إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
الثمن والدور الذي يقوم به عند الرأسماليين (ح14)
إعداد وتنسيق
الأستاذ محمد أحمد النادي
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي, وَمَعَ الحَلْقَةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ, نُتَابِعُ فِيهَا استِعرَاضَنَا مَا جَاءَ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي (نِهَايَةِ صَفْحَة 20) لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ, وَحَدِيثُنَا عَنِ الثَّمَنِ وَالدَّورِ الَّذِي يَقُومُ بِهِ عِندَ الرَّأسِمَالِيِّينَ.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: وَقَد أُطلِقَ عَلَى نِسبَةِ استِبدَالِ الشَّيءِ بِالنُّقُودِ اسمُ (الثَّمَن). فَالثَّمَنُ هُوَ قِيمَةُ استِبدَالِ الشَّيءِ بِالنِّسبَةِ لِلنُّقُودِ. وَعَلَى ذَلِكَ يَكُونُ الفَرقُ بَينَ قِيمَةِ الاستِبدَالِ وَالثَّمَنِ، هُوَ أَنَّ قِيمَةَ الاستِبدَالِ هِيَ نِسبَةُ استِبدَالِ الشَّيءِ بِغَيرِهِ مُطلَقاً، سَوَاءٌ أَكَانَ نُقُودًا أم سلعًا أم خِدْمَاتٍ، أَمَّا الثَّمَنُ فَهُوَ قِيمَةُ استِبدَالِ الشَّيءِ بِالنُّقُودِ خَاصَّة. وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا أَنَّ أَثْمَانَ السِّلَعِ يُمكِنُ أَنْ تَرتَفِعَ كُلُّهَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَتَهبِطَ كُلُّهَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فِي حِينِ أنَّهُ يَستَحِيلُ أَنْ تَرتَفِعَ أَو تَهبِطَ قِيمَةُ استِبدَالِ كُلِّ السِّلَعِ بَعضِهَا بِبَعضٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ. وَكَذَلِكَ يُمكِنُ أنْ تَتَغَيَّرَ أَثْمَانُ السِّلَعِ مِنْ غَيرِ أنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ تَغَيُّرٌ فِي قِيمَةِ استِبدَالِهَا. وَعَلَى ذَلِكَ فَثَمَنُ السِّلْعَةِ هُوَ إِحدَى قِيَمِ هَذِهِ السِّلعَةِ، وَبِعِبَارَةٍ أُخرَى، هُوَ قِيمَةُ السِّلعَةِ بِالنِّسبَةِ لِلنُّقُودِ فَقَط. وَلَمَّا كَانَ الثَّمَنُ هُوَ إِحدَى القِيَمِ كَانَ طَبِيعِيًّا أنْ يَكُونَ هُوَ مِقيَاسُ كَونِ الشَّيءِ نَافِعاً أو غَيرَ نَافِعٍ، وَمِقيَاسُ دَرَجَةِ المَنفَعَةِ فِي الشَّيءِ. فَالسِّلعَةُ أوِ الخِدمَةُ تُعتَبَرُ مُنتِجَةً وَنَافِعَةً إِذَا كَانَ المُجتَمَعُ يُقَدِّرُ هَذِهِ السِّلعَةَ المُعَيَّنَةَ، أو الخِدْمَةَ المُعَيَّنَةَ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ، أَمَّا دَرَجَةُ المَنفَعَةِ لِهَذِهِ السِّلعَةِ أَوِ الخِدْمَةِ فَتُقَاسُ بِالثَّمَنِ الذِي تَقبَلُ جَمهَرَةُ المُستَهلِكِينَ دَفْعَهُ لِحِيَازَتِهَا، سَوَاءً أَكَانَتْ هَذِهِ السِّلعَةُ مِنَ المُنتَجَاتِ الزِّرَاعيَّةِ أَمِ الصِّناعِيَّةِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتِ الخِدمَةُ خِدْمَةَ تَاجِرٍ أَم شَرِكَةِ نَقْلٍ أَم طَبِيبٍ أم مُهَندِسٍ.
