وإن طال الزمان فستتحقق بشارات رسول الله جميعاً
شكل فتح القسطنطینیة على ید السلطان محمد بن مراد الثاني نهایة المحاولات الإسلامیة التي بدأت منذ عهد الأمویین، واستمرت في الخلافة العباسیة، حتى نجح السلطان محمد الفاتح، كما أطلق علیه بعد فتحه مدینة القسطنطینیة.
إن التاریخ لا یكذب، ووقائع الحق تنجلي وتظهر ولو طال بها الزمان، وصحائف الكاذبین السود ودسائسهم لتحریف الحق تحرقها شمس الحق مهما حجبتها غیوم الباطل.
الیوم في المحنة التي تمر بها الأمة الإسلامیة بنكبتها الكبرى المتمثلة بغیاب الخلافة، النظام الإسلامي الوحید الذي یمثل المسلمین باعتبارهم أمة ویرعى شؤونهم ویحفظ دینهم، في هذه المحنة قد تمر علینا لحظات ضعف نستطیل معها الطریق، وتخضع نفوسنا لما تبثه الصحائف السود من تثبیط للهمم وإیهام للأمة بضعفها وتخلي الله عنها.
لكن الذي یقرأ التاریخ بنور القرآن یدرك كذب هؤلاء المثبطین، ویلمس معیّة الله لأمته وعدم تخلیه عنها… الذي یقرأ التاریخ جیداً یعرف أن المحن تطول وتطول حتى إذا شارفت النفوس على الهلاك من صبرها جاء الفرج مؤذناً بانبلاج الصبح بعد ظلمات اللیل.
نحن وإن طال بنا بلاء الذل وغیاب الخلافة زهاء قرن من الزمان، فإننا نزداد ثقة بحتمیة عودتها حین نرى كل هذه الهجمات الشرسة التي یشنها الغرب على أمتنا، إننا نثق بأننا أمة حیة حین نبصر كیدهم، لأن المیت لا خوف منه، بینما هم في كل ثانیة یزداد رعبهم لدرجة تجعلهم یتوحشون في محاربة أي شيء له صلة بالإسلام.
إن طالت بنا المحنة فإننا حین نقرأ تاریخ فتح القدس في عهد الفاروق، ثم تحریرها على ید صلاح الدین الأيوبي بعد أن احتلها الصليبيون عشرات السنين لندرك أن تحریرها مرة أخرى كائن لا محالة وهو إن شاء الله أقرب من طرف أعین الیائسین الظانین بالله ظن السوء.
إن محاولات فتح القسطنطینیة التي استمرت قروناً طویلة، تزرع فینا الأمل، الأمل الذي لا یولد من العدم ولا یُستحدث من فراغ بل هو نتیجة حتمیة لمفهوم الثقة بالله والإیمان به. أمل بأن رسول الله الذي بشرنا بفتح القسطنطینیة عاصمة النصارى الشرقیة، وتم فتحها، قد بشرنا بفتح أختها روما عاصمة النصارى الغربیة وسنفتحها بإذن الله.
إن النصر صبر ساعة، وإن المستیقنین بنصر الله یدركون أن طول البلاء یعني قرب النصر، وأن شدة المحنة تبشر بقرب زوالها، كالحبل كلما اشتدت عُقَدُه بلیت خیوطه وانقطع، ویوقنون أن أصعب الساعات هي آخر ساعات البلاء، فلا تؤثر فیهم مكائد العدو ولا تضعضع عزائمَهم شدةُ الضربات لیقینهم أن صبرهم هو الذي یرفع درجاتهم ویوهن كید عدوهم.
لو یئست الأمة الإسلامیة حین احتل الصلیبیون بیت المقدس وحولوا المسجد الأقصى إلى إسطبل لخیولهم، هل تراه كان سیخرج صلاح الدین بعد خمسمائة عام لیحرره؟
لو استطال المسلمون الطریق بعد محاولاتهم العدیدة التي باءت بالفشل لفتح القسطنطینیة، هل كان سیخرج محمد الفاتح لیحقق بشارة رسول الله e؟
كلا بل هو إیمان الأمة التي تضع بشارات رسول الله نصب أعینها تنیر الطریق، وترسم الأمل بالنصر والسنا والرفعة والتمكین.
الإیمان الذي جعل أبا أیوب الأنصاري یستشهد على أسوار القسطنطینیة، وجعل شمس الدین آق یزرع في السلطان محمد منذ نعومة أظفاره هدف فتح المدینة التي استعصت على المسلمین قروناً، وهو الإیمان ذاته التي دفع أمه لتزیح عنها مشاغل الدنیا ومفاتنها وتحمله فجر كل یوم لیشاهد الأسوار التي ستتحطم على یدیه يوماً فما بلغ الواحدة والعشرین إلا وقد حطمها.
هو الإیمان الذي جعل صلاح الدین یوحد مصر والشام ویلم شعث الأمة بعد تناحرها لتجتمع على الغایة العظمى بتحریر قبلتها الأولى، وهو الذي جعل العز بن عبد السلام یصدح بضرورة حرب المغول رغم كل الناعقین في عصره من ضرورة مهادنتهم والخوف منهم، فخرج للأمة قطز وبیبرس لینهيا أكبر قوة في ذاك العصر.
وهو الإیمان ذاته الذي یدفع حملة الدعوة في حزب التحریر والمخلصين من الأمة معهم للعمل والسعي بشكل دؤوب لا یعرف الوهن ولا تلین من الكید قناتهم، لاستئناف الحیاة الإسلامیة بإقامة الخلافة الثانیة التي بشر بها رسول الله محمد e، لتحرر المسجد الأقصى ثانیة وتحقق بشرى رسول الله بفتح روما أخت القسطنطینیة.
وبإذن الله ستنجلي الظلمات من فوق بعضها، وستبصر الأمة شمس الخلافة عمّا قریب ویظهر للبشریة نور الإسلام الحق في ظل دولته وتستظل به البشریة جمعاء. ﴿فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾.
فنسأل الله أن یثبتنا، ویقر أعیننا بتحقق البشارات الثلاث: إقامة الخلافة وتحریر بیت المقدس وفتح روما. إنه خیر من سئل وأكرم من أجاب.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
بیان جمال
#فتح_القسطنطينية
#القسطنطينية
2020_01_20_Art_The_glad_tidings_of_the_Messenger_of_Allah_will_all_be_fulfilled_AR_OK.pdf