تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”
الحلقة الثالثة والأربعون
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المسلمون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: موضوع حلقتنا لهذا اليوم هو “ثبات حاملي الدعوة من شباب حزب التحرير اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام”.
في تركيا سطر الشباب آية رائعة في الصبر على البلاء والمحن في سبيل الدعوة إلى الحق والهدى، نستعرضها لتكون حافزا لنا على دعوتنا، ولتكون ملحا في العيون التي تأبى أن ترى الحق، وتتعامى عن عطاء المخلصين! لقد قامت السلطات التركية بملاحقة أحد الشباب المسئولين في حزب التحرير، واستمرت الملاحقة أكثر من سبعة أشهر، كان يعلم طوال هذه المدة بأنه مراقب، وأنه سيعتقل قريبا، ولكنه زاد من نشاطه، وصار يواصل العمل طوال النهار، وجزءا كبيرا من الليل، رغبة منه في إنجاز أكبر قدر ممكن من أعمال الدعوة، وصار يحمس الشباب من حوله حماسا منقطع النظير، ويدعوهم إلى عدم الخوف إلا من الله سبحانه وتعالى! وحدث ما كان متوقعا، فقد انقض على هذا الشاب وهو يمشي في الشارع أكثر من خمسة عشر رجلا من رجال الأمن، فقاومهم قدر طاقته حتى تكاثروا عليه فغلبوه، وأوثقوه وعصبوا عينيه، وساقوه إلى مكتب التحقيق! وهناك تعرض لتعذيب شديد، قلما يتحمله بشر، وما ذلك إلا ليعرفوا منه أسماء الشباب الآخرين أو أية معلومات أخرى حول الحزب، لكنه رحمه الله حيا وميتا لم يقل لهم إلا ما يغيظهم، وكان كلما زادوا عليه شدة التعذيب، يزيد السخرية والاستهزاء بهم، حتى يئسوا من تعذيبه الذي كان يستمر ما يقارب الثماني عشرة ساعة في اليوم الواحد، دون أن يحصلوا منه على أية معلومة تفيدهم!
وبعد أيام من التعذيب والسجن الانفرادي جمعوه مع إخوانه في غرفة واحدة، وعلى الرغم من أن هذا المسئول كان منهكا إلا أنه التفت إلى الشباب، ودار بينهم حوار روحاني أود أن أذكر لكم مقتطفات منه: أيها الشباب: لقد قسم الله تعالى الناس في سورة الواقعة إلى ثلاثة أقسام، فقرب منه عز وجل من وصفهم “بالسابقين” ووعدهم بجنات النعيم حيث قال: {والسابقون السابقون. أولـئك المقربون. في جنات النعيم}. (الواقعة12). وذكر بأن هؤلاء عددهم قليل، حيث قال: {ثلة من الأولين. وقليل من الآخرين}. (الواقعة14).
وهؤلاء القليلون هم الصفوة من جميع بني البشر، منذ أن خلق الله آدم إلى يومنا هذا، وكان جل صحابة حبيبنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، من هؤلاء الصفوة القليلين بإذن الله، حيث لاقوا عذابا شديدا، فصبروا، ولم يبق من هؤلاء الصفوة القليلين سوى أقلهم في أيامنا هذه. فكونوا أيها الشباب من هؤلاء أقل القليلين عددا من صفوة الناس، ولا ترضوا بأقل من ذلك! والسبيل إلى ذلك إنما يكون من خلال ثباتكم اليوم هنا أمام هؤلاء الأوغاد المحققين، وغدا أمام القضاة والحكام الذين باعوا ضمائرهم إن وجدت للشيطان! ولتعلموا أن هذا اليوم هو يومكم كي تفوزوا بهذا المقام عند الله! ألا ترون أن الله أكرمكم بأن وهبكم فرصة الانضمام لفئة السابقين؟! لينظر كل واحد منا إلى حياته التي يعيشها، هل تمر عليه فرصة مثل هذه الفرصة التي نعيشها الآن؟!