أمَّا الدَّورُ الذِي يَقُومُ بِهِ الثَّمَنُ فِي الإِنتَاجِ وَالاستِهلاكِ وَالتَّوزِيعِ فَذَلِكَ أَنَّ جِهَازَ الثَّمَنِ هُوَ الذِي يُقَرِّرُ أيَّ المُنتِجِينَ سَيَدخُلُ إِلَى حَلْبَةِ الإِنتَاجِ، وَأَيَّهُمْ سَيَظَلُّ بَعِيدًا عَنْ زُمرَةِ المُنتِجِينَ، بِنَفسِ الكَيفِيَّةِ التِي يُقَرِّرُ بِهَا أيَّ المُستَهلِكِينَ سَيَتَمَتَّعُ بِإِشبَاعِ حَاجَاتِهِ، وَأَيَّهُمْ سَتَظَلُّ حَاجَاتُهُ غَيرَ مُشبَعَةٍ. وَتَكَالِيفُ الإِنتَاجِ لِلسِّلعَةِ هِيَ العَامِلُ الرَّئِيسِيُّ الذِي يَحكُمُ عَرْضَهَا فِي السُّوقِ، وَالمَنفَعَةُ التِي فِي السِّلعَةِ هِيَ العَامِلُ الرَّئِيسِيُّ الذِي يَحكُمُ طَلَبَ السُّوقِ لَهَا، وَكِلاهُمَا يُقَاسُ بِالثَّمَنِ. لِذَلِكَ كَانَ بَحْثُ العَرْضِ وَالطَّلَبِ بَحثَينِ أَسَاسِيَّينِ فِي الاقتِصَادِ عِندَ الرَّأسْمَالِيِّينَ.
وَالمُرَادُ بِالعَرْضِ هُوَ عَرْضُ السُّوقِ، وَالمُرَادُ بِالطَّلَبِ هُوَ طَلَبُ السُّوقِ. وَكَمَا أَنَّ الطَّلَبَ لا يُمكِنُ تَعيِّينُهُ مِنْ غَيرِ ذِكْرِ الثَّمَنِ، فَكَذَلِكَ العَرْضُ لا يُمكِنُ تَقدِيرُهُ مِنْ غَيرِ الثَّمَنِ. إِلاَّ أَنَّ الطَّلَبَ يَتَغَيَّرُ بِعَكْسِ تَغَيُّرِ الثَّمَنِ، فَإِذَا زَادَ الثَّمَنُ قَلَّ الطَّلَبُ، وَإِذَا قَلَّ الثَّمَنُ زَادَ الطَّلَبُ. بِخِلافِ العَرْضِ فَإِنَّهُ يَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الثَّمَنِ، وَفِي اتِّجَاهِهِ، أي أنَّ العَرضَ يَزدَادُ بِارتِفَاعِ الثَّمَنِ وَيَقِلُّ بِهُبُوطِهِ. وَفِي كِلْتَا الحَالَتَينِ يَكُونُ لِلثَّمَنِ الأَثَرُ الأَكبَرُ فِي العَرْضِ وَالطَّلَبِ، أي يَكُونُ لَهُ الأَثَرُ الأَكبَرُ فِي الإنتَاجِ وَالاستِهلاكِ.
يُمكِنُ تَوضِيحُ مَسألَةِ العَرضِ وَالطَّلَبِ عِندَ الرَّأسمَالِيِّينَ مِنْ خِلالِ النِّقَاطِ السِّتِّ الآتِيَةِ:
1. العَرضُ وَالطَّلَبُ بَحثَانِ أسَاسِيَّانِ فِي الاقتِصَادِ عِندَ الرَّأسمَالِيِّينَ.
2. المُرَادُ بِالعَرضِ هُوَ عَرضُ السُّوقِ، وَالمُرَادُ بِالطَّلَبِ هُوَ طَلَبُ السُّوقِ.
3. الطَّلَبُ لا يُمكِنُ تَعيِينُهُ مِنْ غَيرِ الثَّمَنِ, وَالعَرضُ لا يُمكِنُ تَقدِيرُهُ مِنْ غَيرِ الثَّمَنِ.
4. يَتَغَيَّرُ الطَّلَب بِعَكسِ تَغَيُّرِ الثَّمَنِ: إِذَا زَادَ الثَّمَنُ قَلَّ الطَّلَبُ، وَإِذَا قَلَّ الثَّمَنُ زَادَ الطَّلَبُ.
5. يَتَغَيَّرُ العَرضُ بِتَغَيُّرِ الثَّمَنِ فِي اتِّجَاهِهِ: يَزدَادُ العَرضُ بِارتِفَاعِ الثَّمَنِ, وَيَقِلُّ بِهُبُوطِهِ.
