Take a fresh look at your lifestyle.

إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي قوانين المنفعة في المبدأ الرأسمالي (ح8)

 

إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
قوانين المنفعة في المبدأ الرأسمالي (ح8)

إعداد وتنسيق
الأستاذ محمد أحمد النادي

 

 

الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.

أيها المؤمنون:

السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّامِنَةِ نُتَابِعُ فِيهَا استِعرَاضَنَا مَا جَاءَ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى. وَحَدِيثُنَا عَنْ قَوَانِينِ المَنفَعَةِ فِي المَبدَأ الرَّأسِمَالِيِّ. نَقُولُ وَبِاللهِ التَّوفِيقُ:

يَقُولُ عَالِمُنَا الجَلِيلُ الشَّيخُ فَتْحِي سَلِيمْ – رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- فِي شَرْحِ وَتَبسِيطِ مُقَدِّمَةِ كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ في الإِسلامِ: “عِندَهُمْ تَعبِيرَاتٌ مِثلُ: (المَنفَعَةِ الحَدِّيةِ الهَامِشِيَّةِ) و(المَنفَعَةِ الكَامِلَةِ) و(القِيمَةِ الكُلِّيةِ) ثُمَّ (المنفَعَةِ الفَردِيَّةِ) و(المَنفَعَةِ الجَمَاعِيَّةِ).

المَنفَعَةُ هِيَ: خَاصَّةٌ فِي المَالِ تُزِيلُ الإِحسَاسَ بِالأَلَمِ، أو تُوَلِّدُ الإِحسَاسَ بِاللَّذَّةِ، أَو تُوجِدُ ظُرُوفًا لازِمَةً لِحُدُوثِ هَذِهِ النَّتَائِجِ. أو هِيَ بِتَعبِيرٍ آخَرَ: قُدرَةُ الشَّيءِ عَلَى إِشبَاعِ الحَاجَةِ. فَهِيَ عَلاقَةٌ بَينَ المَالِ وَالحَاجَةِ. فَالمَنفَعَةُ تَتَوَلَّدُ مَعَ الحَاجَةِ، وَتَنتَفِي بِانتِفَائِهَا. وَهِيَ عَلاقَةٌ يُدرِكُهَا الفَردُ، تَخضَعُ لِتَقدِيرِهِ, وَتَتَوقَّفُ عَلَى دَرَجَةِ حِرْمَانِ الشَّخصِ وَقْتَ الاستِعْمَالِ، فَتَزدَادُ بِازدِيَادِ الحِرْمانِ، وَتَنقُصُ بِنُقصَانِهِ، أي أَنَّهَا تَتَوَقَّفُ عَلَى أَهَمِّيةِ الحَاجَةِ بِالنِّسبَةِ لِلشَّخْصِ.

إِنَّ تَقدِيرَ الحَاجَةِ يَختَلِفُ مِنْ شَخصٍ إِلَى آخَرَ، تَبَعًا لِلظُّرُوفِ الاجتِمَاعِيَّةِ وَالعَادَاتِ وَالثَّقَافَةِ. وَلَكِنْ لا نَنفِي أَنَّ لِلمُجتَمَعِ دَورًا فِي تَكْوِينِ تَصَوُّرِ الفَردِ لِلمَنفَعَةِ. يُعَبِّرُونَ عَنهَا بِـ (قِيمَةِ الاستِعمَالِ) أو (مَنفَعَةِ الاستِهلاكِ) – وَذَلِكَ حِينَمَا نَكُونُ بِصَدَدِ المُقَابَلَةِ بَينَهَا وَبَينَ (قِيمَةِ الاستِبدَالِ) – وَعِندَئِذٍ استَعَاضُوا بِذَلِكَ بِتَعبِيرِ (المَنفَعَةِ). وَيَكفِي أنْ يَكُونَ المَالُ مَرغُوبًا فِيهِ لِقِيَامِ المَنفَعَةِ، بِصَرفِ النَّظَرِ عَنْ كَونِهَا مُتَّفِقَةً مَعَ الأَخلاقِ وَالصَّحَّةِ، أَو غَيرَ مُتَّفِقَةٍ مَعَ الأَخلاقِ وَالصِّحَّةِ، وَلا يُؤَثِّرُ عَدَمُ الاتِّفَاقِ هَذَا فِي تَكوِينِ القِيمَةِ عِندَهُمْ. وَقَد تَكُونُ المَنفَعَةُ مُبَاشِرَةً، وَهِيَ التِي تَحصُلُ مِنْ سِلَعِ الاستِهلاكِ، كَمَا قَد تَكُونُ غَيرَ مُبَاشِرَةٍ، وَهِيَ التِي تَحصُلُ عَلَيهَا مِنْ سِلَعِ الإِنتَاجِ أي مِنَ السِّلَعِ الوَسِيطَةِ كَالمُنشَآتِ وَالآلاتِ وَالأَموَالِ غَيرِ المُبَاشِرَةِ مِثلُ: السَّنَدَاتِ”. وَيَجدُرُ بِنَا قَبلَ الحَدِيثِ عَنْ قَوَانِينِ المَنفَعَةِ فِي المَبدَأ الرَّأسْمَالِيِّ أَنْ نُوَضِّحَ المَقصُودَ بِالمُصطَلَحَينِ الآتِيَينِ وَهُمَا:

