إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي تأملاتنا حول كتاب النظام الاقتصادي (ح4) إعداد وتنسيق الأستاذ محمد أحمد النادي
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
تأملاتنا حول كتاب النظام الاقتصادي (ح4)
إعداد وتنسيق
الأستاذ محمد أحمد النادي
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي وَمَعَ الحَلْقَةِ الرَّابِعَةِ, نَعرِضَ علَيكُمْ تَأمُّلاتِنَا حَوَلَ كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي لِلعَالِمِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. نَقُولُ وَبِاللهِ التَّوفِيقُ:
يُخَيَّلُ إِلَينَا أَنَّهُ حِينَ كَتَبَ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ كِتَابَهُ “النِّظَامَ الاقتِصَادِيَّ فِي الإِسلامِ” كَانَ يَنظُرُ بِنُورِ اللهِ تَعَالَى نَظْرَتَينِ اثنَتَينِ:
النَّظرَةَ الأُولَى: كَانَ يَنظُرُ نَظْرَةَ التِفَاتٍ إِلَى المَاضِي القَرِيبِ الذِي عَاشَهُ المُسلِمُونَ لأَخْذِ العِبرَةِ وَالعِظَةِ مِنهُ.
وَالنَّظرَةَ الثَّانِيَةَ: كَانَ يَنظُرُ إِلَى المستَقبَلِ البَعِيدِ الذي سَتَعِيشُهُ أُمَّةُ الإِسلامِ نَظرَةَ استِشرَافٍ, وَكَأنَّهُ يَرَى وَاقِعَنَا الذِي نَعِيشُ فِيهِ هَذِهِ الأيَّامَ! فَإِنَّ مَنْ رَأَى وَيَرَى الدَّمَارَ الهَائِلَ الذِي خَلَّفَتْهُ الآلَةُ العَسكَرِيَّةُ التِي عَاثَتْ فِي بِلادِ المُسلِمِينَ خَرَابًا فِي السَّنَوَاتِ القَلِيلَةِ المَاضِيَةِ, ابتِدَاءً بِأَرضِ أفغَانِستَانَ وَالشِّيشَانَ وَكَشمِيرَ وَالعِرَاقِ, وَمُرُورًا بِلِيبيَا أَرْضِ شَيخِ المُجَاهِدِينَ عُمَرَ المُختَارِ, وَانتِهَاءً بِأَرضِ الشَّامِ عُقرِ دَارِ الإِسلام, وَقَبلَ هَذَا وَذَاكَ الجُرحُ النَّازِفُ عَلَى أَرضِ فِلَسطِينَ مُنذُ أَكثَرَ مِنْ سِتَّةٍ وَسِتِّينَ عَامًا وَلَمْ يَندَمِلْ بَعدُ حَتَّى الآنَ! تِلْكَ الأَرضُ المُبَارَكَةُ التِي ارتَبَطَتْ ارتِبَاطًا وَثِيقًا بِعَقِيدَةِ المُسلِمِينَ, فَهِيَ أرضُ الإِسرَاءِ وَالمِعرَاجِ, أُولَى القِبلَتَينِ, وَثَانِي المَسجِدَينِ, وَثَالِثُ الحَرَمَينِ الشَّرِيفَينِ, مَنْ يَرَ ذَلِكَ الدَّمَارَ الهَائِلَ يَقُل: (لَنْ تَقُومَ لِلمُسلِمِينَ قَائِمَةٌ فِي هَذِهِ البُلدَانِ!), وَلَكِنَّ مَنْ يَقْرَأْ قَولَ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ يَشعُرْ بِالطُّمَأنِينَةِ تَمْلأُ قَلْبَهُ عَلَى مُستَقبَلِ الإِسلامِ وَأَهلِهِ!
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: إِنَّ الأَفكَارَ فِي أَيَّةِ أُمَّةٍ مِنَ الأُمَمِ هِيَ أَعظَمُ ثَروَةٍ تَنَالُهَا الأُمَّةُ فِي حَيَاتِهَا إِنْ كَانَتْ أُمَّةً نَاشِئَةً، وَأَعظَمُ هِبَةٍ يَتَسَلَّمُهَا الجِيلُ مِنْ سَلَفِهِ إِذَا كَانَتِ الأُمَّةُ عَرِيقَةً فِي الفِكْرِ المُستَنِيرِ! أَنَّهُ إِذَا دُمِّرَتْ ثَروَةُ الأُمَّةِ المَادِّيَةِ فَسُرعَانَ مَا يُعَادُ تَجدِيدُهَا، مَا دَامَتِ الأُمَّةُ مُحتَفِظَةً بِثَروَتِهَا الفِكرِيَّةِ. أَمَّا إِذَا تَدَاعَتِ الثَّروَةُ الفِكرِيَّةُ، وَظَلَّتِ الأُمَّةُ مُحتَفِظَةً بِثَروَتِهَا المَادِيَّةِ فَسُرعَانَ مَا تَتَضَاءَلُ هَذِهِ الثَّروَةُ، وَتَرتَدُّ الأُمَّةُ إِلَى حَالَةِ الفَقْرِ!
وَمِنْ هُنَا كَانَ لا بُدَّ مِنَ الحِرْصِ عَلَى الأَفكَارِ أَوَّلاً. وَعَلَى أَسَاسِ هَذِهِ الأَفكَارِ, وَحَسَبَ طَرِيقَةِ التَّفكِيرِ المُنتِجَةِ تُكْسَبُ الثَّروَةُ المَادِّيةُ, وَيُسعَى لِلوُصُولِ إِلَى المُكتَشَفَاتِ العِلْمِيَّةِ وَالاختِرَاعَاتِ الصِّناعِيَّةِ وَمَا شَاكَلَهَا.
وَفِي هَذَا المَقَامِ نَقُولُ: عَلَينَا نَحْنُ المُسلِمِينَ أَنْ نَعتَنِيَ بِالقَاعِدَةِ الفِكْرِيَّةِ أَيْ بِالعَقِيدَةِ الإِسلامِيَّةِ, فَإِنَّ الأُمَّةَ التِي يَجتَاحُهَا عَدُوُّهَا فَيَهدِمُ مَصَانِعَهَا وَعُمرَانَهَا وَجَيشَهَا, وَالقَاعِدَةُ الفِكْرِيَّةُ لَدَيهَا سَلِيمَةٌ, لا تَفتَأُ أَنْ تَعُودَ أَقوَى مِمَّا كَانَتْ! وَإِنَّ أُمةً لَيسَتْ لَدَيهَا القَاعِدَةُ الفِكرِيَّةُ, أي لَيْسَتْ لَدَيهَا العَقِيدَةُ الصَّحِيحَةُ إِنِ اجتَاحَهَا عَدُوُّهَا سَتَندَثِرُ وَسَيَمُرُّ التَّارِيخُ لِيَقُولَ: إِنَّ أمَّةً كَانَتْ هُنَا ثُمَّ ذَهَبَتْ! عَلَينَا أَنْ نَقِفَ سَدًّا مَنِيعًا أَمَامَ التَّيارَاتِ المُلحِدَةِ, وَأَفكَارِ الكُفْرِ كَالاشتِرَاكِيَّةِ وَالشُّيُوعِيَّةِ, وَالرَّأسِمَالِيَّةِ, وَالقَومِيَّةِ, وَالوَطَنِيَّة, وَالإِقلِيمِيَّةِ, وَالدِّيمُقرَاطِيَّةِ, وَالمَدَنِيَّةِ وَالعِلْمَانِيَّةِ وَمَا شَاكَلَهَا!
عَلَينَا أَنْ نَجعَلَ الإِسلامَ مِحْوَرَ تَفكِيرِنَا وَاهتِمَامِنَا وَأَنْ يَكُونَ مَادَّةَ فِكْرِنَا فِي مَنَاهِجِ تَعلِيمِنَا! عَلَينَا أَنْ نَسعَى جَاهِدِينَ لإِقَامَةِ دَولَةِ الإِسلامِ؛ لأَنَّ إِقَامَتَهَا فَرْضٌ فِي عُنُقِ كُلِّ مُسلِمٍ, مِصدَاقاً لِقَولِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ وَلَيسَ فِي عُنُقِهِ بَيعَةٌ, مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً». وَالبَيعَةُ لا تَكُونُ إِلاَّ لِلخَلِيفَةِ أَي لِلحَاكِمِ المُسْلِمِ!
وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ مُستَمِعِينَا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِدَولَةُ الإِسلامِ التِي نَسعَى وَنَعْمَلُ جَادِّينَ وَجَاهِدِينَ لإِقَامَتِهَا إِنَّهَا دَولَةُ الخِلافَةِ!
- دولَةُ الخِلافَةِ التِي يُخَاطِبُ خَلِيفَتُهَا أَفرَادَ رَعِيَّتِهِ قَائِلاً لَهُمْ: (إِذَا غِبْتُمْ فِي البُعُوثِ, فَأَنَا أَبُو العِيَالِ حَتَّى تَرجِعُوا!).
- دولَةُ الخِلافَةِ التِي يَقُولُ خَلِيفَتُهَا لأَفرَادِ رَعِيَّتِهِ وَهُوَ فِي المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ: (لَو أَنَّ شَاةً أَو بَغلَةً فِي أرْضِ العِرَاقِ عَثَرَتْ لَسَأَلَنِي اللهُ عَنهَا يَومَ القِيَامَةِ: لِمَ لَمْ تُسَوِّ لَهَا الطَّرِيقَ؟!).
- دولَةُ الخِلافَةِ التِي يَسهَرُ خَلِيفَتُهَا عَلَى رَاحَةِ المُسلِمِينَ, يَحْرُسُهُمْ وَيَتَفَقَّدُ بِنَفسِهِ أَحوَالَهُمْ, فَيُطعِمُ جَائِعَهُمْ وَيَكْسُو عَارِيَهُمْ!
- دولَةُ الخِلافَةِ التِي لا يَشبَعُ خَلِيفَتُهَا مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ حَتَّى يَشبَعَ مِنهُ كُلُّ المُسلِمِينَ!
- دولَةُ الخِلافَةِ التِي يَشتَرِي خَلِيفَتُهَا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ مَظلَمَةً ظَلَمَ بِهَا أَحَدِ أَفرَادِ رَعِيَّتِهِ وَهُوَ لا يَعلَمُ, ثُمَّ يَطلُبُ رِقْعَةً يَكتُبُ فِيهَا وَثِيقَةً بِذَلِكَ فَلَمْ يَجِدْ، فَيَقطَعُ قِطْعَةً مِنْ ثَوبِهِ, وَيأمُرُ وَلَدَهُ قَائِلاً: (إِذَا أَنَا مِتُّ فَضَعُوا هَذِهِ الوَثِيقَةَ فِي كَفَنِي حَتَّى أَلقَى اللهَ تَعَالَى فَتَكُونَ حُجَّتِي!).
- دولَةُ الخِلافَةِ التِي يَقُولُ خَلِيفَتُهَا مُخَاطِبًا أَمعَاءَ بَطنِهِ حِينَ كَانَ بَطنُهُ يُحْدِثُ أَصوَاتًا مِنْ كَثرَة مَا أَكَلَ خُبزًا مَأدُومًا بِالزَّيتِ: “قَرقِرِي أو لا تُقَرقِرِي، لَنْ تَذُوقِي اللَّحْمَ حَتَّى يَشبَعَ أطفَالُ المُسلِمِينَ!”.
- دولَةُ الخِلافَةِ التِي يُخَاطِبُ خَلِيفَتُهَا السَّحَابَةَ وَهِي في السَّمَاءِ قَائِلاً: (شَرِّقِي أَو غَرِّبِي, أَمطِري حَيثُ شِئْتِ, فَإِنَّ خَرَاجَكِ رَاجِعٌ إِلَيَّ!).
- دولَةُ الخِلافَةِ التِي يَأمُرُ خَلِيفَتُهَا جُنُودَهُ وَعَسَاكِرَهُ قَائِلاً: (انثُرُوا القَمْحَ فَوقَ رُؤُوسِ الجِبَالِ حَتَّى لا يُقَالَ: جَاعَتِ الطُّيُورَ فِي بِلادِ المُسلِمِينَ!). وَنحْنُ فِي خِتَامِ القَولِ نَقُولُ: “لَنْ تَذُوقَ أُمَّتُنَا طَعْمَ النَّصْرِ إِلاَّ بِأَمثَالِ هَؤُلاءِ الخُلَفَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ أَجمَعِينَ!”.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.