مع الحديث الشريف – عصموا مني دماءهم
روى مسلم في صحيحه رحمه الله
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيَّ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ لَأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَا أَحْبَبْتُ الْإِمَارَةَ إِلَّا يَوْمَئِذٍ قَالَ فَتَسَاوَرْتُ لَهَا رَجَاءَ أَنْ أُدْعَى لَهَا قَالَ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا وَقَالَ امْشِ وَلَا تَلْتَفِتْ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ قَالَ فَسَارَ عَلِيٌّ شَيْئًا ثُمَّ وَقَفَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ فَصَرَخَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى مَاذَا أُقَاتِلُ النَّاسَ قَالَ قَاتِلْهُمْ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ مَنَعُوا مِنْكَ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ. رواه مسلم
قَوْلُهُ: ( فَتَسَاوَرْتُ لَهَا) مَعْنَاهُ تَطَاوَلْتُ لَهَا، أَيْ حَرَصْتُ عَلَيْهَا، أَيْ أَظْهَرْتُ وَجْهِي، وَتَصَدَّيْتُ لِذَلِكَ لِيَتَذَكَّرَنِي.
قَوْلُهُ: (فَمَا أَحْبَبْتُ الْإِمَارَةَ إِلَّا يَوْمئِذٍ) إِنَّمَا كَانَتْ مَحَبَّتُهُ لَهَا لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْإِمَارَةُ مِنْ مَحَبَّتِهِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَحَبَّتِهِمَا لَهُ، وَالْفَتْحُ عَلَى يَدَيْهِ.
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (امْشِ وَلَا تَلْتَفِتْ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ فَسَارَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَيْئًا، ثُمَّ وَقَفَ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ، فَصَرَخَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلَى مَاذَا أُقَاتِلُ النَّاسَ؟) َقِيلَ: يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا تَنْصَرِفُ بَعْدَ لِقَاءِ عَدُوِّكَ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ.
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ مَنَعُوا مِنْكَ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ)
الدُّعَاءُ إِلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْقِتَالِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا ذِكْرُ الْجِزْيَةِ وَقَبُولُهَا إِذَا بَذَلُوهَا، وَلَعَلَّهُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْجِزْيَةِ.
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَحِسَابُهُم عَلَى اللَّهِ): مَعْنَاهُ أَنَّا نَكُفُّ عَنْهُ فِي الظَّاهِرِ، وَأَمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ صَادِقًا مُؤْمِنًا بِقَلْبِهِ نَفَعَهُ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ، وَنَجَا مِنَ النَّارِ كَمَا نَفَعَهُ فِي الدُّنْيَا، وَإِلَّا فَلَا يَنْفَعُهُ، بَلْ يَكُونُ مُنَافِقًا مِنْ أَهْلِ النَّارِ. وَفِيهِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْإِسْلَامِ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُعْجِزَاتٌ ظَاهِرَاتٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “قَوْلِيَّةٌ وَفِعْلِيَّةٌ”، فَالْقَوْلِيَّةُ إِعْلَامُهُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ، فَكَانَ كَذَلِكَ. وَالْفِعْلِيَّةُ بُصَاقُهُ فِي عَيْنِهِ، وَكَانَ أَرْمَدَ، فَبَرَأَ مِنْ سَاعَتِهِ. وَفِيهِ فَضَائِلُ ظَاهِرَةٌ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَبَيَانُ شَجَاعَتِهِ، وَحُسْنِ مُرَاعَاتِهِ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحُبِّهِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَحُبِّهِمَا إِيَّاهُ.
إن الله سبحانه أرسل خاتم رسله عليه الصلاة والسلام بأكمل وأشمل وأتم رسالة سماوية وكلفه بالدعوة إلى الله عز وجل فقام بأمر ربه خير قيام فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة.
أخي المسلم:
والواجب على الدعاة إلى الله اتباع الرسول في نهجه والتأسي به فليس في الإسلام “إن الغاية تبرر الوسيلة” كما هو في الأنظمة الوضعية بل لا بد أن تكون الوسيلة مشروعة والغاية مشروعة. فرسول الله مارس الدعوة بنوعيها السري والعلني
وكان يدعو إلى العقيدة أولا ويوليها كل اهتمام لأنه بدون تصحيح العقيدة وتثبيتها في النفوس لا تستقيم الأعمال.
وإن تكثيف العبادة والصبر والثبات على الحق أقوى سلاح تتسلح به الدعوة، وما الابتلاء إلا سنة ربانية في طريق الدعوة إلى الله تعالى، ومهما وصل حال المسلمين من ضعف وغلبة الكفر لا يحل ترك الدعوة إلى الله وإعداد النفوس المؤمنة التي تتكاتف على حمل الحق ونشره بين الناس — وما انتفاش الباطل وهيمنته وتعذيبه للمؤمنين لا يكون إلا عند فَقْدِ الخليفة الذي يأمر بالجهاد، القوة الرادعة لقوى الشر والطغيان.
فالجهاد مرحلة حتمية من مراحل الدعوة إلى الله وهو الذي ينشرها ويعز شأنها ـ إن الجهاد قتال الكفار كافة حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ويخضعوا لحكم الإسلام.
والله سبحانه وتعالى قد ختم الدين بالدين الإسلامي وجعل الجهاد ذروة سنامه.
وكما تعلم الأمة الإسلامية أن الكفار يخافون أشد الخوف من عقيدة الجهاد ومن أجل ذلك يحاربونها بأساليب شيطانية
أحبتي بالله:-
كلنا يعلم أنه لا فلاح ولا نجاح لهذه الأمة إلا بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واستمداد العقائد والأحكام ومنهاج الحياة بكاملها منهما ونبذ المناهج البشرية المنحرفة والرايات الجاهلية التي ما زلنا نسمعها منذ سقوط الدولة العثمانية فكم سمعنا من دعوات قومية أو وطنية أو الدعوة لدولة مدنية فجهاد الكفار ومجالدتهم دين يتقرب فيه المسلمون إلى الله وهي عبادة من العبادات المشروعة في الإسلام بل ذروة سنامه كما أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم، وما أمر الخليفة بالجهاد إلا بسبب كفرهم لإنقاذهم من النار.
فنحمد الله أن أحكام ديننا تشمل كل نواحي الحياة وما يتعلق بها.
ونسأل الله أن يجعل غيرتنا لربنا وأن يملأ قلبنا بمحبته وينعم علينا بخليفة يعقد الألوية والرايات لجيوش الأمة يحبهم الله ورسوله يأمر فيطاع .
وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين