تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”
الحلقة المائـة وخمس
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على إمام المتقين, وسيد المرسلين, المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, واجعلنا معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المسلمون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق: موضوع حلقتنا لهذا اليوم هو “صفات الخطيب الناجح”.
اقتبست مادة هذه المقالة من مقالة كتبها الأستاذ علي مدني الخطيب الداعية المصري جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
إن الخطابة هي فن مشافهة الجماهير والتأثير عليهم، وخطبة الجمعة كانت ولا تزال وستبقى لها أثر كبير إذا أديت على الوجه الصحيح. وأما صفات الخطيب الناجح فمن الممكن أن نلخصها في الأمور الآتية:
أولا: الخطيب الناجح والمؤثر هو ذلك الإعلامي الذي يعرف أخبار أمته فيقوم بإعدادها، وتبسيطها، وصياغة عرضها، إلى خليط من الناس مختلفي المنهل والمشرب.
ثانيا: الخطيب الناجح محب ودود، يألف ويؤلف، فلا يعزل نفسه عن الناس، بل يسأل عنهم، ويغشى مجالسهم، ويبارك أفراحهم، ويحزن لحزنهم.
ثالثا: الخطيب الناجح يغشى مجلسه الكرماء، والصلحاء والبسطاء، فيعمر الحديث بالفكر والذكر، فتحل بركة السماء في الزمان والمكان.
رابعا: الخطيب الناجح له في القلوب مكانة، ولدى النفوس منزلة؛ لأنه عنصر من عناصر الخير والنماء في المجتمع, يجعل شعاره دائما أينما حل وحيثما نزل: “نلتـقي لنرتـقي”.
خامسا: الخطيب الناجح هو من يدرك آلام أمته وآمالها، فيخفف الآلام، ويمسح الجراح، ويهون الداء، وينفث في الآمال لينتشي ويرتقي بها نحو آفاق رحبة عالية.
سادسا: الخطيب الناجح هو إفراز أصيل، يدرك عظمة الأمانة وقدر المسئولية وتبعة العطاء.
سابعا: الخطيب الناجح له همة عالية، وإرادة ماضية، ونفس راضية، وفعالية رائعة.
ثامنا: الخطيب الناجح هو ينبوع متدفق من الخير والعطاء؛ لأنه يحب ويعطي عن أريحية ورضا، سيما وأن الشفقة على الخلق إحدى سماته وصفاته، يرى المنكر فلا يسكت عليه، بل يصوغه في قالب خطابي تربوي مؤثر، يوقظ الوسنان, ويروي الظمآن، ويهدي الحيران، ويقود العميان إلى دروب الحق وسبل الإيمان.
تاسعا: الخطيب الناجح يحسن الحسن، ويقبح القبيح لا عن هوى في نفسه, بل بناء على الدليل الشرعي، ويرى معروفا مطبوعا أو مصنوعا فلا ينسى أن يذكر به، وأن يشيد بصاحبه، دعوة للخير وريادة في البر.
عاشرا: الخطيب الناجح لا تؤثر فيه الأحداث، بل هو الذي يؤثر فيها، ويحولها إلى إشراقة من الفأل الحسن، والثقة المبتغاة، فلا يزيده القهر إلا إرادة صلبة قوية، لا تتفتت أو تلين، ولا يزيده الظلم إلا عفوا وعزا، ولا يزيده المكر إلا مضاء وعزما.
حادي عشر: الخطيب الناجح يستلهم الحدث ليربي به تلك الجموع الغفيرة التي قدمت إليه، وانساقت له، ورغبت فيه، فلا يمكن أن يمر حدث على الخطيب الناجح دون حس تربوي مؤثر، أو موعظة بليغة، أو ربط جيد بالآخرة، أو بعث بالأمل بامتداد أنفاس الحياة في نفوس مستمعيه ومحبيه.
ثاني عشر: الخطيب الناجح إشراقة أمل، وفأل حسن، وهو روضة ندية نضيرة تغشاها رياحينها، وتزقزق حولها عصافيرها، ويشم عبيرها القاصي والداني.
ثالث عشر: الخطيب الناجح والمؤثر هو الذي يسأل نفسه عندما يقوم بإعداد مادته: ما الذي أريده من عرض هذا الموضوع دون غيره، وما الغاية من سرد هذه القضية، وما الوسيلة المثلى لبسطها وعرضها؟ وبمعنى آخر يسأل نفسه: هل أريد معالجة فكرة جديدة؟ أم تثبيت مبدأ أصيل؟ أم محاربة عادة مقيتة ذميمة وصفة رذيلة؟
رابع عشر: الخطيب الناجح لا يقل أهمية عن المقاتل في صدر الجيش، يذود عن أمته بروحه؛ لأنه يحمي عقائدها من الدخن والدخل.
خامس عشر: الخطيب الناجح هو لسان أمته المعبر، وترجمانها المؤثر، وقلبها النابض، وشريانها المتدفق، بل هو روح جديدة تسري في نبضاتها وشرايينها وأبنيتها وكل مؤسساتها.
سادس عشر: الخطيب الناجح يفهم الإسلام بشموله وجميع أحكامه، من عبادات وآداب ومعاملات وعقائد وأخلاق وتشريعات في جميع أنظمة الحياة: نظام الحكم, والنظام الاقتصادي, والنظام الاجتماعي, ونظام العقوبات والقضاء, وسياسة التعليم, والسياسة الحربية والجيش, والسياسة الداخلية, والسياسة الخارجية, وغير ذلك مما يتعلق بشؤون الدولة الإسلامية.
سابع عشر: الخطيب الناجح يحدد الظاهرة التي يريد أن يتناولها، فيعيش معها سحابة النهار وجزءا من الليل، فيستغرق جل همه ومحتوى فكره مدندنا حولها، ومصغيا إليها، حتى إذا غمرت عقله وسرت في شرايينه تحرك قلمه الدافئ يحفر أفكارا، حتى إذا وقف على المنبر فاسترجع ما كتب كان مصيبا، في حسن الأداء وعمق الربط بين الفكرة والتي تليها، دون أن ينسى استمالة القلوب أو تهييج المشاعر وإيقاظ الوجدان.
ثامن عشر: الخطيب الناجح والمؤثر هو خطيب يتخذ الإخلاص مطية، تصل به إلى دربه ومبتغاه، ويحزم متاعه برباط الخوف من قيوم السماوات والأرض.
تاسع عشر: الخطيب الناجح والمؤثر يمتلك من الألفاظ أعذبها وأشوقها وأقربها إلى القلوب والشعور، يأسرك بكلماته التي هي واحة المتعبين, وأنس السامرين، ودليل الحائرين، يربطهم بالمسجد ربط الطائر بعشه وأفراخه.
عشرون: الخطيب الناجح يمتاز بالقدرة على تحليل المواقف، وتركيب الفكرة وتنسيقها، والإيقاع بها في رشد زمانها وطيب مكانها.
واحد وعشرون: الخطيب الجيد إذا حدث الناس عن الجنة كأنما بجناحيه فيها يطير، وحول أنهارها يسير، وبين يدي حورها يميل، وإذا حدثهم عن النار كأنه في بركانها يصطلي، كلامه عنها يفتت الأكباد، ويذهل الألباب، ويقطع الآمال. ومن هنا تبرز قيمة الخطيب الناجح والمؤثر، ولكن ذلك موقوف على إعداده وتكوينه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد أحمد النادي