Take a fresh look at your lifestyle.

محاولات هدم دولة الخلافة

 

 

        الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

محاولات هدم دولة الخلافة

 

 

 

        جرت محاولات هدم دولة الخلافة منذ العام الأول لإقامتها, وبقيت هذه المحاولات وتلك المؤامرات ما يقرب من ألف وثلاثمائة وخمسة وأربعين عاما وهي على أشدها, تمثل بعضها بالحرب وبعضها بالكيد والتآمر, إلى أن تمكنوا من هدمها, لأن الكفار في صراع دائم مع المسلمين, وسيبقوا في صراع ما دامت السماوات والأرض, وها نحن نشهد عداءهم في جميع بلاد المسلمين, احتلالا وقهرا وسلبا للخيرات وقتلا للأنفس وانتهاكا للأعراض, وصدق الله إذ يقول: (كيف وإن يظهروا عليكم, لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون).

 

         وقد حذرنا الله تعالى منهم في كثير من الآيات المحكمات والتي لا شبهة في دلالاتها, فقد حاولوا هدم الدولة الإسلامية مرات ومرات, وقد نجحوا في هدمها كما أسلفنا, ولو إلى حين, ولكنهم لم ولن ينجحوا في اجتثاث عقيدة لا إله إلا الله محمد رسول الله من نفوس المسلمين, ولا القرآن الكريم, ولا السنة المطهرة, ولا فكرة قيام الدولة وطريقة استئنافها, مهما بلغوا من قوة مادية, فالله تعالى يقول: (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون *هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) ويقول أيضا: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) وقال: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير)، ولقد حذرنا سبحانه وتعالى منهم في آيات كثيرة حيث يقول: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة) ويقول: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين).

 

            عندما قامت الدولة الإسلامية في المدينة المنورة للمرة الأولى أحس الكفار من قريش وفي جزيرة العرب بالخطر الحقيقي, الذي سيفقدهم نفوذهم وسيادتهم, ويفقدهم شهواتهم من حب للمال والنساء, فتجمعت القبائل مع قريش ومع يهود خيبر ويهود بني النضير, الذين أجلاهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن المدينة, وخرجوا بقيادة أبي سفيان لغزو المدينة وهدم الدولة الإسلامية التي بناها الرسول صلى الله عليه وسلم, وكانت هذه غزوة الأحزاب, ولكن الله كان للكفار بالمرصاد فهزمهم بجنود من عنده, وكان النصر والتمكين لهذه الدولة, ولم يتمكنوا من هدمها، فكان هذا مؤشر لفتح مكة وانتهاء الكفر من الجزيرة العربية للأبد.

 

        أما بالنسبة ليهود المدينة ويهود الجزيرة فتآمروا على الدولة وحاربوا المسلمين مع إخوانهم الكفار, وقد أخذوا عند قيام الدولة, يهاجمون الإسلام عقائده وأحكامه, وبدأت حرب جدل بين المسلمين واليهود, أشد عداءً وأكبر مكرا من حرب الجدل التي كانت بينهم وبين قريش في مكة, وفي هذه الحرب الفكرية كانت الدسيسة والنفاق, ولكن قوة الدعوة الإسلامية, وقوة الفكر الإسلامي, والحجة البالغة التي يملكها المسلمون, قضت على جميع محاولاتهم, بل قضت عليهم, وأخرجوا من المدينة المنورة, وتركز الإسلام ونشر لواؤه من ناحية الفكر ومن ناحية الحكم, إلا أن نفوس اليهود والمنافقين, ظلت وستبقى منطوية على كراهية المسلمين, تحمل الحقد عليهم والبغض لهم ما دامت السماوات والأرض.