صبر على الأذى قليل، وبعده أجر عند الله عظيم! والله يا شباب، لنكونن من هؤلاء الصفوة الأخيار “السابقين” الذين وصفهم الله في سورة الواقعة، إن نحن ثبتنا على مبدئنا! والله يا إخوتي، إنني أحس بأن الله يحبنا فابتلانا، وأنه يريد أن يصطفي إليه الصابرين منا والثابتين على الحق!
أيها الشباب: اعرفوا قيمة الحزب الذي تعملون معه، فانظروا إلى الدنيا بأسرها، إنكم سوف تجدون أن الكفار قد طغى عليهم المبدأ الرأسمالي بكل وحشيته، والظلم قد استشرى في الأرض، نتيجة تطبيق هذا المبدأ العفن! والمسلمون منقسمون إلى فئتين:
فئة كبيرة منهم لا يعملون في الدعوة إلى الإسلام، وإن جلهم لا يدركون أن الديمقراطية والرأسمالية العفنتين هما سبب شقاء الناس، بل إن منهم من يدافعون عن الرأسمالية والديمقراطية على أنهما من الإسلام!
وفئة أخرى وهم القليلون نسبيا يعملون في حقل الدعوة إلى الإسلام، ثم انظروا إلى حزبكم هذا بين هؤلاء العاملين، واحمدوا ربكم أنكم تمتلكون التصور الأوضح لحقيقة الإسلام، ولواقع الدولة الإسلامية، بل لواقع الطريقة الصحيحة لكيفية حمل الدعوة! أليس هذا وحده نعمة من الله منها علينا؟ فلا تجحدوا هذه النعمة، ولا تهنوا أمام هؤلاء الأوغاد، بل حاولوا أن تجعلوهم يحترمونكم، ويحترمون حزبكم! ولأجل هذا ما عليكم سوى التمسك بكونكم أعضاء في هذا الحزب العظيم، وأن تدعوهم هم أنفسهم للعمل مع هذا الحزب، أي اغلبوهم وانتصروا عليهم، ولا تدعوهم ينالون من دينكم أو من حزبكم، فأنتم قليلون، وصفوة الله قليلون!
أيها الشباب: لا أبالغ إن قلت بأنه قد يكون قليلا علينا إن نحن ضحينا بأرواحنا التي بين جوانبنا في سبيل هذه الدعوة، وفي سبيل أن نكون من الصفوة الأخيار، الذين رضي الله عنهم، فنحن الآن لا نملك ما نضحي به سوى هذه الروح، فغيظوا هؤلاء الظالمين، يرحمكم الله!
وقد يتراءى لكم أن عدد الكفار كبير، وأن هؤلاء الزبانية وهم أعوان الظالمين أقوى منكم، ولكن لا تنسوا أبدا أننا نملك عقيدة هي وحدها العقيدة الصحيحة في الكون!
بموجب هذا فإننا نؤمن بأن لنا ربا ناظرا إلينا الآن، في كل آن، ونحن نعتقد بأنه هو القادر على كل شيء، ونعتقد بشكل جازم أنه هو الذي اختار لنا هذا الطريق، وبعلمه وبرضاه سبحانه دخلنا هذا المكان! أفلا ترضون ما رضيه واختاره لكم ربكم؟! فنحن نملك عقيدة قوية مبنية على الإيمان بالله، والله أقوى منهم جميعا! وهو الذي يعلم حالنا فنحن بهذا الإيمان أقوى منهم جميعا! وإلا فما هي قيمة الحياة لولا هذا الإيمان؟! فاثبتوا يرحمكم الله!
أجل أيها المسلمون هكذا كان موقف حاملي الدعوة من شباب حزب التحرير، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام! لم يكتفوا بالثبات على الحق أثناء حمل الدعوة، بل يطمحون إلى أن يكونوا ثابتين أيضا أمام الكفار في ساحات القتال، وفي ميادين الجهاد في سبيل الله! وقد صدق فيهم قول الشاعر:
قف دون رأيك في الحياة مجاهدا إنما الحيـاة عقيـدة وجهـاد
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد أحمد النادي