 

المنفَعَةُ الكُليَّةُ, وَالمَنفَعَةُ الحَدِيَّةُ:

المَنفَعَةُ الكُليَّةُ: هِيَ مَجمُوعُ المَنَافِعِ التِي يَحصُلُ عَلَيهَا المُستَهلِكُ مِنْ جَمِيعِ الوِحْدَاتِ المُستَهلَكَةِ. فَإِذَا أَكَلَ الفَردُ خَمْسَةَ أرْغِفَةٍ فِي اليَومِ, فَإِنَّ المَنفَعَةَ الكُليَّةَ هِيَ مَجْمُوعُ المَنَافِعِ التِي يَحصُلُ عَلَيهَا مِنْ هَذِهِ الأَرغِفَةِ الخَمْسَةِ.

المنفعة الحدية: قِيمَةُ مَنفَعَةِ الشَّيءِ تَتَلَخَّصُ فِي أَنَّ (قِيمَةَ مَنفَعَةِ أيَّةِ وِحْدَةٍ مِنْ شَيءٍ وَاحِدٍ تُقَدَّرُ بِمَنفَعَتِهِ النِّهَائِيَّةِ، أي بِمَنفَعَةِ الوِحْدَةِ التِي تُشبِعُ أَضعَفَ الحَاجَاتِ)، وَهَذَا مَا سَمَّوهُ نَظِرِيَّةَ (المَنفَعَةِ النِّهَائِيَّةِ أَوِ الحَدِّيةِ). أي أَنَّ المَنفَعَةَ لا تُقَدَّرُ بِحَسَبِ وُجْهَةِ نَظَرِ المُنتِجِ، فَتُقَدَّرَ بِتَكَالِيفِ إِنتَاجِهَا؛ لأنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ قَدْ رُوعِيَتْ فِيهَا وُجْهَةُ نَظَرِ العَرْضِ فَقَطْ دُونَ الطَّلَبِ، وَلا تُقَدَّرُ بِحَسَبِ وُجهَةِ نَظَرِ المُستَهلِكِ، فَتُقَدَّرَ بِمِقْدَارِ مَا فِيهَا مِنْ مَنفَعَةٍ، وَمِنْ شُعُورٍ بِالحَاجَةِ إِلَى هَذِهِ المَنفَعَةِ، مَعَ مُلاحَظَةِ عَامِلِ النُّدرَةِ؛ لأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ رُوعِيَتْ فِيهَا وُجهَةُ نَظَرِ الطَّلَبَ فَقَط دُونَ العَرْضِ. وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ تُرَاعَى فِيهَا وُجْهَةُ نَظَرِ العَرْضِ وَالطَّلَبِ مَعاً، فَتُؤخَذُ مَنفَعَتُهَا عِندَ آخِرِ حَدٍّ تُشبَعُ فِيهِ الحَاجَةُ – عِندَ آخِرِ حَدٍّ مِنْ إِشبَاعِهَا، أَي تُؤخَذُ قِيمَةُ الرَّغِيفِ عِندَ آخِرِ الجُوعِ لا عِندَ أوَّلِهِ، وَفِي وَقْتِ تَوَفُّرِ الخُبزِ عَادِياً فِي السَّوقِ، لا فِي وَقْتِ نُدرَتِهِ. هَذِهِ هِيَ قِيمَةُ المَنفَعَةِ.

 

قوانين المنفعة:

لاستِخلاصِ القَوَانِينِ التِي تَحكُمُ المَنفَعَةَ عِندَهُم نَفتَرِضْ كَمِّيةً مَحدُودَةً مِنْ نَوعٍ وَاحِدٍ (الخُبز مَثلاً) وَنَفتَرِضُ أَنَّ هَذِهِ الكَمِّيةَ تَنقَسِمُ إِلَى وِحْدَاتٍ مُتَسَاوِيَةٍ تَمَامًا، وَأَنَّ هَذِهِ الوِحْدَاتِ تُستَخْدَمُ عَلَى التَّوَالِي فِي إِشبَاعِ الحَاجَةِ إلى (الطَّعَامِ مَثلاً) فَلِكُلِّ وِحْدَةٍ مِنَ الخُبزِ مَنفَعَةٌ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الوِحْدَاتِ المُتَسَاوِيَةَ حِينَمَا تُستَهلَكُ عَلَى التَّوَالِي لإِشبَاعِ الحَاجَةِ، لا تُحَقِّقُ لِلمُستَهلِكِ المَنفَعَةَ نَفْسَهَا (أي القَدْرَ نَفسَهُ مِنَ الإِشبَاعِ).

