تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”
الحلقة المـائة وثماني عشرة
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على إمام المتقين, وسيد المرسلين, المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, واجعلنا معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المسلمون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق: عنوان حلقتنا لهذا اليوم هو: ” كيف يفكر الناجح؟ وكيف يفكر الفاشل؟”.
في الحلقة السابقة قدمت لكم سبعة فروق تميز تفكير الناجح عن تفكير الفاشل، وإليكم الآن سبعة فروق أخرى, وأدعوكم إلى التأمل فيها بعمق، ثم إلى تغيير نمط تفكيركم لينسجم مع تفكير الناجحين, وليتنافر مع تفكير الفاشلين.
أولا: الناجح لديه أحلام يحققها، والفاشل لديه أوهام وأضغاث أحلام يبددها: حاول المقوقس خداع عمرو بن العاص رضي الله عنه لما حاصره، فأمر الرجال أن يقوموا بسلاحهم مقبلين بوجوههم إلى الخارج أي إلى المسلمين، وأمر النساء أن يقمن على أسوار نابليون مقبلات بوجوههن إلى الداخل؛ ليكثروا عددهم فيرهبوا المسلمين. فأرسل إليه عمرو بن العاص رضي الله عنه ليعلن عليه حربا نفسية ذكية هي أشد مما سعى إليه، حيث كتب له: إنا قد رأينا ما صنعت، وما بالكثرة غلبنا، فلقد لقينا هرقل قبلكم فكان من أمره ما كان. فلما وصل الكتاب إلى المقوقس كان له أثر عميق في نفسه، فقال لأصحابه: صدق هؤلاء القوم، أخرجوا ملكنا من مملكته حتى أدخلوه القسطنطينية، فنحن أولى بالإذعان.
ثانيا: الناجح يرى في العمل أملا، والفاشل يرى في العمل ألما.
ثالثا: الناجح ينظر إلى المستقبل ويتطلع لما هو ممكن، والفاشل ينظر إلى الماضي ويتطلع لما هو مستحيل.
رابعا: الناجح يختار ما يقول، والفاشل يقول دون أن يختار: سخط هارون الرشيد على حميد الطوسي فدعا له بالسيف والنطع، فبكى، فقال: ما يبكيك؟ قال: والله ما أفزع من الموت؛ فإنه لا بد واقع، وإنما بكيت أسفا على خروجي من الدنيا وأمير المؤمنين ساخط علي، فضحك هارون وعفا عنه.
خامسا: الناجح يناقش بقوة ولكن بلغة لطيفة، والفاشل يناقش بضعف ولكن بلغة فظة.
سادسا: الناجح يتمسك بالقيم ويتنازل عن الصغائر، والفاشل يتشبث بالصغائر ويتنازل عن القيم.
سابعا: الناجح يصنع الأحداث، والفاشل تصنعه الأحداث: فقد روي أن رجلا قصد الحج فاستودع إنسانا مالا، فلما عاد طلبه منه، فجحده المستودع، فأخبر بذلك القاضي إياس بن معاوية، فقال: أعلم بأنك قد جئتني، قال: لا، فقال: عد إلي بعد يومين، ثم إن القاضي إياسا بعث إلى ذلك الرجل فأحضره، ثم قال له: قد تحصلت عندي أموال كثيرة لأيتام وغيرهم وودائع للناس وإني مسافر سفرا بعيدا، وأريد أن أودعها عندك لما بلغني من دينك, وتحصين منزلك، فقال الرجل: حبا وكرامة، قال إياس بن معاوية: فاذهب وهيئ موضعا للمال وقوما يحملونه. فذهب الرجل وجاء صاحب الوديعة، فقال له القاضي إياس: امض إلى صاحبك، وقل له: ادفع إلي مالي وإلا شكوتك للقاضي إياس، فلما جاء وقال له ذلك، دفع إليه ماله واعتذر إليه، فأخذه وأتى إلى القاضي إياس وأخبره. ثم بعد ذلك أتى الرجل ومعه الحمالون لطلب الأموال التي ذكرها له القاضي، فقال له القاضي بعد أن أخذ الرجل ماله منه: بدا لي ترك السفر، امض لشأنك لا أكثر الله في الناس مثلك.
وبعد: فهذه هي صفات الناجحين عضوا عليها بالنواجذ، كما أن هذه هي صفات الفاشلين، تعلموها, ولكن فروا منها واحذروا أن تمارسوها.
تم الكلام وربنـا محمود وله المكارم والعلا والجود
وعلى النبي محمد صلواته ما رف طير وأورق عود
سبحان ربك رب العزة عما يصفون
وسلام على المرسلين, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
بهذه الحلقة أكون قد أنهيت تأملاتي في كتاب “من مقومات النفسية الإسلامية, فإن أحسنت ووفقت فمن الله تعالى وحده, وإن أسأت وخيبت فمن نفسي ومن الشيطان, وإن كانت الأولى فلله الحمد والمـنة, وإن كانت الثانية؛ فأرجو منه سبحانه العفو والغفران, ومن إخواني المؤمنين الذين جشمتهم قراءة وسماع تأملاتي الدعوة لي بالمغفرة والرضوان, والله أسأل أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم, وأن ينفعني به يوم الدين, يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم, وأن ينفع به المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها, وأن يجعلنا وإياهم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه. “اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه”.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم الفقير إلى عفو الله تعالى ومغفرته ورضوانه
محمد أحمد النادي