بسم الله الرحمن الرحيم
مع الحديث الشريف
نظام الحكم في الإسلام
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء
روى البخاري في صحيحه قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ قَالَ: “قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ خَمْسَ سِنِينَ فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ: فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ
جاء في كتاب فتح الباري لابن حجر:
قَوْله: (تَسُوسهُمْ الْأَنْبِيَاء)
أَيْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا ظَهَرَ فِيهِمْ فَسَاد بَعَثَ اللَّه لَهُمْ نَبِيًّا لَهُمْ يُقِيم أَمْرهمْ وَيُزِيل مَا غَيَّرُوا مِنْ أَحْكَام التَّوْرَاة، وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّهُ لَا بُدّ لِلرَّعِيَّةِ مِنْ قَائِم بِأُمُورِهَا يَحْمِلهَا عَلَى الطَّرِيق الْحَسَنَة وَيُنْصِف الْمَظْلُوم مِنْ الظَّالِم.
قَوْله: (وَإِنَّهُ لَا نَبِيّ بَعْدِي): أَيْ فَيَفْعَل مَا كَانَ أُولَئِكَ يَفْعَلُونَ.
قَوْله: (وَسَيَكُونُ خُلَفَاء): أَيْ بَعْدِي، وَقَوْله: (فَيَكْثُرُونَ): بِالْمُثَلَّثَةِ وَحَكَى عِيَاض أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ ضَبَطَهُ بِالْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ تَصْحِيف، وَوُجِّهَ بِأَنَّ الْمُرَاد إِكْبَار قَبِيح فِعْلهمْ.
قَوْله: (فُوا): فِعْل أَمْر بِالْوَفَاءِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا بُويِعَ الْخَلِيفَة بَعْد خَلِيفَة فَبَيْعَة الْأَوَّل صَحِيحَة يَجِب الْوَفَاء بِهَا وَبَيْعَة الثَّانِي بَاطِلَة، قَالَ النَّوَوِيّ: سَوَاء عَقَدُوا لِلثَّانِي عَالِمِينَ بِعَقْدِ الْأَوَّل أَمْ لَا، سَوَاء كَانُوا فِي بَلَد وَاحِد أَوْ أَكْثَر. سَوَاء كَانُوا فِي بَلَد الْإِمَام الْمُنْفَصِل أَمْ لَا. هَذَا هُوَ الصَّوَاب الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور، وَقِيلَ: تَكُون لِمَنْ عُقِدَتْ لَهُ فِي بَلَد الْإِمَام دُون غَيْره، وَقِيلَ: يُقْرَع بَيْنهمَا قَالَ: وَهُمَا قَوْلَانِ فَاسِدَانِ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: فِي هَذَا الْحَدِيث حُكْم بَيْعَة الْأَوَّل وَأَنَّهُ يَجِب الْوَفَاء بِهَا، وَسَكَتَ عَنْ بَيْعَة الثَّانِي. وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي حَدِيث عَرْفَجَة فِي صَحِيح مُسْلِم حَيْثُ قَالَ: “فَاضْرِبُوا عُنُق الْآخَر”.
قَوْله: (أَعْطُوهُمْ حَقّهمْ): أَيْ أَطِيعُوهُمْ وَعَاشِرُوهُمْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة، فَإِنَّ اللَّه يُحَاسِبهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَهُ بِكُمْ، وَسَتَأْتِي تَتِمَّة الْقَوْل فِي ذَلِكَ فِي أَوَائِل كِتَاب الْفِتَن.
