شتان بين العُقاب والخفّاش!
الخبر:
أعلنت سلطنة عمان، فجر السبت، وفاة السلطان قابوس بن سعيد عن 79 عاما، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية للبلاد.
وقابوس بن سعيد، من مواليد 18 تشرين ثان/نوفمبر 1940، وهو صاحب أطول فترة حكم بين الحكام العرب الحاليين إذ يتربع منذ نحو 49 عاما عليه بعد تسلمه مقاليد العرش في 23 تموز/يوليو 1970. ويعد ثامن سلاطين أسرة البوسعيد، وينحدر نسبه من أحمد بن سعيد، المؤسس الأول لسلطنة عمان.
وعلى خلاف نظرائه من حكام منطقة الخليج العربي، فإن السلطان قابوس لم يسمِّ وريثاً للعرش، وليس له أبناء ولا أشقاء. (الأناضول)
التعليق:
حين سماعي لنبأ وفاة السلطان قابوس تداعى لذاكرتي السلطان محمد الفاتح الذي تمر ذكرى فتحه للقسطنطينية هذه الأيام، فرحت أتأمل في اللقب الذي جمع الاثنين – لقب سلطان – رغم ما بين هذين الشخصين من تناقض تام.
فالسلطان محمد الفاتح خلده التاريخ لبطولته وحنكته وعلمه وإيمانه، كان رجلا وأي رجل؛ نشأ على محبة الله ورسوله، وعاش في خدمة أمته ودينه، فتح أعظم حصن في عصره، القسطنطينية عاصمة الروم ومركز الديانة الأرثوذوكسية. فتحٌ اهتزت له عواصم أوروبا وبه سقطت هيبة الروم وقضي على دولتهم، فهابه الأعداء وغبطه الأحباء على هذا الشرف العظيم. نعم، ألم يفز بمدح رسول الله e حين قال: «لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ، وَلَنِعْمَ الْأَمِيرُ أَمِيرُهَا، وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ»؟ هذا الشرف الرفيع الذي سعى وراءه خلفاء وقادة، وما نالوه رغم بذلهم كل ما يستطيعون لعلهم يحصلونه، فحصله ذلك السلطان الشاب ذو الواحد والعشرين عاما. رحم الله السلطان محمد بن مراد وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، فقد سطر للأجيال قدوة تثير الهمم وتبعث على التفاؤل وتحدي المحال، فلا زال المسلمون يملؤهم الأمل والطموح للنهوض، كلما جاء ذكر هذ السلطان وإنجازه العظيم: فتح القسطنطينية معقل النصرانية الأرثوذوكسية.
وماذا عن السلطان قابوس، الذي ما مكنه في حكمه إلا الإنجليز والذي عاش حياة التبعية والاعتزال؟ عاش أعزب مخالفا لسنة النبي e! لكن مهلا، فكيف نلومه على مخالفة السنة وقد خالف الفرض قبل السنة، ألم يحكم بغير ما أنزل الله، فكيف سيذكره التاريخ إذن؟
سيذكر التاريخ أنه كان رجل إصلاح… رجل إصلاح؟! وهل التوسط للإصلاح بين أمريكا عدوة الإسلام والحكام الفرس في إيران يعد إصلاحا أم يعد خيانة لدين الله؟ توسط للإصلاح بين دويلات الضرار السعودية وقطر، فهل كان توسطه بينهما لحثهما على الوحدة لأن الإسلام نهى عن الفرقة؟ أم لعله حثهما على الصلح لأن الأمة الإسلامية اليوم في أحوج ما تكون إلى وحدة الصف بدل التشرذم الذي يتيح للأعداد افتراسها على غفلة منها؟ للأسف ليس لأي من هذه الأسباب كان الإصلاح بل كانت وساطته للحفاظ على بقاء هذه الكيانات الهزيلة وإتاحة المجال لدول الكفر أن تواصل مخططاتها لبقاء هيمنتها على بلادنا وسرقة خيراتنا. ثم كانت آخر أعماله من النذالة والوقاحة ما يعجز اللسان عن وصفه؛ عملاً تحدى فيه مشاعر الأمة وتنكر لدينها ومقدساتها، كيف لا وقد فاجأ العالم منذ حوالي العام باستقبال رئيس وزراء كيان يهود المغتصب لأرض الإسراء والمعراج في بلاده، وتوسط للمصالحة بينه وبين كرزاي فلسطين؟ قد يقال إنه ليس أول من استقبله. فأقول نعم ليس الأول لكن أولئك الذين سبقوه كانوا قد مردوا على الخيانة وجاهروا بها، أما هو فلم تكن لبلاده علاقات مع الكيان، أو لنقل لم تكن له علاقات معلنة مع كيان يهود. لكن يبدو أنه رغم عزلته كان يعمل في الخفاء كما خفافيش الليل. لأجل ذلك فليس مهما أن نسأل وهل نجحت وساطاته تلك أم فشلت؟ فهذا لا يهم التاريخ في شيء ما دامت الأعمال موبقة وغاياتها خبيثة.
وعُدتُ أقول هذا ملقب بلقب سلطان وذاك ملقب بلقب سلطان، لكن أين الثرى من الثريا؟ فشتان بين العُقاب والخفّاش!
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أسماء الجعبة