تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”
الحلقة التاسعة والتسعون
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على إمام المتقين, وسيد المرسلين, المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, واجعلنا معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المسلمون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق: عنوان حلقتنا لهذا اليوم هو: “من أدب الحديث”.
اعلم أن للكلام شروطا لا يسلم المتكلم من الزلل إلا بها، ولا يعرى من النقص إلا بعد أن يستوفيها وهي أربعة: فالشرط الأول: أن يكون الكلام لداع يدعو إليه إما في اجتلاب نفع أو دفع ضرر. والشرط الثاني: أن يأتي به في موضعه، ويتوخى به إصابة فرصته. والشرط الثالث: أن يقتصر منه على قدر حاجته. والشرط الرابع: أن يتخير اللفظ الذي يتكلم به. وقديما قال حكماء العرب: “إن الكلام ترجمان يعبر عن مستودعات الضمائر, ويخبر بمكنونات السرائر، ولا يمكن استرجاع بوادره, ولا يقدر على شوارده! ويقال: إن للكلمة أهمية في حياة الإنسان وسلوكه وتصرفاته, وإن الكلمة إنما تكتسب معناها من نفس قائلها لا من ذاتها. وقالوا: تحكم الكلمة على قائلها؛ لأنها تنبئ عن تفكيره ومشاعره وثقافته، ولا يحكم هو عليها لأنها حين تخرج منه يكون الحكم عليها للناس حسب آثارها. وقال سقراط لشاب كان يطيل الصمت: “تكلم حتى أراك! تكلم حتى أعرفك”. هذا وإن للكلمة دور في حياة الإنسان: إن الكلمة تشهد للإنسان أو تشهد ضده، فالكلمة من قائلها بمعناها في نفسه, لا بمعناها في نفسها وهو حين ينطق بها، فإنها تحكم عليه أكثر مما يحكم هو عليها، والكلمة حين تكون محكومة معقولة, فإنها توضح حقا, أو تبطل باطلا, أو تنشر حكمة, أو تذكر نعمة، وأما حين تكون هوجاء طائشة, فإنها قد تكشف عن جهل, أو تسبب ضررا, أو تذيع سرا, أو تتلف نفسا. وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “رحم الله عبدا قال خيرا فغنم، أو سكت عن شر فسلم”.
إن الإنسان العاقل هو الذي ينطق بعد تفكير وروية، حينئذ يسلم من الزلل والخطأ؛ لأن لسانه يكون وراء عقله. أما الأحمق فهو الذي يتكلم بدون تفكير أو روية، فتكثر أخطاؤه؛ لأن عقله حينئذ يكون وراء لسانه. ومن أقوال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “لا تحدث الناس كل ما تسمع، فكفى بذلك خرقا”. ومن أقواله رضي الله عنه: “لا تسئ اللفظ وإن ضاق عليك الجواب”. ومن أقواله رضي الله عنه: “لا خير في الصمت عن الحكم، كما أنه لا خير في القول بالجهل”. ومن أقواله رضي الله عنه: “تكلموا تعرفوا، فإن المرء مخبوء تحت لسانه. ومن أقواله رضي الله عنه: “لا تقل ما لا تعلم، بل لا تقل كل ما تعلم”. ويقول الإمام سفيان الثوري: “كلما اتسع الأفق، قلت العبارة”. ويقول الثوري في سياق آخر: “إن النفوس لو حملت ما لا تطيق .. أتت بما لا يليق”. ورحم الله الشاعر حيث قال:
وكائن ترى من صامت لك معجب زيادته أو نقصـه فـي التكلـم
لسان الفتى نصف ونصف فـؤاده فلم يبق إلا صورة اللحـم والـدم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد احمد النادي