Take a fresh look at your lifestyle.

تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية” الحلقة التاسعة والعشرون

 

تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”

الحلقة التاسعة والعشرون

 

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المسلمون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق:

 

عنوان حلقتنا لهذا اليوم هو “الرضا بالقضاء” فقد روى النسائي في سننه عن عطاء بن السائب، عن أبيه، قال: صلى بنا عمار بن ياسر صلاة فأوجز فيها، فقال له بعض القوم: لقد خففت أو أوجزت الصلاة، فقال: أما على ذلك فقد دعوت الله فيها بدعوات سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيرا لي، اللهم أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك العدل في الرضا والغضب، وأسألك القصد في الغنى والفقر، وأسألك نعيما لا يبيد، وأسألك قرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضا بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين”.

 

وقد مدح الشارع الحكيم استسلام العبد لله في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ألا أعلمك أو أدلك على كلمة من تحت العرش من كنـز الجنة: لا حول ولا قوة إلا بالله، يقول الله عز وجل أسلم عبدي واستسلم” رواه الحاكم بسند قوي.

 

والسخط بالقضاء حرام. ذكر القرافي في الذخيرة الإجماع على هذا، وهو يقصد إجماع المجتهدين ولفظه “السخط بالقضاء حرام إجماعا”، وفرق بين القضاء والمقضي فقال: “إذا ابتلي الإنسان بمرض، فتألم من المرض بمقتضى طبعه، فهذا ليس عدم رضا بالقضاء، بل عدم رضا بالمقضي، وإن قال: أي شيء عملت حتى أصابني هذا، وما ذنبي، وما كنت أستأهله، فهذا عدم رضا بالقضاء لا بالمقضي”. ويدل على تحريم السخط بالقضاء الحديث الذي رواه ابن ماجه في سننه عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط.

 

والرضا والسخط من فعل الإنسان، ولذلك يثاب على الرضا ويعاقب على السخط. أما القضاء نفسه فليس من فعل الإنسان، ولذلك فإن الإنسان لا يسأل عن حدوث القضاء؛ لأنه ليس فعله، ولكنه يسأل عن رضاه أو سخطه لأنه فعله. قال تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى}، ويكون هذا القضاء كفارة لذنوبه، ووسيلة تحط بها خطاياه، والأدلة على هذا المفهوم كثيرة منها حديث عبد الله المتفق عليه، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “… ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها”. ومنها حديث عائشة المتفق عليه قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تصيب المؤمن شوكة فما فوقها إلا قص الله بها من خطيئة”، وفي رواية “نقص”. وحديث أبي هريرة المتفق عليه وأبي سعيد المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه”. وفي الباب عن سعد ومعاوية وابن عباس وجابر وأم العلاء وأبي بكر وعبد الرحمن بن أزهر والحسن وأنس وشداد وأبي عبيدة رضي الله عنهم بأسانيد إما حسان وإما صحاح كلهم يرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن البلاء تحط به الخطايا. وحديث عائشة رضي الله عنها المتفق عليه أنه صلى الله عليه وسلم قال: “ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه بها خطيئة” وفي رواية “إلا كتب الله له بها حسنة”.

 

والثواب هنا على الرضا بالقضاء والصبر عليه، والشكر وعدم التشكي إلا لله، وقد ورد بهذا القيد أحاديث كثيرة منها ما رواه مسلم عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن”، وما رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: “إن الله عز وجل قال: يا عيسى إني باعث من بعدك أمة، إن أصابهم ما يحبون حمدوا الله، وإن أصابهم ما يكرهون احتسبوا وصبروا ولا حلم ولا علم، فقال يا رب كيف يكون هذا؟ قال: أعطيهم من حلمي وعلمي”. وما رواه الطبراني بإسناد لا بأس به عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أصيب بمصيبة بماله أو في نفسه فكتمها ولم يشكها إلى الناس، كان حقا على الله أن يغفر له”. وما رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن الله عز وجل قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة”، وما رواه البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من مسلم يشاك شوكة في الدنيا يحتسبها إلا قضى بها من خطاياه يوم القيامة”.

 

أيها المسلمون:

 

هكذا يكون الرضا بالقضاء، فهلا التزمنا بهذا الخلق كما التزم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما التزم الصحابة الكرام رضي الله عنهم ليرضى عنا كما رضي عنهم، وليعزنا كما أعزهم، ولينصرنا كما نصرهم؟ نأمل ونرجو ذلك! وما ذلك على الله بعزيز!

 

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمد أحمد النادي