Take a fresh look at your lifestyle.

تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية” الحلقة التاسعة

 

 

تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”

الحلقة التاسعة

 

 

 

الحمد لله رب العالمين, والصَّلاةُ والسَّلامُ علَى إمامِ المتقين, وسيِّدِ المرسلين, المبعوثِ رحمةً للعالمين, سيدِنا محمدٍ وعلَى آلهِ وصَحبِهِ أجمعين, واجعلنا مَعَهم, واحشرنا في زُمرتهم برَحمتكَ يا أرحمَ الراحمين.

 

أحبتنا الكرام :

 

السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق:

 

أيها المسلمون:

 

 

القرآن الكريم هو كلام الله سبحانه، أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بوساطة الوحي، جبريل عليه السلام، لفظاً ومعنى، المتعبد بتلاوته، المعجز، المنقول لنا نقلاً متواتراً. قال تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}. (فصلت 42) محفوظ بحفظ الله تعالى حيث قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}. (الحجر 9)

 

والقرآنُ أيها المسلمون:  تحيا به النُّفوسُ، وتطمئنُّ به القلوبُ، ويَخرُجُ الناسُ مِنَ الظُّلماتِ إلى النورِ بإذنِ ربهم إلى صراطِ العزيزِ الحمِيد. القرآنُ هُوَ الزَّادُ للمُسلِم وأيُّ زَاد، وهُو لحامِلِ الدَّعوَةِ آكَدُ وآكَد، تَعمُرُ بهِ القُلُوب، وتَشتدُّ به السَّواعد، ويُصبحُ حامِلُهُ كالجبالِ الرَّاسيات، تهونُ عندَهُ الدنيا في سبيل الله، يقولُ الحقَّ ولا يخشى في الله لومة لائم. به يُصبحُ المؤمنُ الذي تُحركُهُ الريحُ لخفَّةِ وزنه، أثقلَ عِندَ اللهِ مِن جبلِ أحُد، لأنه قارئٌ للقرآن، رَطبٌ بهِ لِسانُه، شاهِدٌ به بَنانُه.

 

أيها المسلمون:

 

 

هكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يَسيرُون في الدنيا، كأنهم قرآنٌ يتحركُ، يتدبَّرُون آياتِه, ويتلُونها حَقَّ تِلاوتها، يَعملُون بها ويَدعُونَ لها، تهزُّهم آياتُ العذَاب، وتَشرَحُ صُدورَهم آياتُ الرَّحمَة، تَفيضُ أعينُهم مِنَ الدَّمعِ خُشوعاً لإعجازِه وعظَمتِه، وَتَسليماً لأحكامِه وحِكمتِه، يتلقَّونَهُ مِن رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فتستقرَّ آياتُهُ في أعمَاقِ أعماقِ قلوبِهم، لِذلكَ عزُّوا وسَادُوا، وسَعِدُوا وفازُوا. فلمَّا فَارقَهُم رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى أعلَى علِّيين، استمرُّوا يتعاهدُونَ القرآنَ كمَا أوصاهُم بذلكَ الرَّسُولُ الأمينُ صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِ وعَلَى آلهِ وصَحبهِ أجمعين. فكانَ حفظةُ القرآنِ في أولِ الصُّفوفِ أمراً بالمعروفِ ونهياً عن المنكر، وكانَ حَاملُ القرآنِ الأولَ في كُلِّ خَير، والأولَ في اقتحامِ كُلِّ صَعبٍ في سَبيل الله.

 

أيها المسلمون:

 

 

إنَّه لحريٌّ بالمسلمينَ بعامَّة، وبحَمَلَةِ الدَّعوةِ بخاصَّة، أن يكونَ القرآنُ رَبيعَ قُلوبهم، ومُلازِمَ دَربهم، يَقودُهم إلى كُلِّ خَير، ويَرتَفِع بهم مِن شَاهقٍ إلى شَاهق، يتعاهدونَهُ آناءَ الليلِ وأطرافَ النهار، تلاوةً وحفظاً وعملاً فيكونُونَ بحقٍّ خيرَ خَلَفٍ لخَيرِ سَلَف.

 

وهذه آياتٌ كريمةٌ في نزولِ القرآنِ، وفي حِفظِه، وفي كَونِ الهُدَى به، والخيرِ العميمِ فيهِ ومِنهُ وحَولَه: قال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ}. (الشعراء 194) وقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}. (الحجر 9). وقال تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}. (فصلت 42). وقال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}. (الإسراء 9) وقال تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ, قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}. (المائدة 16) وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}. (إبراهيم1) وقال تعالى:{أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}. (الرعد 28) وقال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}. (النساء 82)

 

وبعدُ أيها المسلمون: فإنَّ ما سَبقَ من آياتٍ كريمةٍ، تبينُ المنـزلةَ العظيمةَ للقرآنِ الكريمِ، والمنـزلةَ العظيمةَ لحاملِ القرآنِ العظيمِ، الذي يحملُه ليتدبَّرَه ويعملَ به، ويتعاهدُهُ في حِلِّهِ وتَرحالِه, فيكونَ طاقةً هائلةً في كُلِّ سُبلِ الخير، لا أن يَضَعهُ على الرَّفِّ حتى يَعلُوَهُ الغُبارُ، أو يُزخرِفَهُ ويُغلِقَ علَيهِ خَزائِنَهُ حتى يطويهِ النِّسيانُ, فيكونَ والعياذُ باللهِ مِنَ الخاسرين.

 

فتعاهدُوا القرآنَ الكريمَ أيُّها الإخوةُ الأعزاء، وسَارعُوا إلى تلاوتِهِ حقَّ تلاوتِه، وتدبَّروهُ حقَّ تدبُّره، واعملوا به حقَّ العمل، والتزمُوا به حقَّ الالتزام، ليكونَ طعمُكُم طيباً، وريحُكُم طيباً، ومن ثَمَّ تكونُونَ في الصفوفِ الأولى في حملِ الدَّعوةِ في الدنيا، كما تكونُونَ في الصفوفِ الأولى في الجنَّةِ في الآخرة عندما يُقالُ: اقرأ وارتق، بذلكَ تكونُونَ أهلاً للنَّصرِ العظيمِ والفوزِ الكبير، ورضوانٌ مِنَ اللهِ أكبر {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِين}.

 

أحبتنا الكرام :

 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, عَلَى أنْ نُكمِلَ تأمُّلاتنا في الحَلْقاتِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعالى, فإلى ذَلكَ الحِينِ وَإلى أنْ نَلقاكُم, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ. نَشكُرُكُم وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.