 

        وجرت محاولات هدم الخلافة من المغول عندما هاجموها واحتلوا عاصمتها بغداد, وسفكوا الدماء وعاثوا في الدولة الفساد, وقتلوا الخليفة وبقيت الدولة بدون خليفة ما يقرب من ثلاث سنوات كما تحدثت بعض كتب التاريخ, ولكن سرعان ما قام المسلمون بتنصيب الخليفة وإعادة سلطانه, ثم تلا ذلك الغزو الصليبي الذي كان من أول أهدافه هدم دولة الإسلام وإبعاد الإسلام عن الحياة, فكانت الحروب الصليبية التي جيشوا لها الجيوش, وعبؤوا فيها النفوس بالحقد على الإسلام وأهله, فأصبح عداؤهم للمسلمين والإسلام في نفوس الأوروبيين تتوارثه الأجيال حتى يومنا هذا, وهذا العداء هو الذي حمل جميع نصارى أوروبا أن يبعثوا الحركات التبشيرية في بلاد الإسلام باسم المدارس والمستشفيات والجمعيات والنوادي وأن يبذلوا في سبيل ذلك الأموال الطائلة, والجهود الضخمة, وأن يتفقوا على ضرب المسلمين رغم اختلاف مصالحهم, وتباين سياساتهم, وأن يجمع على ذلك جميعهم دولا وشعوبا, وأن يجعلوه من أعمال قناصلهم وسفاراتهم, كما هو من أعمال الموفدين والمبشرين, وهذا العداء الصليبي الكامن في النفوس الغربية كلها, ولا سيما أوروبا، وعلى الأخص بريطانيا المتآمر الأول على الخلافة والمسلمين والإسلام, هذا العداء المتأصل والحقد اللئيم هو الذي أوجد هذه الخطط الجهنمية للقضاء على الخلافة, وهو الذي سبب إذلالنا في بلداننا هذا الإذلال, وإذا كان اللورد أللنبي قد قال حين فتح القدس وهو يدخلها 1917 (اليوم فقط انتهت الحروب الصليبية)، فإنما ذلك تعبير صادق عن مكنون نفسه وشدة حقده, وتأصل بغض الأوروبيين للإسلام والمسلمين وصدق الله العظيم حيث يقول: (قد بدت البغضاء من أفواههم, وما تخفي صدورهم أكبر) وقد امتد هذا الحقد والبغض منذ أيام الصليبيين ولا يزال يمتد حتى يرث الله الأرض ومن عليها, وما نلاقيه من اضطهاد وإذلال واستعمار واستغلال هو إلى جانب الناحية السياسية التي فيه, أمر انتقامي منا نحن المسلمين بوجه خاص.

 

 وبعدما اعترى الدولة الإسلامية الضعف الفكري, الذي بدأ في القرن الخامس الهجري فتراكم حتى وصل إلى ذروته, سَهُل على الكفار وأعوانهم من هدم الدولة الإسلامية, سنة ألف وثلاثمائة وخمسة وأربعين هجرية الموافق لسنة ألف وتسعمائة وأربعة وعشرين ميلادية.

 

        أيها الأخوة: هذا العداء الموروث عندهم لنا, لا يزال هو الذي يورث نار الحقد في نفوسهم على المسلمين, ويصور الإسلام حتى في بلاد المسلمين للمسلمين وغيرهم, بأنه الإرهاب, وأنه بعبع الإنسانية أو المارد الهائل الذي سيقضي على تقدم الإنسانية, وأنه التخلف, حتى أن شيطانهم الأكبر البابا الحالي تهجم على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى القرآن الكريم, معبرا عما يجيش في نفسه من غل, وما يخفي صدره أعظم.

 

        أيها الأخوة المسلمون: إن الحروب التي سعرت, والمعاهدات التي أبرمت, والمؤامرات التي حيكت, ضد دولتكم في القديم والحديث, لهي أكبر وازع لكم للعمل لإقامة دولة الخلافة التي هدمها الكفار وعملاؤهم, وحافظ على إقصائها عن الواقع بل وحارب دعاتها حكامكم, وأذاقوكم مر العيش وضنك الحياة, وتعاونوا مع أعدائكم لإذلالكم,

 

        ألم تكف كل هذه المصائب التي أحاطت بكم أن توقظكم من سباتكم؟

 

        أما أحسستم بالذل والهوان الذي يلفه حكامكم على رقابكم؟

 

        احزموا واعزموا على العمل بجد واجتهاد لإقامة الخلافة فتعيدوا العزة لكم, وتنصروا الله بها فينصركم، واعملوا مع حزب التحرير الذي يقودكم لما فيه عز الدارين. 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.