أهل السودان تراثهم إسلامي
“أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو) اختيار 34 عنصراً من التراث السوداني غير المادي ضمن التراث الثقافي الإنساني، وتشمل “طقس الجبنة – القهوة – الثوب السوداني، والحنة السودانية”، وذلك أثناء انعقاد ورشة عمل بالخرطوم لوضع استراتيجيات صون التراث الثقافي غير المادي السوداني وتنميته، بشراكة وتعاون أممي ودولي لتعزيز القدرات الوطنية للقيام بالمهمة.
وقال الأمين العام للجنة الوطنية لليونيسكو، عبد القادر محمد حسن، وقّعنا مع اليونيسكو اتفاقية لصون التراث غير المادي في 2003م. إن استراتيجية صون التراث غير المادي خطوة أولى ضمن مشروع مدعوم من المنظمة المهتمة بالتراث وبتمويل إماراتي، بلغ 350 ألف دولار مقدمة من اليونيسكو وهيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة، واستطرد: وقّعنا مع اليونيسكو اتفاقية لصون التراث غير المادي نهدف لإبراز التراث السوداني الغني، الذي يمزج بين الأفريقية والعربية، وللمحافظة عليه، باعتباره رمزاً للهوية الوطنية”. (الشرق الأوسط، 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2019 م، رقم العدد 14974).
تقول منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة في أدبياتها إنها نهضت للبحث عن مشروع علمي جديد لحماية الثقافات المحلية للدول الأخرى من الاندثار التام، وعمل بروتوكول أو اتفاقية دولية لتنفيذ مشروعها هذا وذلك لحماية العناصر المعرضة للاندثار، ووقعت معظم الدول على اتفاقية 2003م، وسميت الاتفاقية بالتراث الثقافي غير المادي، لأنها اهتمت بالأساس بحماية التقاليد والعادات والممارسات الثقافية الموروثة للشعوب، وتؤكد اليونيسكو كذلك على مواجهة انتشار النمط الثقافي للعولمة وسيادته دولياً وانحسار العادات والثقافات المحلية للشعوب في ظل سيادة الثقافة الأمريكية مع العولمة. وتهدف أولويات الاتفاقية للحفاظ على التراث الحي الموجود في الواقع بالفعل لدى شعوب العالم، كوسيلة للصمود في وجه تغول نمط الحياة المرتبط بالعولمة والثقافة الأمريكية. الشيء الذي يلفت النظر أن هذا الكلام يصدر من مؤسسة هي أداة للعولمة وتخضع لأوامر مباشرة من أمريكا، وهذا يبرهن على مدى التضليل الذي تمارسه هذه المنظمة، وفي استخفاف بالموروث الثقافي لأهل السودان يتم اختيار “طقس الجبنة، القهوة، الثوب السوداني، والحنة السودانية”، وكأن أهل السودان بلا هوية ولا ثقافة منبثقة عن هذا الدين!!
أصل كلمة تراث في اللغة من مادة (ورث) التي تدور حول “ما يتركه الإنسان لمن بعده”، إن التراث في أبسط تعريف له هو السجل الكامل للنشاط الإنساني في مجتمع ما على مدى زمني طويل، أو هو حفظ مجمل المناشط الإنسانية في الذاكرة الجماعية لشعب من الشعوب بحيث تعكس نفسها في حاضر الأمة تفكيراً، وسلوكاً، وباختصار فإن التراث هو تراكم تاريخي طويل متعدد المشارب (ثقافي، أدبي، اقتصادي، اجتماعي، سياسي، معماري..الخ)، وهذا السجل بكامل حمولته يشكل هوية كل مجتمع وخصوصيته التي تميّزه عن باقي المجتمعات. ولأن أهل السودان مسلمون يجب أن يكون الإسلام وحده هو الموروث الحضاري الذي لا يضاهيه موروث.
والسؤال هل أهل السودان وهم من خير أمة أخرجت للناس وحكموا بالإسلام قرونا، هل يتم تناسي كل ذلك ويركز على السفاسف مثل طقوس القهوة والحناء؟!!
