أنظمة تحاكي المثل القائل: (الغريق يتمسك بقشة)
بحث رئيس الوزراء (الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو الاثنين مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان (تطبيع) العلاقات بين البلدين خلال لقاء في عنتيبي. من جهتها، قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن بومبيو تحدث أيضا إلى برهان هاتفيا و”شكر” له “قيادته في تطبيع العلاقات مع (إسرائيل)” (فرانس 24، 4 شباط/فبراير 2020م).
طالب كيان يهود ضمن معاهدة كامب ديفيد بتطبيع العلاقات بينه وبين مصر، أي جعلها علاقات طبيعية عادية، مثل تلك التي تنشأ بين أي بلدين لكن هذه العلاقة لم تنشأ، وذلك بشهادة إلياهو بن إليسار أول سفير لكيان يهود في مصر حيث قال: (عليكم أن تأخذوا بعين الاعتبار أن ثمة رجلاً واحداً في مصر هو معنا – أي رئيس الجمهورية – أما الآخرون فهم ضدنا حتى هؤلاء الجنود الذين يتولون حراسة السفارة قد يستخدمون بنادقهم ضدنا في أي وقت من الأوقات، نحن هنا إذن فريق كوماندوز داخل محيط معادٍ تماماً، علينا أن نتصرف على هذا الأساس)، وقال بن إليسار في مذكراته: إنه خرج بثلاثة أصدقاء فقط، من بينهم سائق سيارته.
إن التطبيع يجب أن يتم بين دول طبيعية، وهو الأمر الذي لا يتوفر في كيان يهود لأنه ليس دولة طبيعية أقامها شعب على أرضه التي يملكها، بل هو كيان استيطاني قائم على أرض اغتصبها يهود شذاذ الآفاق اغتصابا، قتّل أهلها وهجرهم من بلادهم وديارهم وهضم حقوقهم.
إن حقيقة كيان يهود هي أنه كيان غاصب لفلسطين وللمسجد الأقصى أولى قبلتي المسلمين وثالث الحرمين الشريفين، وجرائمه بحق الأرض المباركة وأهلها لم تتوقف يوماً منذ اغتصابه لها، فجرائمه تضج بها الأرض المباركة صباح مساء، في المسجد الأقصى، وفي قطاع غزة، وفي الضفة الغربية وحواجزه التي مزقتها إربا، قتل واعتقالات وهدم للبيوت ما يجعلها دولة محاربة فعلا ومعادية للإسلام والمسلمين، وبالتالي فالشرع يقضي أن تبقى علاقات المسلمين معها غير طبيعية، بل علاقة حرب حقيقية دائمة حتى القضاء على هذا الكيان المسخ واستئصاله من جذوره.
لكن هذه الحقائق تقض مضجع كيان يهود ومن ورائه الغرب الكافر المستعمر وفي مقدمته أمريكا؛ لذلك وضع استراتيجية ترويض خاصة وذلك بصناعة عدو آخر، وما هذه الحروب المصطنعة بين أبناء الأمة الإسلامية الواحدة إلا تنفيذ لهذا المخطط الخبيث الذي يصنع الكراهية والطائفية البغيضة بين (السنة والشيعة)، بل داخل (السنة) بين السلفية والصوفية والإخوان…إلخ. بل يدخل ضمن ثقافة الترويض والكراهية الداخلية ما تفعله بعض الأنظمة الديكتاتورية من القتل والتعذيب والإهانة واعتقال عشرات الآلاف، وحرق الجثث ونحوها، ليأتي من يقول إن كيان يهود أرحم وأنفع من الأنظمة القائمة في بلاد المسلمين تمهيدا للتطبيع.
إن التطبيع مع كيان يهود الغاصب يراد به قبوله كدولة طبيعية وكشعب طبيعي تتعامل مع دول الجوار مثلما تتعامل مع بعضها بعضا، بل قد تكون هي المرجع عند الخلاف والاستقواء بالغير، وها هو الصحفي اليهودي (إيدي كوهين) القريب من مراكز القرار في كيان يهود في تغريدة له على تويتر يقول إن دولة السودان أصبحت في حصانة شديدة من أي دسائس ومؤامرات عربية. ومضى يقول إنها – أي السودان – في حصانة من لا يضام جواره، بحسب تعبيره. إن من سبق السودان من دويلات سايكس بيكو لم تجن إلا الخراب في علاقة التطبيع هذه التي أتاحت للكيان المسخ تخريب كافة مجالات الحياة وأثارت النعرات الطائفية والقبلية، وتهريب المخدرات، والتجسس، وتصدير المبيدات والبذور الفاسدة والبضائع المسرطنة… والهدف من ذلك هو ضمان بقاء الأمة الإسلامية في حالة ضعف وتخلف وصراع واقتتال داخلي يحول دون مواجهتها لهذا الكيان المسخ وفي المقابل تكريس تفوقه الاستراتيجي اقتصاديا وعسكريا.
إن التطبيع في حقيقته كمثل الغريق الذي يتعلق بقشة هذه النظم السياسية التي تسارع إلى حتفها، من خلال الجري وراء السراب بحثا عن توفير الحماية لها من ألد الأعداء؛ الغرب وربيبه كيان يهود، رغم أن الواقع أثبت أن الغرب بقيادة أمريكا لا قيمة للعملاء عندهم حيث سرعان ما يتخلون عنهم إذا ما ثارت شعوبهم ضدهم، بل هم أول من ينفض يده عن هذا الحاكم أو النظام حين تلوح أولى تباشير سقوطه، فها هي تتخلى عن البشير رغم ما قدمه من فصل الجنوب وإبعاد الدين عن الحياة، وكما تخلت عن جعفر نميري رغم خضوعه للمشروع الأمريكي – الصهيوني، وتبنيه لسياسات صندوق النقد الدولي، وترحيله يهود الفلاشا لكيان يهود.
وصدقا وحقا القول إن كيان يهود هو ظل أنظمة سايكس بيكو التي إذا زالت زال هو حتما، وكما قال بطريرك القدس الذي سلم سيدنا عمر رضي الله عنه مفاتيح القدس، دولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة، فحتما ستنقرض هذه الأنظمة وستحل محلها دولة واحدة هي دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي ستطهر الأقصى من يهود وبلاد المسلمين من العمالة والخيانة.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذة غادة عبد الجبار – أم أواب
2020_02_05_Art_Systems_that_simulate_the_proverb_The_drowned_clings_to_a_straw_AR_OK.pdf