تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”
الحلقة الحادية والخمسون
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المسلمون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: موضوع حلقتنا لهذا اليوم هو “ثبات حاملي الدعوة من شباب حزب التحرير اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام”. في ولاية الأردن ضرب حاملو الدعوة من شباب حزب التحرير أروع الأمثلة في الثبات أمام السلطات الأمنية وأجهزة المخابرات العامة الذين أذاقوا الشباب أشد صنوف العذاب.
كثيرة هي مواقف الثبات على الحق، أثناء حمل الدعوة التي وقفها الشباب، لا يتسع المجال لذكرها جميعا، وقد ذكرنا ثلاثة منها مع ذكر أسماء أصحابها، وذكرنا واحدا آخر دون ذكر اسم صاحبه، وأما الموقف الخامس فهو موقف وقفه أحد الشباب الذين بعث بهم الأمير لتأسيس نواة للحزب في اليمن.
وصل هذا الشاب إلى العاصمة صنعاء، وصار يبحث عبر وسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمرئية والمسموعة، ومن بينها الصحافة اليومية يبحث فيها عن أسماء شيوخ العشائر وعن الكتاب والمفكرين المشهورين، والأشخاص المؤثرين في الوسط السياسي فيتعرف إليهم، ويتصل بهم ليناقشهم بأفكار الإسلام، ويعرض عليهم فكرة حمل الدعوة وإقامة الدولة، وتبليغ رسالة الإسلام للناس كافة، وليقنعهم بضرورة تبني المشروع الحضاري الإسلامي، الكامل والشامل، الذي تسعد البشرية جمعاء بتطبيقه في جميع مجالات الحياة السياسية منها والاجتماعية، والاقتصادية، ونظام الحكم، ونظام القضاء، وسياسة التعليم، والسياسة الحربية، وباقي أنظمة الإسلام. وينجح هذا الشاب بفضل الله وتوفيقه ورعايته في تحقيق الغاية التي أرسل من أجلها مثلما نجح أول سفراء الإسلام مصعب بن عمير رضي الله عنه نجاحا منقطع النظير، هو له أهل وبه جدير. فاستطاع أن يقنع بعض شيوخ العشائر الذين لهم تأثير كبير عند أصحاب القرار من كبار رجال الدولة.
وتدور عجلة الأيام ويعتقل صاحبنا، الشاب المؤسس للحزب في اليمن، من قبل رجال الأمن اليمنيين، ويبدأ التحقيق معه، فيسأله المحقق عن اسمه وعن بياناته الشخصية، فيجيب عن تلك الأسئلة، ثم يسأله عن الأشخاص الذين تم اتصاله بهم وعن جميع النشاطات الحزبية التي قام بها، فيمتنع عن الإجابة، ويبقى هذا الشاب رهن الاعتقال حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
ويأتي الشيخ الذي اقتنع بالفكرة الإسلامية التي تدعو إلى تبني المشروع الحضاري الإسلامي، الكامل والشامل، الذي تسعد البشرية جمعاء بتطبيقه في جميع مجالات الحياة، ويدخل على المسئولين في وزارة الداخلية ويسألهم عن سبب اعتقال هذا الشاب، ويبذل جهودا كبيرة يستطيع بها الوصول إلى المحقق الذي يحقق مع هذا الشاب، ويسأله عن سبب بقاء الشاب رهن الاعتقال، فيجيبه المحقق: هذا الذي تسأل عنه أخطر من صاروخ سكود!
– الشيخ: – مستفسرا- أخطر من صاروخ سكود؟! لماذا؟
– المحقق: لأنه عضو من أعضاء حزب التحرير.
– الشيخ: – متظاهرا بعدم معرفة حزب التحرير- وما حزب التحرير؟
– المحقق: هذا الحزب يدعو لإقامة دولة الخلافة.
– الشيخ: الخلافة؟ تعني خلافة أبي بكر، وعمر؟
– المحقق: نعم.
– الشيخ: لقد قلتم لنا سنطبق الاشتراكية الشيوعية فوافقنا! ويأتي الآن من يقول لنا: سنطبق الخلافة، خلافة أبي بكر وعمر، التي تحكمنا بشرع ربنا المنزل من عنده الذي {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ? تنزيل من حكيم حميد}. (فصلت42) ثم نقول له: “لا”؟ فهل تظنوننا سنمانع أو نعارض؟ وهل مثل هذا الرجل يبقى رهن الاعتقال؟ والله هذا لا يكون، ولن يكون!
وقبل أن ينهي الشيخ حواره مع المحقق اليمني، كانت السلطات الأمنية اليمنية قد أجرت اتصالات مع السلطات الأمنية الأردنية للتنسيق فيما بينهما، فحضر إلى اليمن ضابطان من ضباط المخابرات الأردنيين لاعتقال هذا الشاب، وتم اقتياد هذا الشاب مقيد اليدين إلى مبنى مطار صنعاء الدولي، من أجل تسفيره وترحيله إلى عمان، ومن ثم إلى مبنى دائرة المخابرات العامة، ويسأل الشاب أحد معـتقليه: هل سأبقى مقيد اليدين، وأنا مسافر بالطائرة؟ فيجيبه أن نعم! فيقول الشاب متعجبا: هل تخشون أن أهرب أو أفر من الطائرة حتى وهي في السماء!
أجل أيها المسلمون هكذا كان موقف حاملي الدعوة من شباب حزب التحرير، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام! لم يكتفوا بالثبات على الحق أثناء حمل الدعوة، بل يطمحون إلى أن يكونوا ثابتين أيضا أمام الكفار في ساحات القتال، وفي ميادين الجهاد في سبيل الله! وقد صدق فيهم قول الشاعر:
قف دون رأيك في الحياة مجاهدا إنما الحيـاة عقيـدة وجهـاد
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد أحمد النادي