“أيتها القسطنطينية: إما أن تأخذيني أو آخذك“ فأخذها
لا يخلو بيت من بيوت المسلمين من أفلام الأطفال التي تنقل المواقف التاريخية العظيمة لحكام المسلمين، حيث يتوق الوالدان إلى تربية قادة يكبرون ليحكموا بقوة وعزة وليستشعروا ولو جزءاً صغيراً من تاريخ أمتهم المشرق، الذي طمسته المناهج التعليمية وشوّهه الإعلام الفاسد وغُيب تغييباً مقصوداً حتى لا تقوم للإسلام قائمة مرة أخرى. فالأمة الإسلامية تنهض عندما يكون الإسلام مطبقاً تطبيقاً سياسياً عملياً في الدولة وفي الحكم حتى يكون منهاجاً متكاملاً ويؤثر تأثيراً ملموساً يظهر في معترك الحياة ولا يظل حبيس فكرة فصل الدين عن الحياة وعن السياسة.
ولعل من أكثر هذه الأفلام تأثيراً على عقول ونفوس الكبار قبل الصغار قصة السلطان محمد الفاتح رحمه الله الذي تحققت على يديه الكريمتين بشرى رسول الله e بفتح القسطنطينية في العشرين من جمادى الأولى 857هـ – 1453م، والذي كان نقطة فارقة في تاريخ العالم وتاريخ الخلافة وتاريخ جيوش المسلمين وتاريخ حمل الدعوة ونشرها بالجهاد، وفي تاريخ الحكم بالإسلام وعدله على مستوى البشرية التي كانت على موعد آخر مع الحضارة الإسلامية والارتقاء بالناس والخروج بهم من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام حيث فُتحت بفتح القسطنطينية أبواب أوروبا لاستقبال رسالة الإسلام الخالدة. فهذه القصة هي قصة حقيقية وليست مجرد تاريخ انتهى وولى، بل هذه الحقبة التاريخية المشرقة هي مرحلة من مراحل الحكم عبر العصور، وإن كان حاضر المسلمين اليوم واقعاً فاسداً إلا أن مستقبلهم واعد، حيث إن دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة ستعود مرة أخرى، وهذه بشرى أخرى لرسول الله e ستُحقق أيضاً، فمن الذي سينال شرف تحقيقها كما ناله من قبل السلطان محمد الفاتح رحمه الله؟
عن عَبْد اللَّهِ بْن بِشْرٍ الْخَثْعَمِيّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ e يَقُولُ: «لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ فَلَنِعْمَ الْأَمِيرُ أَمِيرُهَا وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ» رواه أحمد. وروى الإمام أحمد عن النعمان بن البشير رضي الله عنه «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً عَاضاً، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ الله أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيّاً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، ثمَّ سَكَتَ» رواه أحمد.
وقد فرح المؤمنون بالانتصارت وانتظروها وتابعوها لمئات السنين، حتى إنهم انتظروا فتح القسطنطينية 800 سنة، وبايعوا حكامهم عليها وصلوا شكراً لله حكاماً ورعايا عند تحقيق الفتوحات وتوسيع حدود الدولة، بل كانت الفتوحات الإسلامية مواقف عزة وقوة وصناعة أحداث متكررة تتوالى وبشارات تتحقق لتصنع التاريخ وتملأ المسلم فخراً بتاريخ أجداده المجاهدين والخلفاء العِظام يوم أن كانت للمسلمين دولة تحميهم وترعاهم وتعالج مشاكلهم على أساس العقيدة الإسلامية وترتقي بهم بتطبيق نظام الإسلام بقوة وعزة بأيادي خلفاء يسيرون على درب رسول الله عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام رضوان الله عليهم، لا يخافون في الله لومة لائم؛
فأين للمسلمين اليوم مثل هؤلاء الحُكام؟!
أين خليفة المسلمين الذي يطبق الإسلام في دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة؟!
أين من سيفتح روما فيأخذ ثناء رسول الله e كما أخذه محمد الفاتح حين أخذ القسطنطينية؟!