قَوْله: (فَإِنَّ اللَّه سَائِلهمْ عَمَّا اِسْتَرْعَاهُمْ): هُوَ كَحَدِيثِ اِبْن عُمَر الْمُتَقَدِّم “كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّته” وَسَيَأْتِي شَرْحه فِي كِتَاب الْأَحْكَام إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى. وَفِي الْحَدِيث تَقْدِيم أَمْر الدِّين عَلَى أَمْر الدُّنْيَا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْر بِتَوْفِيَةِ حَقّ السُّلْطَان لِمَا فِيهِ مِنْ إِعْلَاء كَلِمَة الدِّين وَكَفّ الْفِتْنَة وَالشَّرّ؛ وَتَأْخِير أَمْر الْمُطَالَبَة بِحَقِّهِ لَا يُسْقِطهُ، وَقَدْ وَعَدَهُ اللَّه أَنَّهُ يُخْلِصهُ وَيُوَفِّيه إِيَّاهُ وَلَوْ فِي الدَّار الْآخِرَة.
هذا الحديث الشريف يؤكد على أن الله تعالى العليم الخبير بحاجات الناس وما يُصلح شأنهم قد هيأ لهم كل أسباب السعادة والطمأنينة, فهو سبحانه العالم بحقيقة أن الإنسان لا يستطيع العيش إلا في جماعة وأن الجماعات الإنسانية لا يستقيم حالها إلا بحاكم يرعى الناس بنظام يرتضونه فيما بينهم …. وأن خير نظام يوفر السعادة والطمأنينة للناس هو النظام الذي مصدره الخالق المدبر جل وعلا …. لذا فقد رأينا الرسول في هذا الحديث يشير إلى أن الناس تحتاج إلى النظام الرباني … وأنه في بني إسرائيل كان تنفيذ هذا النظام يتم من قبل الأنبياء فقد تعاقب على حكم بني إسرائيل الأنبياء الواحد تلو الآخر …. لكن الإسلام الذي كان نبيه خاتم الأنبياء فقد جعل الحكم بعد الرسول للمسلمين يخلفون الرسول في تطبيق شرع الله ….. فالخليفة هو الحاكم الذي يتولى أمر المسلمين بعد الرسول صلى الله عليه وسلم ويسير على نهجه ويكمل مسيرته …في رعاية شؤون الأمة بكتاب الله وسنة رسوله ……
يقول تعالى: “وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ” . .. ولما كان خطاب الرسول خطابا لأمته فإن المسلمين مأمورون باختيار خليفة يحكمهم بما أنزل الله على رسوله من أحكام تنظم شؤون العباد وترعى مصالحهم …..
ولعظم أمر الخلافة وضرورتها فقد جاءت الأدلة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة تؤكد عليها وأنها هي نظام الحكم في الإسلام …. أما الأدلة من الكتاب فمنها قوله تعالى: “فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ”
وأما السنة: فمنها حديثنا لهذا اليوم
وأما اجماع الصحابة: فانشغالهم بأمر اختيار خليفة للرسول صلى الله عليه وسلم بعد وفاته ولما يتم دفنه بعد مع أن الإسلام قد حث على الإسراع في دفن الميت فكيف إذا كان الميت هو رسول الله… فكان انشغالهم بأي عمل قبل دفنه دلالة على عظم أهمية ذلك العمل خاصة وأن أحدا منهم لم ينكر على من انشغل بأمر تولية خليفة للرسول بدل الانشغال بدفن جثمانه الطاهر مع أن هذا الأمر مما ينكر مثله لو كان مخالفاً للشرع ….فكان إجماعا من الصحابة على بالغ أهمية ذلك الأمر ألا وهو بيعة ولي للأمر خلفاً للرسول الكريم …. فإن قال قائل أن هناك من الصحابة من اعترض على أمر الانشغال بتولية خليفة عن دفن الرسول نقول أن اعتراضهم كان على شخص الخليفة لا على منصب الخلافة ….
فالخلافة إذن هي نظام الحكم في الإسلام الذي فرضه رب العالمين والذي ينصب فيه المسلمون خليفةً بالبيعة على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله…. فهي رئاسة عامة للمسلمين جميعاً في الدنيا لإقامة أحكام الشرع الإسلامي، وحمل الدعوة الإسلامية وهي على هذا نظام فريد في الحكم مميز عن سائر الأنظمة السابقة والحالية في العالم ولا تمت لأي منها بِصِلَة.
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.