إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
أضواء على كتاب النظام الاقتصادي (ح1)
إعداد وتنسيق
الأستاذ محمد أحمد النادي
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
الحَمْدُ للهِ خَالِقِ الخَلْقِ وَبَاسِطِ الرِّزْق, الذِي خَلَقَ الخَلْقَ بِقُدرَتِه, وَبَسَطَ الرِّزقِ لِعِبَادِه بِرَحمَتِه, وَأسبَغَ عَلَيهِمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَة, بِعَظِيمِ مَنِّهِ وَفَضْلِه وَكَرَمِه, خَلَقَ الأرضَ وَقَدَّرَ فِيهَا أقْواتَهَا التِي تَكفِي جَمِيعَ خَلائِقِه, قَالَ سُبحَانَه: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ). (فصلت9-10)
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: سَنَكُونُ مَعَكُمْ عَلَى مَدَارِ حَلْقَاتٍ عِدَّة, بِقَدْرِ مَا يَفتَحِ اللهُ بِهِ عَلَينَا فِي هَذَا الكِتَابِ الذي عُنوَانُهُ: “إرْوَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي فِي الإِسلامِ”. نَتَأَمَّلُ فِيهِ وَإِيَّاكُمْ كِتَابَ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ فِي الإِسلامِ لِمُؤَلِّفِهِ العَالِمِ الجَلِيلِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ, الذي مَلأَ عِلْمُهُ وَطَبَّقَ آفَاقَ الأرْضِ. ذَلِكَ الكِتَابُ الذِي يَظمَأُ إِلَى فَهْمِهِ كَثِيرٌ مِنَ الشَّبَابِ حَمَلَةِ الدَّعوَةِ؛ كَي يَستَطِيعُوا إِفهَامَهُ لِلنَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ عَلَى الوَجْهِ الأخَصِّ, وَأكثَرَ مِنْ أيِّ وَقْتٍ مَضَى؛ لأنَّ المَسألَةَ الاقتِصَادِيَّةَ أصبَحَتْ مِنَ المَسَائِلِ التِي تُؤَرِّقُ العَالَمَ بِأَسرِهِ, وَذَلِكَ بَعدَ انهيَارِ وَسُقوطِ النِّظَامِ الاشتِرَاكِيِّ وَمِنهُ الشُّيُوعِيُّ, وَسَيَتبَعُهُ فِي القَرِيبِ العَاجِلِ بِإذْنِ اللهِ سُقُوطُ النِّظَامِ الرَّأسِمَالِيِّ, وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيز, وَهَا نَحْنُ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ قَدْ بَدأنَا بِحَمْدِ اللهِ نَرَى المُؤَشِّرَاتِ وَنَسمَعَ المُبشِّرَاتِ التِي تُبَشِّرُ بِقُربِ سُقُوطِ النِّظَامِ الرَّأسِمَالِيِّ وَاندِحَارِه. فَلَم يَبقَ إلا النِّظَامُ الاقتِصَادِيُّ الإِسلامِيُّ لِيُخَلِّصَ البَشَرِيَّةَ مِنَ انحِطَاطِ الشُّيوعِيَّةِ وَجَورِ وَشُرُورِ الرَّأسِمَالِيَّة.
وَقَدِ اختَرْتُ هَذَا العُنوَانَ لِهَذَا الكِتَابِ: “إرْوَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي فِي الإِسلامِ”. لِيَدُلَّ عَلَى مُسَمَّاهُ: فَالإِرْوَاءُ هُوَ السَقْيُ. نَقُولُ: أَرْوَى غَنَمَهُ: سَقَاهَا إلَى أَنْ شَبِعَتْ. وَنَقُولُ: أَرْوَى عَطَشَهُ: أيْ شَرِبَ إِلَى أَنْ شَبِعَ. وأَرْوَى غَلِيلَهُ: أيْ أَشْبَعَهُ. وَالصَّادِي: شَدِيدُ العَطَشِ. نَقُولُ: وَجَدْتُهُ صَادِياً يَلْهَثُ: أي وَجَدْتُهُ شَدِيدَ العَطَشِ. وَالنَّمِيرُ مِنَ المَاءِ: الطَّيِّبُ النَّاجِعُ فِي الرِّيِّ. نَقُولُ: مَاءٌ نَمِيرٌ: أَيْ مَاءٌ نَافِعٌ عَذْبٌ. وَمَاءٌ نَمِيرٌ: طيّبٌ، سَلِسٌ، حُلْوُ المَذَاقِ.