6. فِي كِلْتَا الحَالَتَينِ يَكُونُ لِلثَّمَنِ الأَثَرُ الأَكبَرُ فِي العَرضِ وَالطَّلَبِ، أي فِي الإنتَاجِ وَالاستِهلاكِ.
وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ مُستَمِعِينَا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِأَبرَزِ الأفكَارِ التِي تَنَاوَلهَا مَوضُوعُنَا لِهَذَا اليَومِ:
1. الثَّمَنُ: هُوَ قِيمَةُ استِبدَالِ الشَّيءِ بِالنِّسبَةِ لِلنُّقُودِ.
2. الفَرقُ بَينَ قِيمَةِ الاستِبدَالِ وَالثَّمَنِ أَمرَانِ اثنَانِ:
أ. الثَّمَنُ هُوَ قِيمَةُ استِبدَالِ الشَّيءِ بِالنِّسبَةِ لِلنُّقُودِ خَاصَّةً.
ب. قِيمَةُ الاستِبدَالِ هِيَ نِسبَةُ استِبدَالِ الشَّيءِ بِغَيرِهِ مُطلَقاً.
3. يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الفَرقِ بَينَ الاستِبدَالِ وَالثَّمَنِ أمرَانِ اثنَانِ:
أ. أثمَانُ السِّلَعِ يُمكِنُ أنْ تَرتَفِعَ كُلُّهَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَتَهبِطَ كُلُّها فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.
ب. يُمكِنُ أنْ تَتَغَيَّرَ أثمَانُ السِّلَعِ مِنْ غَيرِ أنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ تَغَيُّرٌ فِي قِيمَةِ استِبدَالِهَا.
4. يَستَحِيلُ أَنْ تَرتَفِعَ أَو تَهبِطَ قِيمَةُ استِبدَالِ كُلِّ السِّلَعِ بَعضِهَا بِبَعضٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.
5. الثَّمَنُ هُوَ مِقيَاسُ كَونِ الشَّيءِ نَافِعاً أو غَيرَ نَافِعٍ, وَمِقيَاسُ دَرَجَةِ المَنفَعَةِ فِي الشَّيءِ.
6. دَرَجَةُ المَنفَعَةِ لِلسِّلعَةِ أوِ الخِدْمَةِ تُقَاسُ بِالثَّمَنِ الذِي تَقبَلُ جَمهَرَةُ المُستَهلِكِينَ دَفعَهُ لِحِيَازَتِهَا.
7. الدَورُ الَّذِي يَقُومُ بِهِ الثَّمَنُ فِي الإِنتَاجِ يَتَمَثَّلُ فِي أمرَينِ اثنَينِ:
أ- هُوَ الذِي يُقَرِّرُ أيَّ المُنتِجِينَ سَيَدخُلُ إِلَى حَلْبَةِ الإِنتَاجِ.
ب- وَهُوَ الذِي يُقَرِّرُ أَيَّهُمْ سَيَظَلُّ بَعِيدًا عَنْ زُمرَةِ المُنتِجِينَ.
8. الدَورُ الَّذِي يَقُومُ بِهِ الثَّمَنُ فِي الاستِهلاكِ يَتَمَثَّلُ فِي أمرَينِ اثنَينِ:
أ- هُوَ الذِي يُقَرِّرُ أيَّ المُستَهلِكِينَ سَيَتَمَتَّعُ بِإِشبَاعِ حَاجَاتِهِ.
ب- وَهُوَ الذِي يُقَرِّرُ أَيَّهُمْ سَتَظَلُّ حَاجَاتُهُ غَيرَ مُشبَعَةٍ.
9. الدَورُ الَّذِي يَقُومُ بِهِ الثَّمَنُ فِي التَّوزِيعِ يَتَمَثَّلُ فِي أمرَينِ اثنَينِ:
أ- تَكَالِيفُ الإِنتَاجِ لِلسِّلعَةِ هِيَ العَامِلُ الرَّئِيسِيُّ الذِي يَحكُمُ عَرْضَهَا فِي السُّوقِ.
ب- المَنفَعَةُ التِي فِي السِّلعَةِ هِيَ العَامِلُ الرَّئِيسِيُّ الذِي يَحكُمُ طَلَبَ السُّوقِ لَهَا.
10. تَكَالِيفُ الإِنتَاجِ, وَالمَنفَعَةِ كِلاهُمَا يُقَاسُ بِالثَّمَنِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الراشدة على منهاج النبوة في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.