تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”
الحلقة المـائة وعشر
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على إمام المتقين, وسيد المرسلين, المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, واجعلنا معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المسلمون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق: عنوان حلقتنا لهذا اليوم هو: “طوبى للغرباء، الذين يصلحون ما أفسد الناس”.
عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن لله عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء, يغبطهم الشهداء والنبيون يوم القيامة لقربهم من الله تعالى ومجلسهم منه, فجثا أعرابي على ركبتيه، فقال: يا رسول الله، صفهم لنا وحلهم لنا. قال: قوم من أفناء الناس من نزاع القبائل تصادقوا في الله وتحابوا فيه، يضع الله عز وجل لهم يوم القيامة منابر من نور يخاف الناس ولا يخافون، هم أولياء الله عز وجل الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون”. رواه الحاكم في المستدرك.
وروى أحمد أن أبا مالك الأشعري جمع قومه فقال: “يا معشر الأشعريين اجتمعوا واجمعوا نساءكم، وأبناءكم أعلمكم صلاة النبي” وقال: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قضى صلاته أقبل إلى الناس بوجهه فقال: يا أيها الناس اسمعوا واعقلوا، واعلموا أن لله عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم، النبيون والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله. فجثى رجل من الأعراب من قاصية الناس، وألوى بيده إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله ناس من الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله انعتهم لنا حلمهم لنا، يعني صفهم لنا، شكلهم لنا فسر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لسؤال الأعرابي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم ناس من أفناء الناس ونوازع القبائل لم تصل بينهم أرحام متقاربة تحابوا في الله وتصافوا، يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور فيجلسهم عليها فيجعل وجوههم نورا، وثيابهم نورا، يفزع الناس يوم القيامة ولا يفزعون، وهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
وروى الطبراني عن أبي مالك الأشعري، قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية: {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} (المائدة101) قال: فنحن نسأله، إذ قال: “إن لله عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيون والشهداء بقربهم ومقعدهم من الله عز وجل يوم القيامة”. قال: وفي ناحية القوم أعرابي، فقام فجثا على ركبتيه ورمى بيديه، ثم قال: حدثنا يا رسول الله عنهم من هم؟ قال: فرأيت وجه النبي صلى الله عليه وسلم ينتشر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “عباد من عباد الله من بلدان شتى, وقبائل من شعوب أرحام القبائل، لم يكن بينهم أرحام يتواصلون بها لله، لا دنيا يتبادلون بها، يتحابون بروح الله عز وجل، يجعل الله وجوههم نورا، يجعل لهم منابر من لؤلؤ قدام الرحمن تعالى، يفزع الناس ولا يفزعون، ويخاف الناس ولا يخافون”.
وأخرج الطبراني عن عمرو بن عبسة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين رجال ليسوا بأنبياء ولا شهداء, يغشي بياض وجوهم نظر الناظرين, يغبطهم النبيون والشهداء بمقعدهم وقربهم من الله قيل: يا رسول الله من هم قال: هم جماع من نوازع القبائل يجتمعون على ذكر الله تعالى فينتقون أطايب الكلام كما ينتقي آكل الثمر أطايبه”.
وأخرج الطبراني عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ليبعثن الله أقواما يوم القيامة في وجوههم النور على منابر اللؤلؤ يغبطهم الناس, ليسوا بأنبياء ولا شهداء، فقال أعرابي: يا رسول الله صفهم لنا نعرفهم قال: هم المتحابون في الله من قبائل شتى, وبلاد شتى يجتمعون على ذكر الله يذكرونه”.
وردت هذه الصفة بلفظ: “تصادقوا في الله وتحابوا فيه” عند الحاكم من حديث ابن عمر السابق, وعند أحمد من حديث أبي مالك الأشعري بلفظ: “لم تصل بينهم أرحام متقاربة تحابوا في الله وتصافوا” وعند الطبراني من حديث أبي مالك أيضا بلفظ: “لم يكن بينهم أرحام يتواصلون بها لله، لا دنيا يتباذلون بها، يتحابون بروح الله عز وجل”. وعند الطبراني من حديث عمرو بن عبسة بإسناد قال عنه الهيثمي: رجاله موثقون. وقال المنذري: لا بأس به قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “… هم جماع من نوازع القبائل يجتمعون على ذكر الله تعالى فينتقون أطايب الكلام كما ينتقي آكل الثمر أطايبه”. والاجتماع على ذكر الله غير الاجتماع لذكر الله، فالأول يعني أنه رابطة تربطهم سواء أكانوا جلوسا معا أم متفرقين. بينما الاجتماع للذكر ينتهي بانتهائه. فهم المتحابون في الله من قبائل شتى وبلاد شتى يجتمعون على ذكر الله. أي أن الرابط بينهم ذكر الله، وهو روح الله الوارد في الأحاديث السابقة. ينالون هذه المرتبة دون أن يكونوا شهداء؛ لأن الشهداء يغبطونهم، وهذا لا يعني أنهم أفضل من الأنبياء والشهداء، بل هذه ميزة تميزوا بها، وهي لا تجعلهم أفضل كما مر. وقد اتفقت جميع الروايات على نفي النبوة والشهادة عنهم، وإنما نالوا هذه المرتبة بهذه الصفات. هذه بعض حليتهم، أما منزلتهم عند الله فقد بينتها الأحاديث السابقة، ولا حاجة للتكرار، ومن تدبرها كان حريا أن يسارع إلى حجز منبر قدام الرحمن تعالى، لعله سبحانه يرحم غربته, ويحقق رغبته!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد أحمد النادي