تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”
الحلقة الثانية والخمسون
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المسلمون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق:
موضوع حلقتنا لهذا اليوم هو “ثبات حاملي الدعوة من شباب حزب التحرير اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام”. في ولاية الأردن ضرب حاملو الدعوة من شباب حزب التحرير أروع الأمثلة في الثبات أمام السلطات الأمنية وأجهزة المخابرات العامة الذين أذاقوا الشباب أشد صنوف العذاب. كثيرة هي مواقف الثبات على الحق، أثناء حمل الدعوة التي وقفها الشباب، لا يتسع المجال لذكرها جميعا، وقد ذكرنا ثلاثة منها مع ذكر أسماء أصحابها، وذكرنا اثنين آخرين دون ذكر اسمي صاحبيهما، وأما الموقف السادس والأخير فهو موقف وقفه أحد الشباب من كبار المسئولين ومن قياديي حزب التحرير في ولاية الأردن، والذين استغرق البحث عنه من قبل السلطات الأمنية وأجهزة المخابرات العامة زمنا طويلا، ما يقارب السنوات العشر. هذا الشاب التقي النقي، الحريص على حمل الدعوة وتبليغها ونشرها للناس كافة، يحمله سافرا متحديا جهارا نهارا لا يخشى في الله لومة لائم، يغشى الناس كل الناس، على اختلاف أعمالهم ومستويات ثقافاتهم، يناقشهم بأفكار الإسلام، ويرفع من معنوياتهم، ويبث الأمل في نفوسهم، يبشرهم بعودة الخلافة على منهاج النبوة!
ولما أن عبثت أصابع المخابرات العامة بالحزب تريد شرخ صفه، وزعزعة الثقة بقيادته، بقي هذا الشاب ثابتا على الحق، راسخا شامخا كالطود الأشم، لا تهزه الريح، ولا تعبث به الأهواء، صادعا بقول الحق، يطوف على الشباب يثبتهم، ويعيد لهم الثقة بأفكار الحزب وقيادته قائلا لهم: “هذه يا إخوتي الهزة التي تسبق العزة” يريد الله أن يصطفي ويختار منكم الثلة المؤمنة التي تستحق نصره وتأييده لينزله عليها. ألم تقرءوا قول الله جل في علاه: {ليميز الله الخبيث من الطـيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم ? أولـئك هم الخاسرون}. (الأنفال)
وتدور عجلة الأيام، بل السنين، ويعتقل صاحبنا، وعندما أمسكوا به أحسوا بنشوة الانتصار وفرحوا بذلك فرحا كبيرا، وسرعان ما بدأ التحقيق معه، وسألوه فيما سألوه عن قيادة الحزب، وطلبوا منه استنكاره، فكان رده عليهم ردا عنيفا، فعذبوه تعذيبا شديدا وأشرف على تعذيبه الضابط الشيشاني “عامر صالح جلوقة” لدرجة أن المحقق “عماد المدادحة” ثار ثورة عارمة، واستشاط غضبا، وأفرغ حقده وجام غضبه، في تعذيب صاحبنا تعذيبا تعجز الجبال الراسيات عن تحمله، لدرجة أن “عماد المدادحة” ألقاه على الأرض، وصعد على ظهره، وأخذ يدوس عليه بقدميه، ويقول: لقد سحقنا حزب التحرير. فيرد الشاب عليه ردا جعله يكاد يتميز من الغيظ: فماذا كان رده يا ترى؟ الشاب: تقول إنك سحقت حزب التحرير! وهل تظن أنني وحدي أمثل حزب التحرير، أنت لا تدري؛ لأنك تمضي جل وقتك وراء مكتبك لا تغادره، اسألني أنا فأنا أكثر منك معرفة بالأمة؛ لأنني أعيش معها عيشا طبيعيا، الأمة كلها في خارج هذا المبنى الذي يبدو عظيما في نظرك، والذي لا يعدو في نظري حجم علبة الكبريت، فانظر إلى حجمك فيها كم يكون! قال له المحقق ذات مرة: عد إلى بيتك، واحضر إلينا في يوم آخر، فقال الشاب: إنني إذا خرجت من عندك، فلن أعود إلا بإحدى حالتين الأولى: أن يحضرني جنودك رغما عني وأنا مقيد اليدين. والثانية: أن أحضر مع جند دولة الخلافة لأهدم هذا المبنى على رأسك، ورؤوس من معك!
حضر رجال المخابرات مرة من أجل تفتيش بيت هذا الشاب بحثا عن منشورات الحزب من كتب ونشرات ومجلات وغيرها، ولاحظ الضابط المسئول وجود مشكاة مرتفعة في ناحية من نواحي البيت، فأوعز لضابط آخر أقل منه رتبة وقال له: اصعد إلى تلك المشكاة، وأحضر ما فيها، فقالت زوجة هذا الشاب – ساخرة – اصعد وأحضر الأسلحة والمتفجرات، فقال الضابط المسئول: ليتها تكون أسلحة ومتفجرات، إذا فالأمر هين يا خالة، لأننا حينئذ سنأتي بأسلحة أقوى منها، لكن هذا فكر قوي فمن أين نأتي بفكر أقوى منه! ولله در الشاعر حيث قال:
وشمائل شهـد العدو بفضلها والفضل ما شهدت به الأعداء
أجل أيها المسلمون هكذا كان موقف حاملي الدعوة من شباب حزب التحرير، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام! لم يكتفوا بالثبات على الحق أثناء حمل الدعوة، بل يطمحون إلى أن يكونوا ثابتين أيضا أمام الكفار في ساحات القتال، وفي ميادين الجهاد في سبيل الله! وقد صدق فيهم قول الشاعر:
قف دون رأيك في الحياة مجاهدا إنما الحيـاة عقيـدة وجهـاد
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد أحمد النادي