التناقض بين الواقع والقوانين التي تنص على حقوق الطفل
في خضم تغيرات العالم ومساراته نجد أن الطفل هو أكبر ضحية لانعكاسات ذلك الواقع رغم كل الاتفاقيات والمعاهدات الإمعة التي لا تثبت على رأي وتتفاوت بين نصوصها القانونية وما يعيشه الطفل على أرض الواقع.
فلقد انفردت تونس من بين بلاد المسلمين بإصدار مجلة حقوق الطفل سنة 1995 بعد أن صادقت عام 1991 على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل وقد مكنها ذلك من إجراء تعديلات وتنقيحات على تشريعات قانونية لها صلة بحقوق الطفل مثل الأحوال الشخصية والإجراءات الجزائية وغيرها كما صادقت على العديد من الاتفاقيات الدولية التي تتعلق بعمالة الأطفال وأحدثت منصب قاضي الأسرة وقاضي الطفل وتم تعيين ما يفوق عن 80 قاضيا لهذه المسألة، وبحسب تقرير “Indice Kids Rights” السنوي الذي تصدره مؤسسة حقوق الطفل ويصنف الدول حسب أربع مؤشرات وهي: الحق في الحياة والصحة والتعليم والحماية والبيئة المناسبة لحقوق الطفل، صنفت تونس التاسعة دوليا عام 2017 متقدمة مرتبة واحدة عن 2016، وتلا تونس كل من البرتغال والنرويج وسويسرا وأيسلندا وبعض الدول الأوروبية، وبذلك كانت تونس هي الدولة العربية الوحيدة ضمن العشر الأوائل.
وينص الدستور التونسي في الفصل 47 منه على أن حقوق الطفل على أبويه وعلى الدولة هي ضمان الكرامة والصحة والرعاية والتربية والتعليم، وأن على الدولة توفير جميع أنواع الحماية لكل طفل دون تمييز ووفق المصالح الفضلى للطفل، وهو فصل قريب في روحه من النظري أكثر من العملي. فقد وصفت وسائل إعلام محلية مؤشرات الطفولة لـ3 سنوات بأنها مفزعة، فما بين 2014-2016 سجلت تونس 4859 حالة انتحار كشفها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وجاء في تقرير وزارة الصحة لسنة 2013 شمل فعل الانتحار في تونس الكبرى خلال الـ6 سنوات الماضية: إن العدد الإجمالي لحالات الانتحار بلغ 740 حالة، أي قارب نجاة تحمله معاهداتهم لإنقاذ هذه الطفولة التي تستشرق لحياة لا حياة فيها. ولعل بعضهم يلتمسها في حبل ظاهرة “الحرقة” لتسجل 227 محاولة اجتياز للحدود سنة 2017 منهم أربع حالات دون سن الرابعة والبقية تتراوح أعمارهم بين 13-18، فلا بحر أنجى ولا بر أنجى وأنجى.
فلا وربك لا يمضي عام إلا وتونس تسجل نسبة وفيات للأطفال تكاد تتسابق مع نسبة الولادات، ونتبعها بآخر حالات وفاة هزت البلاد خلال يومي 7 و8 من شهر آذار/مارس 2019، وفاة 12 رضيعا في مستشفى الرابطة، وسط حالة تساؤل وذهول لتسجل بذلك جريمة في حق أبنائها نتيجة صفقات فساد في بعض المنتجات الصحية، وهو ما يدخل الحادثة في خانة الإهمال والقتل… والحقيقة أن الحديث عن خراب وزارة الصحة يطول وتزكم رائحته الأنوف، وما ذلك إلا دليل على تهاون الدولة في حياة رعاياها.
لكن لا ضير من باب “الحرص” في الدولة الموقرة أن تحرص على عمالتها وتستجيب لإملاءات مسمومة أوروبية وتتلاعب بنشأة الطفل وثقافة محيطه ومرجعيته الفكرية وتدرج التربية الجنسية في المناهج التعليمية لتلاميذ ما بين 5-15 سنة، وكأن هذا التوجه من أولويات مجتمع يعاني الأمرين! وكأن بهذا الإدماج يضمن لطفل اليوم أن يكون له دور في العولمة والتسابق الاقتصادي والتكنولوجي من خلال وعيه بمتغيراته الجنسية!
في خضم هذه النتائج المخزية من خذلان للطفل وحقوقه، لا زالت الدولة تحمّل الأسرة كلبنة أساسية أولى في تنشئة طفل حسن النشأة وتتغافل هي عن دورها في تحديد حالته الإنسانية والاقتصادية والثقافية بعد أن سنت قوانين اضطرب فيها مفهوم العائلة فشاع مصطلح القرين والشريك والأم العزباء وظهرت دعوات لبناء أسرة لا نمطية.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
إيناس حمدي باشا – ولاية تونس