لِذَا سَيَكُونُ مَنهَجُنَا بِمَشِيئَةِ اللهِ أَنْ نَقْرَأَ نَصًا مِنْ كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ لِلشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ, ثُمَّ نَذكُرُ لَكُم تَأمُّلاتِنَا حَولَ النَّصِّ الذِي قَرَأنَاهُ, وَسَنُرفِقُ مَعَهَا صُوَرًا وَرُسُومَاتٍ تَوضِيحِيَّةً تُرَكِّزُ الفِكرَةَ التِي أَرَادَ الشَّيخُ تَرسِيخَهَا فِي الأَذهَانِ.
أيها المؤمنون:
إِنَّ كِتَابَ “النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ فِي الإِسلامِ” ثَروَةٌ فِكرِيَّةٌ إِسلامِيَّةٌ نَفِيسَة، قَلَّ نَظِيرُهُ. فَهُوَ الكِتَابُ الأوَّلُ الذِي بَلوَرَ وَاقِعَ نِظَامِ الاقتِصَادِ فِي الإِسلامِ، فِي هَذَا العَصرِ، بَلوَرَةً وَاضِحَةً جَليَّةً. إِذْ بيَّنَ نَظرَةَ الإِسلامِ إِلَى الاقتِصَادِ وَغَايَتَهُ، وَكَيفِيَّةَ تَمَلُّكِ المَالِ، وَتَنمِيَتِهِ، وَكَيفيَّةَ إِنفَاقِهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ، وَكَيفِيَّةَ تَوزِيعِ الثَّروَةِ عَلَى أَفرَادِ المُجتَمَعِ، وَكَيفِيَّةَ إِيجَادِ التَّوَازُنِ فِيهِ. كَمَا بيَّنَ أنوَاعَ المُلكِيَّاتِ، مِنْ مُلكِيَّةٍ فَردِيَّةٍ، وَمُلكِيَّةٍ عَامَّةٍ، وَمُلكِيَّةِ دَولَةٍ، وَالمَالَ المُستَحَقَّ لِبَيتِ مَالِ المُسلِمِينَ، وَجِهَاتِ صَرْفِهِ.
كَمَا بيَّنَ أحْكَامَ الأرَاضِي، عُشْرِيَّةً وَخَرَاجِيَّةً، وَمَا يَجِبُ فِيهَا مِنْ عُشْرٍ أو خَرَاجٍ، وَكَيفِيَّةَ استِغلالِهَا وَإِحيَائِهَا وَإِقطَاعِهَا وَانتِقَالِهَا مِنْ مَالِكٍ إِلَى مَالِك. كَمَا تَعَرَّضَ لِلنُّقُودِ وَأنوَاعِهَا، وَمَا يَجرِي فِيهَا مِنْ رِبًا وَصَرْفٍ وَمَا يَجِبُ فِيهَا مِنْ زَكَاةٍ. وَجَعَلَ آخِرَ المَطَافِ فِيهِ التِّجَارَةَ الخَارِجِيَّةَ وَأحكَامَهَا. وَقَد كَانَ كِتَابُ اللهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهَ وَمَا أَرشَدَا إِلَيهِ مِنْ إِجمَاعِ صَحَابَةٍ وقِيَاسٍ, مَصدَرَهُ الوَحِيدَ فِي أَخذِ هَذِهِ الأَحكَامِ، وَلَمْ يَتَّخِذْ مَصدَرًا آخَرَ لأَخذِ هَذِهِ الأَحكَامِ الاقتِصَادِيَّة.
