إدماج الأطفال المصابين بالتوحد آخر هَمِّ الدولة في تونس
يدور باستمرار نقاش بين المربين والمعلمين حول إدماج الأطفال المصابين بالتوحد في الأقسام برياض الأطفال والمدارس الابتدائية. ويشتكي الكثير من المربين من صعوبة التعامل والاهتمام بهم خاصة أنهم يحتاجون لتكوين خاص لمعرفة كيفية الإحاطة بهم وتوجيههم وضبطهم في حالات الهيجان التي تصيبهم والتي تتسبّب أحيانا كثيرة في إلحاقهم الأذى الجسدي بأنفسهم كالسقوط على الرأس.
وبحسب رئيس الجمعية التونسية للنهوض بالصحة النفسية شمس الدين حمودة، أنجزت في تونس آخر إحصائية عن التوحد سنة 2006، وتركزت الدراسة التي أنجزها المستشفى الجامعي في المنستير على مدينتي المنستير والقيروان وكشفت أن هناك مصابا بالتوحد من كل مئة طفل.
يتمثل مرض التوحد أساسا في اضطرابات دماغية وسلوكية تؤدي بالطفل إلى عدم القدرة على التواصل المجتمعي والعاطفي وإقامة علاقات مع المحيطين به.
من الناحية العلمية والتربوية أثبتت التجارب أن الاهتمام بالأطفال المتوحدين يحتاج إسناد مربية لكل طفل أو اثنين على أقصى تقدير. وهي مسألة تحتاج من الدولة رصد تمويلات ضخمة لتوفير مراكز وإطارات مختصة.
إن الأمهات والآباء الذين لهم أبناء من ذوي الإعاقات يعانون كثيرا في حياتهم اليومية وهي مسألة ترهقهم وتصيبهم في أحيان كثيرة بالإحباط واليأس.
ويعد توفير الدولة لمراكز إدماج ورعاية الأطفال المتوحدين ضرورة أساسية تساهم في دعم الوالدين وتخفيف الحمل عنهما حتى يجدوا وقتا للعمل والقيام بأعباء الحياة اليومية فضلا عن رعاية أطفالهم الأصحاء، هذا من جهة. ومن جهة ثانية فإن الطفل المصاب بالتوحد لا تنتفي إنسانيته وهو بحاجة كأي طفل سليم للرعاية والإحاطة، بحاجة للعب، بحاجة لإشراف يمكنه من تطوير مهاراته في النطق والكلام والتركيز والتفاعل مع المحيط الخارجي وضبط سلوكه.
لكن في بلادنا، الدولة مستقيلة من رعاية الأطفال أصحاء أو مرضى! فلا توجد أي مراكز حكومية لمرضى التوحد بل فقط بضعة مراكز خاصة تعمل بصفة عشوائية خارج القانون (حسب تقرير أجراه موقع الجزيرة الإلكتروني 2018) وعادة ما تكون تكاليفه مجحفة وخارج قدرة أولياء الأمور، فضلا عن التجاوزات التي نسمع بها من حين إلى آخر عن سوء المعاملة الذي يصل إلى حد التعذيب والأذى من المشرفين على الأطفال المتوحدين في هذه المراكز نظرا لعدم الأهلية ولاستقالة الدولة من دورها في المراقبة تهربا من الإنفاق والمصاريف، حتى إنه لا توجد أي إحصائية حديثة عن مرضى التوحد، وهذا دليل عن أن هذه الفئة من الطفولة ساقطة من حساب الدولةّ فهي لا تستطيع أن تتاجر بقضية الطفل المتوحد – كما عهدناها بغرض تمرير أجندات وقيم علمانية تعتدي على عقيدة الإسلام – بل تتحاشى مجرد ذكر الموضوع لأنه سيكون إدانة كافية ضدها.
ختاما أذكر هذه الحادثة التي شهدتُها في فعالية أشرفت عليها المنظمة الأمريكية “المؤسسة الدولية للنظم الديمقراطية” تحت عنوان “إدماج ذوي الاحتياجات الخاصة في خدمة الديمقراطية 2019″، وفي معرض كلمة وزير الشؤون الاجتماعية السابق قال: “لقد طبقنا طريقة بريل لفاقدي حاسة السمع حتى يتمكنوا من ممارسة حقهم الانتخابي وذلك خدمة للديمقرطية وانتخابات تونس 2019” فردت عليه أم لثلاثة أطفال من ذوي الإعاقة: “أنت آخر همك ذوي الإعاقة فأنت لا تفرق أن طريقة بريل جُعلت لفاقدي البصر وليس لفاقدي السمع”! ثم تحدثت عن عدم قيام الوزارة بتوفير التزاماتها من المساعدات والدعم المادي والأدوات المدرسية للأطفال من هذه الفئة والحال أن السنة الدراسية انطلقت… وبعد أخذ وردّ انتهى النقاش بغضب الوزير وابتعاده ملوحاً بيده بحدة في وجه الأم متجاهلا بل محتقرا معاناتها حتى بكلمة نفاق!!
هكذا هي الدولة تعمل على إدماج الضعيف والمحتاج والمقهور والمظلوم خدمة لديمقراطيتها ولعلمانيتها، أما خدمة ذوي الإعاقة فهي آخر همها.
لكم الله أيها الآباء والأمهات فمصابكم مُصابان: ابتلاء الطفل المتوحد وبلاء الدولة المتوحدة مع علمانيتها المقيتة.
آخر الكلام، إن كنتم تريدون حقا تغيير واقعكم فإنه والله لا حل لكم إلا بدولة الإسلام؛ الخلافة على منهاج النبوة، فيها يتحقق العدل والقسط، ويأمن فيها الطفل ويهنأ بصباه ويزدهر.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
هاجر بالحاج حسن