أطلق الصحابي أبو هريرة رضي الله عنه كلمة الميراث على التراث العقائدي والثقافي عندما خاطب الصحابة “أنتم هنا وميراث محمد يوزع في المسجد…” فلما انطلقوا إلى المسجد اندهشوا إذ لم يجدوا سوى حلق الذكر وتلاوة القرآن فأوحى لهم أبو هريرة: إن هذا هو ميراث محمد e. وهكذا نخلص إلى أن التراث في لغة العرب بمعنى الميراث ويطلق على ورثة المال والعقيدة والدين والمجد والحسب…
فتراث أهل السودان هو ركن أساسي من أركان الهوية الثقافية للأمة الإسلامية عامة، وهو شامل يتسع لكل ما أنتجته الحضارة الإسلامية والمجتمعاتُ المنتمية لها من تراث يمثل التراث للأمة ككل، وهو بمثابة خزانة الخبرات والعبر التي يجب علينا الاستبصار بها.
تراث أهل السودان هو تلك الحصيلة من المعارف والعلوم والعادات والفنون والآداب والمنجزات المادية التي تراكمت عبر التاريخ، وهو نتاج جهد إنساني متواصل قامت به جموع الأمة عبر التاريخ، وعبر التعاقب الزمني، حيث أصبحت هذه الحصيلة المسماة التراث تشكل مظاهر مادية ونفسية، ونمطاً في السلوك والعلاقات وطريقة في التعامل والنظر إلى الأشياء.
تراث أهل السودان هو كل ما خلفه السلف للخلف، في مجال العقائد والفلسفة، والعلوم، والآداب، والسلوك، وغيرها، وأهل السودان بوصفهم مسلمين يعتبر التراث الإسلامي بكل تفاصيله أفضل تعبير عن الهوية الثقافية لهم وذاتيتهم الثقافية.
ويشمل التراث الإسلامي أشكالاً متعددة ثقافية وفنية وفكرية متوارثة من ماضي الأمة القريب والبعيد. وهو عطاء من صنع المسلمين الذين هم أمة واحدة، وهو في مفهومه العام يخص التراث المادي وما يشمله من مبان أثرية، أو ما تكشفه الحفريات، وما تضمه المتاحف من آثار ممثلة العصور المختلفة، بل يضم أيضاً التراث الفكري النابع من أعمال ونتاج العلماء والكتاب والمفكرين والمبدعين، كل في عصره. كما أن هناك تراثاً اجتماعياً ينتمي له أهل السودان يتمثل في العادات والأعراف والتقاليد السائدة في المجتمع النابعة عن مفاهيم الإسلام.
وإذا كنا نؤمن بأن المصدر الأساس للتراث الإسلامي هو القرآن الكريم والسنّة النبوية، اللذان فجّرا عطاءات علمية وفكرية وثقافية، فإننا ننزه تراثنا عن حصر مدلوله في مجرد عادات مثل طقوس القهوة والحناء! ذلك لأن التراث يعتبر من أهم الوسائل الفعالة في ترسيخ الهوية الثقافية للأمة الإسلامية.
والتراث الإسلامي موجود في السودان في كل شبر، التراث المكتوب والمقروء، والذي تزخر به آلاف المكتبات، والتراث المرئي من آثار وأدوات ومنجزات عمرانية وحضارية ومهارات فنية لا زال بعضها قائماً منتشراً يثير الإعجاب والتقدير.
التراث الإسلامي، مصطلح شامل يتسع لكل ما له علاقة بالإسلام من نصوص القرآن والسنة النبوية، واجتهادات العلماء السابقين في فهم هذه النصوص وتطبيقها على الواقع، وهو لا يقتصر بالضرورة على الإنتاج المعرفي في العلوم الشرعية وحدها كالتفسير والحديث والفقه ونحو ذلك، بل يتسع ليشمل كل ما خلَّفه العلماء المسلمون عبر العصور من مؤلفات في مختلف فروع المعرفة، وفي كل بقعة من بقاع الأرض بلغتها دعوةُ الإسلام.
هذا التراث لن تحييه إلا دولة مبدئية تطبقه على أرض الواقع وتحمله رسالة هدى ونور. أما الدويلات التابعة للأمم المتحده فتبحث في طقوس القهوة والحناء…
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذة غادة عبد الجبار (أم أواب) – الخرطوم
2020_02_26_Art_The_people_of_Sudan_have_an_Islamic_heritage_AR_OK.pdf