وَقَدْ جَاءَ الكِتَابُ بِمُقَدِّمَةٍ عَنْ وَاقِعِ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ الرَّأسِمَالِيِّ، وَالنِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ الاشتِرَاكِيِّ وَمِنهُ الشُّيُوعِيُّ، وَنَقَضَهُمَا وَبَيَّنَ فَسَادَهُمَا وَمُنَاقَضَتَهُمَا لأَحكَامِ نِظَامِ الاقتِصَادِ فِي الإِسلامِ. وَقَد رُوجِعَ الكِتَابُ قَبلَ إِعَادَةِ طَبعِهِ الطَّبعَةَ المُعتَمَدَةَ، وَنُقِّحَ، وَأُجرِيَتْ عَلَيهِ بَعضُ التَّصحِيحَاتِ القَلَيلَةُ، وَقَدْ بُذِلَتْ عِنَايَةٌ فَائِقَةٌ فِي مُرَاجَعَةِ جَمِيعِ الأَحَادِيثِ الوَارِدَةِ فِيهِ، وَقَد ثُبِّتَتْ حَسَبَ رِوَايَتِهَا فِي كُتُبِ الحَدِيثِ. وَقَد كَانَ لِهَذَا الكِتَابِِ الفَضلُ الكَبِيرُ فِي أنْ يُدرِِِِكَ المُسلِمُونَ فِي هَذَا العَصْرِِِِ نِِِِظَامَ الاقتِصَادِ فِي الإِسلامِ. وَاللهَ نَسْألُ أَنْ يَجعَلَ فَضلَهُ عَامًّا، وَأنْ يُمَكِّنَ المُسلِمِينَ مِنْ أنْ يَضَعُوا أحكَامَهُ مَوضِعَ التَّطبِيقِ وَالتَّنفِيذِ فِي دَولَةٍ تَحكُمُ فِيهِمْ بِمَا أنزَلَ اللهُ.
وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ مُستَمِعِينَا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِأَنَّ كِتَابَّ “النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ فِي الإِسلامِ” يُعَدُّ ثَروَةً فِكرِيَّةً إِسلامِيَّةً نَفِيسَةً قَلَّ نَظِيرُهُ وَذَلِكَ لِلأَسبَابِ الآتِيَةِ:
1. بيَّنَ وَاقِعَ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ الرَّأسِمَالِيِّ، وَالنِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ الاشتِرَاكِيِّ وَمِنهُ الشُّيُوعِيُّ.
2. نَقَضَ النِّظَامَينِ الرَّأسمَالِيِّ وَالاشتِرَاكِيِّ, وَبَيَّنَ فَسَادَهُمَا وَمُنَاقَضَتَهُمَا لأَحكَامِ نِظَامِ الاقتِصَادِ فِي الإِسلامِ.
3. بَلوَرَ وَاقِعَ نِظَامِ الاقتِصَادِ فِي الإِسلامِ، فِي هَذَا العَصرِ، بَلوَرَةً وَاضِحَةً جَليَّةً.
4. بيَّنَ نَظرَةَ الإِسلامِ إِلَى الاقتِصَادِ وَغَايَتَهُ.
5. بيَّنَ كَيفِيَّةَ تَمَلُّكِ المَالِ، وَتَنمِيَتِهِ.
6. بيَّنَ كَيفيَّةَ إِنفَاقِ المَالِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ.
7. بيَّنَ كَيفِيَّةَ تَوزِيعِ الثَّروَةِ عَلَى أَفرَادِ المُجتَمَعِ وَكَيفِيَّةَ إِيجَادِ التَّوَازُنِ فِيهِ.
8. بيَّنَ أنوَاعَ المُلكِيَّاتِ: مِنْ مُلكِيَّةٍ فَردِيَّةٍ، وَمُلكِيَّةٍ عَامَّةٍ، وَمُلكِيَّةِ دَولَةٍ.
9. بيَّنَ المَالَ المُستَحَقَّ لِبَيتِ مَالِ المُسلِمِينَ، وَجِهَاتِ صَرْفِهِ.
10. بيَّنَ أحْكَامَ الأرَاضِي، عُشْرِيَّةً وَخَرَاجِيَّةً، وَمَا يَجِبُ فِيهَا مِنْ عُشْرٍ أو خَرَاجٍ.
11. بيَّنَ كَيفِيَّةَ استِغلالِ الأَرَاضِي وَإِحيَائِهَا وَإِقطَاعِهَا وَانتِقَالِهَا مِنْ مَالِكٍ إِلَى مَالِك.
12. تَعَرَّضَ لِلنُّقُودِ وَأنوَاعِهَا، وَمَا يَجرِي فِيهَا مِنْ رِبًا وَصَرْفٍ وَمَا يَجِبُ فِيهَا مِنْ زَكَاةٍ.
13. بيَّنَ التِّجَارَةَ الخَارِجِيَّةَ وَأحكَامَهَا.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.