إلى كل بيوت العالم: عن تميم الدَّاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله e: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزّاً يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ وَذُلّاً يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْر» رواه أحمد. وعن أبي قَبِيلٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي وَسُئِلَ أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلاً الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ؟ فَدَعَا عَبْدُ اللَّهِ بِصُنْدُوقٍ لَهُ حَلَقٌ، قَالَ: فَأَخْرَجَ مِنْهُ كِتَاباً، قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ e نَكْتُبُ إِذْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ e أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلاً قُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ e: «مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلاً – يَعْنِي قُسْطَنْطِينِيَّة» رواه أحمد.
وأين من يردّ ردوداً مزلزلة على الكفار بدلاً من الجعجعات الإعلامية الفارغة والمسرحيات السياسية الهزلية؟!
من أقوال السلطان محمد الفاتح لرسول البيزنطيين: “قولوا لإمبراطوركم إن سلطان الدولة العثمانية الحالي لا يشبه السابقين، فالحدود التي وصلتها إمبراطوريتنا لن تصلها حتى أحلامكم”. وقوله “عما قريب بإذن الله، سيكون لي في القسطنطينية عرش أو يكون لي فيها قبر”. هذا رد السلطان محمد الفاتح رحمه الله على أعداء الإسلام سياسيي أوروبا الذين هددوه إن لم يرفع الحصار عن القسطنطينية فسيهدمون دولته ويستولون عليها، ولكنه لم يتراجع وكان له العرش وسجد هو والمسلمون حول العالم وقتذاك سجدة شكر لله على النصر والفتح، وأول ما فعله كان أن حول كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد، واليوم تُهدم المساجد والحكام نائمون بل هم من يتآمرون مع الكفار على المسلمين.
لقد توقف السعي لتحقيق بشارات رسول الله عليه الصلاة والسلام بهدم دولة الخلافة وستعود بإعادة الدولة وتنصيب حاكم؛ شخصيته شخصية إسلامية يطبق نظام الإسلام منهاجاً للحياة، فالأمة الإسلامية لم تعرف مواقف عزة وفخر وقوة مثل فتح القسطنطينية.
منذ أن هدمت دولتهم التي طبق حُكامها الإسلام وحكموا بين العباد بما أنزل الله تعالى وبذلوا الجهود العظيمة التراكمية في إعلاء كلمة الله تعالى، بعد أن احتل الغرب الكافر المستعمر دولتهم وقسمها إلى دويلات هزيلة ونهب ثرواتها وقتل أهلها، أصبحت الأمة الإسلامية في ذيل الأمم بعد أن حكمها عملاء الكفار، حُكام اليوم في جميع بلاد المسلمين حُكام أشباه رجال، طواغيت، نواطير للغرب، مرتزِقة، مأجورون، فهم مجرد أدوات وأبواق لعصابات الكفر الذين ينشرون الفسق والانحلال وينشرون ثقافتهم ثقافة الضلال والخراب والدمار بسبب الأفكار العلمانية القذرة.. ولا نحلم حتى أن يصلوا لإدراك أقل القليل من معاني الحكم الراشد والعدل والكرامة والقدوة والقيادة والريادة والفخر وعن كيف يصنع النظام الحاكم التغيير الحقيقي العالمي على مستوى البشرية، وعن كيف يجب أن تكون شخصية الحاكم الفذّ الذي ينصر الله تعالى فيُنصر الإسلام على يديه بعمله الدؤوب ليصنع التاريخ ويكتبه ويدير دفة الأحداث بتحريك جيوش المسلمين وتوظيفها توظيفاً صحيحاً لإعلاء كلمة الله في الأرض بدلاً من قتل المسلمين بعضهم بعضا واحتلال أراضيهم وتدنيس مقدساتهم!
فعلى المسلمين العمل الجاد لإسقاط الطواغيت وإقامة الخلافة الراشدة وتنصيب خليفة يحكمهم بالإسلام تحقيقاً لوعد الله تعالى وتحقيقاً لبشريات رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام وسيأخذ المسلمون فتحاً عظيما آخر ولمثل ذلك فليعمل العاملون. قال تعالى: ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: 129]
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
غادة محمد حمدي – ولاية السودان
#فتح_القسطنطينية
#القسطنطينية
2020_01_10_Art_O_Constantinople_either_you_take_me_or_I_take_you_then_took_it_AR_OK.pdf