Take a fresh look at your lifestyle.

تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية” الحلقة الخامسة والثلاثون

 

 

تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”
الحلقة الخامسة والثلاثون

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

أيها المسلمون:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: عنوان حلقتنا لهذا اليوم هو: “الثبات على الحق أثناء حمل الدعوة”، عن الأساليب التي استعملها كفار مكة لمقاومة الدعوة:

حامل الدعوة إما أن يكون في دار الكفر، ويعمل للتغيير وتحويل الدار إلى دار إسلام، كما هو الوضع اليوم في نهاية الربع الثاني من القرن الخامس عشر الهجري، فقد هدمت الخلافة منذ حوالي تسعين عاما، وطبقت الأرض إمرة السفهاء، وغيب الإسلام عن حياة المسلمين، وإما أن يكون حامل الدعوة في دار الإسلام، مشتغلا بالمحاسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والوضع الأول هو المقصود هنا، لأن المسلمين يعيشونه بشكل عام، وحملة الدعوة بشكل خاص، وحملة الدعوة للتغيير وضعهم أشبه بوضع المسلمين في مكة، وهم زيادة على ذلك مخاطبون بالأحكام التي نزلت بعد الهجرة، إلا أن البحث سيقتصر على ما قبل الهجرة لتشابه الوضعين، فقد كان الكفار في مكة يطلبون من المسلمين أن يكفروا ويرجعوا عن الإسلام، وأن يتركوا حمل الدعوة إلى غيرهم، وأن لا يستعلنوا بعبادتهم أمام الجماهير. وهذه المطالب فعلها الحكام الظلمة وزادوا عليها أن يتعاون حامل الدعوة إما بأن يصبح جاسوسا، وإما أن يكون عميلا فكريا، يروج الأفكار التي تخدم إمرة السفهاء، وتطيل بقاءهم وبقاء نفوذ الكفار في بلاد المسلمين، فوجد جراء هذا جيوش من الجواسيس والعملاء الفكريين والمفتين حسب الطلب. ومثل هذا المطلب الخبيث لا أعلم أن قريشا اتبعته. ولتحقيق المطالب المذكورة، استعمل كفار مكة أساليب متعددة، كالقتل، والتعذيب، والأذى والحبس، والوثاق، والمنع من الهجرة، وأخذ المال، والاستهزاء، والمحاربة في الأرزاق، والمقاطعة، وتشويه السمعة بالشائعات الكاذبة، وقد استعمل الحكام الظلمة هذه الأساليب، وزادوا عليها، وتفننوا في التعذيب، فاستعملوا المكتشفات الحديثة كالكهرباء بدل استعمالها في الثورة الصناعية. وقد كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مواقف يجب التأسي والإقتداء بها على وجهها. وهذا الإجمال يحتاج إلى شيء من التفصيل في المطالب والأساليب والمواقف التي تتخذ إزاءها، فمن الأساليب التي استعملها كفار مكة لمقاومة الدعوة:

 

أولا: الضرب: أخرج الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد على شرط مسلم ووافقه في التلخيص عن أنس رضي الله عنه قال: “لقد ضربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى غشي عليه، فقام أبو بكر رضي الله عنه، فجعل ينادي ويقول: ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟ قالوا: من هذا؟ قالوا: هذا ابن أبي قحافة المجنون”. وأخرج مسلم عن أبي ذر في قصة إسلامه قال: “… فأتيت مكة فتضعفت رجلا منهم فقلت: أين هذا الذي تدعونه الصابئ؟ فأشار إلي فقال: الصابئ. فمال علي أهل الوادي بكل مدرة وعظم حتى خررت مغشيا علي – قال – فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر”.

ثانيا: الوثاق: روى البخاري عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل في مسجد الكوفة يقول: “والله لقد رأيتني وإن عمر لموثقي على الإسلام قبل أن يسلم عمر ولو أن أحدا ارفض للذي صنعتم بعثمان لكان”. وفي رواية الحاكم “لموثقي وأمي” وقال صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

 

ثالثا: الضغط من الأم: روى ابن حبان في صحيحه عن سماك بن حرب، قال: سمعت مصعب بن سعد، يحدث، عن أبيه سعد، قال: أنزلت في أربع آيات، فذكر قصة، فقالت أم سعد: أليس قد أمر الله بالبر، والله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أموت أو تكفر، قال: فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجروا فاها فنزلت هذه الآية: {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا}. (العنكبوت 8) الآية.

رابعا: الصهر بالشمس: عن عبد الله بن مسعود، قال: “كان أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون، وألبسوهم أدراع الحديد، وصهروهم في الشمس، فما منهم من أحد إلا وقد واتاهم على ما أرادوا، إلا بلالا، فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فأخذوه فأعطوه الولدان، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة، وهو يقول: أحد أحد”. رواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في التاريخ. وابن حبان في صحيحه، وسمى السبعة وقال: “فما منهم أحد إلا وإياهم على ما أرادوا” يعني وعدهم، وقد يكون فيها تصحيف، والأصل “واتاهم” أي طاوعهم، لأن المشركين لم يكونوا ليرضوا منهم بالوعد.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمد أحمد النادي