدان حيث دعا قائد الأركان الفريق أحمد قائد صالح إلى مناورات عسكرية بحرية في البحر الأبيض المتوسط قريبا من المياه الإقليمية الفرنسية بمشاركة روسيا والصين في الفترة الممتدة بين 23 تشرين الثاني/نوفمبر إلى غاية 27 كانون الأول/ديسمبر 2019.
وتندرج هذه الحركة الجريئة وغير المسبوقة لتفكيك العلاقة القديمة مع فرنسا التي تعتبر نفسها شرطي المنطقة وخروج الجزائر منها ووضع حد للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وما استدعاء قوى عسكرية عظمى مثل روسيا والصين إلى المنطقة إلا مؤشر سلبي وخطير في قادم الأيام يهدد المنطقة والعلاقات السياسية بين الاتحاد الأوروبي “فرنسا بالأساس” وشمال أفريقيا، خاصة بعد انسحاب بريطانيا مبدئيا من الاتحاد الأوروبي ودعوة الرئيس الفرنسي ماكرون للانسحاب من حلف الناتو وإنشاء حلف أوروبي.
وهنا نستشف أن قائد صالح، بعد التصعيد الكبير، اصطاد عصفورين بحجر واحد؛ أولهما: تدويل صراع الجزائر مع فرنسا في الوقت الذي كانت فرنسا ترغب في تدويل الشأن الداخلي للجزائر حيث جرّت أوروبا بمجملها إلى ضغط سياسي لا قِبَل لها به ربما يتطور إلى قطع العلاقات السياسية والاقتصادية، وتطويره في جانب آخر مع أعداء أوروبا؛ روسيا والصين، وإنهاء الهيمنة الأوروبية في المنطقة.
وثانيا سيقلص المعارضون في الداخل من المسافة بينهم وبين قيادة الجيش ليعلن الجميع عن سخطهم إزاء التدخل الأجنبي في الشأن المحلي الجزائري والتفاف جميع القوى السياسية في الداخل حول السيادة الوطنية، وترجم هذا عمليا في بيانات متعددة لأحزاب المعارضة كحركة “حمس” واتحاد العمال وشعارات رفعها المتظاهرون في الميدان “لا للتدخل الأجنبي” “الأحرار ضد التدخل الأوروبي” “سواء الرسمي أو غير الرسمي” “لا وصاية داخلية أو خارجية على خيارات الشعب…”.
فهل ينجح قائد صالح في إيقاف النزيف الداخلي ولملمة الجراح والمرور إلى انتخابات رئاسية في موعدها المحدد؟
هل يتراجع المعارض الجزائري الصهيوني فرحات مهني عن تهديد قائد الأركان بالإطاحة والعدول عن دعوة إعلان استقلال الأمازيغ عن الجزائر؟
هل تنطلي هذه الخطة على الحراك المدرك لحقيقة اللعبة السياسية وتذهب تضحياته تجاه رموز النظام هباء منثورا؟
الأيام القليلة القادمة ستكشف عن خبايا المؤامرات السياسية التي تحاك للجزائر داخليا وخارجيا مع اعتقادنا الجازم بأن لا شيء سيتغير، فقط امتصاص بعض من الغضب الجماهيري وإعطاؤه جرعات مسكنة وربما تتجه إلى المجهول ما دامت الجزائر وغيرها من بلاد الإسلام ممزقة ومشتتة تفتقد للرجل الرشيد الذي يتقى به ويقاتل من ورائه ويكنس المستعمر من البلاد ويفك ارتهانها للغرب الكافر ويحمي بيضة الإسلام والمسلمين تحت راية واحدة ودولة واحدة؛ خلافة على منهاج النبوة. ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
سالم أبو عبيدة – ولاية تونس
2019_12_04_Art_Algeria_Political_Reality_and_Challenges_Ahead_AR_OK.pdf