وَلِتَوضِيحِ ذَلِكَ: نَفرِضُ أَنَّ شَخْصًا قَدِ استَهلَكَ خَمْسَ وِحْدَاتٍ مِنَ الخُبزِ عَلَى التَّوَالِي، فَتَكُونُ المَنَافِعُ التِي حَقَّقَهَا مِنْ هَذَا الاستِهلاكِ هِيَ مَثلاً: (ثَمَانٌ+ سَبعٌ+ سِتٌّ+ أربَعٌ+ وَاحِدَةٌ) وَمَجمُوعُ هَذِهِ المَنَافِعِ سِتٌّ وَعِشرُونَ مَنفَعَةً. وَنُلاحِظُ عَلَى ذَلِكَ مَا يَلي:

 

أولا: زِيَادَةَ المَنفَعَةِ الكُليَّةِ بِزِيَادَةِ الاستِهلاكِ، فَالمَنفَعَةُ الكُليَّةُ هِيَ مَجمُوعُ المَنَافِعِ التِي يَحصُلُ عَلَيهَا المُستَهلِكُ مِنْ جَمِيعِ الوِحْدَاتِ المُستَهلَكَةِ، فَهِيَ مَفعُولٌ طَردِيٌّ لِلاستِهلاكِ، تَنخَفِضُ بِانخِفَاضِهِ، وَتَرتَفِعُ بِارتِفَاعِهِ.

ثانيا: انخِفَاضَ المَنفَعَةِ الحَديَّةِ بِزِيَادَةِ الاستِهلاكِ، فَقَدْ لاحَظْنَا أنَّ المَنفَعَةَ الكُليَّةَ تَزدَادُ بِزِيَادَةِ الوِحْدَاتِ المُستَهلَكَةِ. وَنُلاحِظُ أَنَّ نِسبَةَ الزِّيَادَةِ فِي المَنفَعَةِ الكُليَّةِ يَأتِي نَتِيجَةً لاستِهلاكِ الوَحدَةِ الأَخِيرَةِ. بِعَكسِ ذَلِكَ نُلاحِظُ أَنَّ المَنفَعَةَ الحَديَّةَ تَمِيلُ إِلَى التَّنَاقُصِ مَعَ زِيَادَةِ الاستِهلاكِ، وَهَذِهِ الظَّاهِرَةُ تُعرَفُ (بِقَانُونِ تَنَاقُصِ المَنفَعَةِ الحديَّةِ) فَقَانُونُ تَنَاقُصِ المَنفَعَةِ مَعَ زِيَادَةِ الاستِهلاكِ يَنطَبِقُ بَدَاهَةً عَلَى المَنفَعَةِ الحديَّةِ لا الكُليَّةِ. وَهُوَ يَنطَبِقُ عَلَى مَنفَعَةِ المَالِ بِالنِّسبَةِ لِلمُستَهلِكِ، دُونَ أنْ يَنطَبِقَ عَلَى مَنفَعَةِ المَالِ فِي ذَاتِهِ، فَظَاهِرَةُ تَنَاقُصِ المَنفَعَةِ الحديَّةِ لا تَعُودُ إِلَى ذَاتِ المَالِ، لأَنَّ طَبِيعَةَ الأَشيَاءِ تَقضِي أَنْ تَكُونَ المَنفَعَةُ الذَّاتِيَّةِ لِلوِحْدَاتِ المُتَشَابِهَةِ مُتَسَاوِيَةً، وَإِنَّمَا تَعُودُ إِلَى ذَاتِ المُستَهلِكِ.

وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ مُستَمِعِينَا الكِرَامَ يُمكِنُ أن نُلَخِّصَ القَوَانِينَ التي تَحكُمُ المَنفَعَةَ كَالآتِي:

ارتفاع المنفعة الكلية انخفاض المنفعة الحدية

1. تَرتَفِعُ المَنفَعَةُ الكُلِّيةُ بِزِيَادَةِ الاستِهلاكِ . 3. تَنخَفِضُ المَنفَعَةُ الحَديَّةُ بِزِيَادَةِ الاستِهلاكِ.
2. المَنفَعَةُ الكُلِّيةُ تَتَنَاسَبُ طَردِيًا مَعَ الاستِهلاكِ. 4. المَنفَعَةُ الحَديَّةُ تَتَنَاسَبُ عَكْسِيًا مَعَ الاستِهلاكِ.

أيها المؤمنون:

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.