حل مشاكل الاقتصاد بالتفكير خارج المنظومة الرأسمالية
توجّه وزير المالية د. إبراهيم البدوي إلى ستوكهولم للمشاركة في الدورة الثالثة لاجتماعات شركاء السودان في التنمية والتي ستعقد في يومي 17-18 شباط/فبراير 2020م. ومن المقرر أن يتم عرض أهم المشروعات التنموية التي يرغب السودان في تمويلها من المانحين، كما ستتم مناقشة خطة السودان لشبكات الحماية الاجتماعية التي تمولها الدولة، وأمن على عرض مشروع الموازنة 2020 في الاجتماع التحضيري لوفد أصدقاء السودان في الأسبوع المنصرم، مع أهمية التنسيق مع الدول المانحة في إدارة الموارد والبرامج بغرض زيادة الفاعلية والاستفادة منها في هذه الجولة لمواكبة متغيرات المرحلة القادمة. (الصيحة، 17 شباط/فبراير2020م).
طلب تمويل المشاريع والتنسيق مع الدول المانحة في إدارة الموارد وعرض موازنة البلاد، كل هذا القدر من طلب التدخل الخارجي والاستجداء وكأننا لا نملك حلا غير الرأسمالية الغربية!!
ملتقى “أصدقاء السودان” أسس منذ العهد البائد في عام 2018م ومع ذلك كانت تتزايد أزمات التدهور الاقتصادي المريع بشكل سريع والمتمثل في حالة الغلاء الطاحن، وتراجع قيمة الجنيه، والتضييق على أعمال الناس بالجبايات، وغيرها، كل ذلك إنما هو ثمرة لعقود من تطبيق النظام الرأسمالي، والتفكير داخل منظومة هذا النظام الفاشل في معالجة مشكلات الناس، بل هو ثمرة الانصياع التام لروشتة صندوق النقد الدولي: (ما يسمى برفع الدعم – تقليل الإنفاق الحكومي على مصالح الناس من علاج وتعليم ومياه وبيئة وغيرها – خصخصة مؤسسات الدولة لتمكين الشركات الرأسمالية من نهب ثروات البلاد)، ويراد من تلك المنظومة من المعالجات الرأسمالية الفاشلة تأهيل البلاد لدفع القروض الربوية التي تزيد من رهن البلاد والعباد، وهل حلت كل هذه القروض وهي نفسها التي نتج عنها الديون المتراكمة والربا المضاعف، ما جعل السودان رهن إرادة الدول الاستعمارية وأطماعها، ولم تؤدِ هذه الشراكة والصداقة إلى نهضة بلد من البلاد التي تدخل الغرب في شؤونها، بل أدت إلى زيادة الضرائب، ورفع الدعم عن السلع الأساسية، فازداد الناس عناء ومشقة لأنها حلول تخرج من المنظومة الرأسمالية نفسها صاحبة الروشتات غير الرشيدة.
عالمة الاقتصاد الإيطالية لوريتا نابوليوني التي قالت صراحة إن هذه الأزمة الاقتصادية ما كانت لتحدث لو طُبقت قوانين الاقتصاد الإسلامي، وحتى الفاتيكان، معقل الكنيسة الكاثوليكية، دعا في إحدى مقالات جريدته الرسمية “أوسيرفاتوري رومانو” البنوك الغربية إلى الاتجاه إلى الاقتصاد الإسلامي لتجنب مثل هذه التداعيات الاقتصادية الخطيرة.
أليس حريا بنا أن نفكر في حلول خارج منظومة النظام الرأسمالي الذي لم يجدِ نفعا في حل الأزمات في الدول الرأسمالية الأم – كأمريكا وأوروبا – بل أدى إلى مزيد من الأزمات الاقتصادية الطاحنة؟! وها هي أمريكا صاحبة الاقتصاد الأكبر في العالم، وقعت عام 2008م في أزمة اقتصادية مدمرة نتيجة لآليات نظامها الاقتصادي الرأسمالي، وجرّت وراءها جميع دول العالم لتقع هي الأخرى فريسة هذه الأزمة، لتصبح أزمة اقتصادية عالمية. وقد أكلت هذه الأزمة الأخضر واليابس، وأوصلت عشرات الآلاف من الشركات إلى الإفلاس وعشرات الملايين من العمال إلى البطالة، وما زالت أمريكا ودول العالم تعاني من هذه الأزمة ولم تتعافَ منها، رغم الخطط الطموحة والاستراتيجيات الشاملة التي وُضعت لإنعاش الاقتصاد والنهوض به.
والسبب في فشل كل هذه الحلول والخطط هو أن فشل النظام الرأسمالي يحمله في أحشائه ومن يطبق هذا النظام يجني الخراب، ولقد أصبح مفكرو الغرب أنفسهم وكبار رأسمالييهم يشككون في نجاعة الحلول المطروحة، ويقولون إن هذه الحلول إن نجحت، فستساهم في تأجيل الانهيار فحسب، أما أن تحل المشاكل حلاً جذرياً فهذا ما لن تنجح فيه… ومن هؤلاء الملياردير الكندي النمساوي فرانك ستروناك صاحب شركة “ماجنا” العالمية لتصنيع قطع السيارات، الذي قال: “إن بذل هذه الأموال الطائلة للبنوك لنجدتها من الانهيار لن يجدي نفعاً، وإن المشكلة في اقتصاد البورصة الوهمي، الذي يشفط الأموال ثم ينتفخ كالكرة، وما هي إلا أوراق وسندات تُتَلقف يميناً ويساراً حول العالم، دون أن تُخرج إنتاجاً حقيقياً أو تعود بنفع على الناس، فهذا الذي يدمر الاقتصاد”.
إن الأسس التي يقوم عليها النظام الاقتصادي في الإسلام تحل مشكلة حيازة 5% من السكان على 95% من الثروات لأن الملكية تحددها طبيعة الشيء الذي يمتلك لتكون ملكية فردية أو ملكية عامة أو ملكية دولة، وهناك أعيان لا يجوز ملكيتها ملكية فردية البتة، لا ملكية شركات ولا ملكية أفراد، كآبار البترول والغاز والثروات الغزيرة في باطن الأرض.
وحل الإسلام مشكلة إباحة التملك التي جعلت الناس يحوزون الثروات من غير جهد أكلاً لأموال الناس بالباطل عن طريق الربا أو القمار أو ممارسة الفحش…الخ، وحصر الإسلام التملك بالأسباب التي منها العمل والإرث والحَاجَةُ إِلَى المَالِ لأجْلِ الحَيَاةِ وإِعطَاءُ الدَّولَةِ مِنْ أموَالِهَا لِلرَّعِيَّةِ والهبة والهدية وغيرها…
وفي مجال الشركات حرم الإسلام الشركات المالية البحتة كشركات المساهمة، التي يغيب عنها الإيجاب والقبول ويغيب عنها عنصر البدن، بل فرض أن يدخل شريك ببدنه وعمله الشركة، وأن تنعقد الشركة بالإيجاب والقبول بين جميع الشركاء، ونهى الإسلام أن يبيع الإنسان ما لا يملك.
والدولة في الإسلام دولة رعاية، تشجّع الرعية على العمل، وحيازة الثروات، وإحياء الأرض الموات، وتذلّل الصعوبات، وتحتضن الكفاءات، وتقرض من بيت مال المسلمين من غير ربا، لتمويل الزراعة، والصناعة، والتجارة.
والدولة في الإسلام لا تفرض الضرائب بشكل عام، والمكوس (الجمارك)، يقول الرسول e: «لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ» وهذه الجبايات المحرّمة لا شك أنها السبب المباشر للغلاء الطاحن، وتعطيل الإنتاج وزيادة البطالة.
كما أن للدولة نقدها الخاص غير المرهون بعملات أخرى هو الذهب والفضة الذي يملك قيمة حقيقية، عكس العملات اليوم والتي لا قيمة لها في نفسها حتى الدولار ما يعكس سيطرة أمريكا وابتزازها لدول العالم، وسرقة ثروات الشعوب وجهودها.
إن تطبيق هذه الأنظمة الرأسمالية هو سبب رئيسي في كل الأوضاع الاقتصادية التي يعاني منها العالم، وإن نجاح هذه الأمة ونهضتها يبدأ بوعيها على مبدئها العظيم الذي ستطبقه دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة؛ الطريقة الشرعية لتنفيذ هذه المنظومة من الأحكام، وغيرها من أنظمة الإسلام.
قال تعالى في كتابه: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأعراف: 96].
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذة غادة عبد الجبار (أم أواب) – الخرطوم
2020_02_24_Art_Solving_economic_problems_by_thinking_outside_the_capitalist_system_AR_OK.pdf