تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”
إعداد الأستاذ محمد احمد النادي
الحلقة الثالثة عشرة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
مستمعي الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق:
الحب في الله يعني أن تحب العبد لله، أي بسبب إيمانه وطاعته، والبغض فيه يعني أن تبغض العبد بسبب كفره أو معصيته، لأن الحرف “في” هنا في هذا السياق جاء للتعليل، وذلك كما في قوله تعالى: {فذلكن الذي لمتنني فيه}. (يوسف32) أي بسببه، ومثله قوله تعالى {لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم}. (النور 14) وأيضا كما في قوله صلى الله عليه وسلم “دخلت امرأة النار في هرة” أي بسببها. وحب المؤمنين الطائعين أجره عظيم، والأدلة على ذلك كثيرة نذكر منها:
ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه، وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه”.
ومن الأدلة على أن حب المؤمنين الطائعين أجره عظيم، حديث أبي هريرة عند مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي؟”.
ومن الأدلة حديث أبي هريرة عند مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم” ووجه الاستدلال في قوله صلى الله عليه وسلم “ولا تؤمنوا حتى تحابوا” للدلالة على عظيم أجر التحاب في الله.
ومنها حديث أنس عند البخاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى يحب المرء لا يحبه إلا لله…”.
ومنها حديث معاذ عند الترمذي، وقال حسن صحيح قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “قال الله عز وجل: المتحابون في جلالي، لهم منابر من نور، يغبطهم النبيون والشهداء”. وغبطة الأنبياء والشهداء لهم كناية عن حسن حالهم، أي أنهم يستحسنون أحوالهم، لا أنهم يتمنون مثل حالهم، لأنهم أفضل حالا وأرفع درجة.
ومنها حديث أنس عند أحمد بإسناد صحيح قال: “جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله، الرجل يحب الرجل، ولا يستطيع أن يعمل كعمله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “المرء مع من أحب”. فقال أنس: فما رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرحوا بشيء قط، إلا أن يكون الإسلام، ما فرحوا بهذا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أنس: فنحن نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نستطيع أن نعمل بعمله، فإذا كنا معه فحسبنا”.
ومنها حديث أبي ذر عند أحمد وأبي داود وابن حبان قال: “قلت يا رسول الله، الرجل يحب القوم لا يستطيع أن يعمل بأعمالهم، قال: أنت يا أبا ذر مع من أحببت. قال: قلت فإني أحب الله ورسوله يعيدها مرة أو مرتين”.
ومنها حديث عبد الله بن مسعود المتفق عليه قال: “جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله كيف تقول في رجل أحب قوما ولم يلحق بهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحب”.
ومنها حديث عبد الله بن مسعود الذي رواه الحاكم في المستدرك قال ابن مسعود رضي الله عنه: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: “يا عبد الله بن مسعود، فقلت: “لبيك يا رسول الله” ثلاث مرار. قال: هل تدري أي عرى الإيمان أوثق؟ قلت: الله ورسوله أعلم قال: أوثق الإيمان الولاية في الله بالحب فيه والبغض فيه”.
ومنها الحديث الذي رواه أبو داود في سننه أن عمر بن الخطاب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم “إن من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله تعالى”. قالوا يا رسول الله تخبرنا من هم. قال: “هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها فوالله إن وجوههم لنور وإنهم على نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس “. وقرأ هذه الآية {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون}”.
ومنها الحديث الذي رواه الترمذي في سننه عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من أعطى لله ومنع لله وأحب لله وأبغض لله وأنكح لله فقد استكمل إيمانه”. قال أبو عيسى هذا حديث حسن.
ويسن لمن أحب أخا له في الله، أن يخبره ويعلمه بحبه إياه، لما رواه أبو داود والترمذي، وقال حديث حسن عن المقداد بن معد يكرب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه”. وما رواه أبو داود بإسناد صحيح عن أنس: “أن رجلا كان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فمر به رجل فقال: يا رسول الله إني لأحب هذا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أعلمته؟ قال: لا، قال أعلمه، فلحقه، فقال: إني أحبك في الله، فقال: أحبك الذي أحببتني له”. وما رواه البزار بإسناد حسن عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أحب رجلا لله، فقال: إني أحبك لله، فدخلا الجنة فكان الذي أحب أرفع منـزلة من الآخر ألحق بالذي أحب لله”.
أيها المسلمون:
بعد أن سمعتم ما سمعتم، وعرفتم ما عرفتم، ورأيتم ما رأيتم، من حب الصحابة لله تبارك وتعالى ولرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحب الصحابة بعضهم بعضا في الله جل في علاه، فهلا كنا مثلهم في حبنا لله ولرسوله وللمؤمنين؛ ليكون الله معنا كما كان معهم، وليكرمنا بنصره كما أكرمهم، ولنكون يوم القيامة معهم في صحبة سيد المرسلين، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا؟!
مستمعي الكرام: مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، على أن نكمل تأملاتنا في الحلقات القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه. نشكركم على حسن استماعكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.