إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
جهاز الثمن هو الحافز على الإنتاج (ح15)
إعداد وتنسيق
الأستاذ محمد أحمد النادي
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي, وَمَعَ الحَلْقَةِ الخَامِسَةَ عَشْرَةَ, نُتَابِعُ فِيهَا استِعرَاضَنَا مَا جَاءَ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي (صَفحَة 22) لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ, وَحَدِيثُنَا عَنِ جِهَازِ الثَّمَنِ عِندَ الرَّأسِمَالِيِّينَ.
جهاز الثمن:
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: وَجِهَازُ الثَّمَنِ عِندَهُمْ هُوَ الطَّرِيقَةُ المُثلَى لِتَوزِيعِ السِّلَعِ وَالخِدْمَاتِ عَلَى أَفرَادِ المُجتَمَعِ، ذَلِكَ أَنَّ المَنَافِعَ هِيَ نَتِيجَةُ المَجهُودَاتِ التِي يَبذُلُهَا الإِنسَانُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنِ الجَزَاءُ مُسَاوِيًا لِلعَمَلِ فَلا شَكَّ فِي أنَّ مُستَوَى الإِنتَاجِ يَنحَطُّ، وَعَلَى ذَلِكَ فَالطَّرِيقَةُ المُثلَى لِتَوزِيعِ السِّلَعِ وَالخِدْمَاتِ عَلَى أَفرَادِ المُجتَمَعِ هِيَ تِلْكَ التِي تَضْمَنُ الوُصُولَ إِلَى أَرفَعِ مُستَوىً مُمكِنٍ مِنَ الإِنتَاجِ.
وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ طَرِيقَةُ الثَّمَنِ. وَهِيَ مَا يُطلِقُونَ عَلَيهِ جِهَازَ الثَّمَنِ، أو مِيكَانِيكِيَّةِ الثَّمَنِ. لأَنَّهُم يَرَونَ أَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ تُحدِثُ التَّوَازُنَ الاقتِصَادِيَّ بِشَكلٍ آلِيٍّ. لأنَّهَا قَائِمَةٌ عَلَى تَركِ الحُريَّاتِ لِلمُستَهلِكِينَ فِي أنْ يُقَرِّرُوا بِأَنفُسِهِمْ تَوزِيعَ المَوَارِدِ التِي يَملِكُهَا المُجتَمَعُ عَلَى فُرُوعِ النَّشَاطِ الاقتِصَادِيِّ المُختَلِفَةِ، بِإِقبَالِهِمْ عَلَى شِرَاءِ بَعضِ المَوَادِّ، وَعَدَمِ إِقبَالِهِمْ عَلَى بَعضِهَا. فَيُنفِقُونَ دُخُولَهُمُ التِي يَكسِبُونَهَا عَلَى شِرَاءِ مَا يَحتَاجُونَهُ أو يَرغَبُونَ فِيهِ. فَالمُستَهلِكُ الذِي لا يَرغَبُ الخَمْرَ يَمتَنِعُ عَنْ شِرَائِهَا، وَيُنفِقُ دَخْلَهُ عَلَى شَيءٍ آخَرَ. فَإِذَا كَثُرَ عَدَدُ المُستَهلِكِينَ الذِينَ لا يَرغَبُونَ الخَمْرَ، أَو أصبَحَ جَمِيعُ النَّاسِ لا يَرغَبُونَهَا يُصبِحُ إِنتَاجُ الخَمْرِ غَيرَ مُربِحٍ، لِعَدَمِ تَوَافُرِ الطَّلَبِ عَلَيهِ، فَيَقِفُ طَبِيعِيًّا إِنتَاجُ الخَمْرِ، وَهَكَذَا جَمِيعُ المَوَادِّ. فَالمُستَهلِكُونَ هُمُ الذِينَ قَرَّرُوا كَميَّةَ الإِنتَاجِ، وَنَوعَ الإِنتَاجِ فِي تَركِهِمْ وَحُريَّتِهِمْ.
وَالثَّمَنُ هُوَ الذِي جَرَى بِوَاسِطَتِهِ تَوزِيعُ السِّلَعِ وَالخِدْمَاتِ فِي تَوَفُّرِهِ مِنَ المُستَهلِكِينَ، أَو عَدَمِ تَوَفُّرِهِ لَدَيهِمْ، وَفِي إِعطَائِهِ لِلمُنتِجِينَ أو عَدَمِ إِعطَائِهِ لَهُمْ. وَجِهَازُ الثَّمَنِ هُوَ الحَافِزُ عَلَى الإنتَاجِ، وَهُوَ المُنَظِّمُ لِلتَّوزِيعِ، وَهُوَ أدَاةُ الاتِّصَالِ بَينَ المُنتِجِ وَالمُستَهلِكِ، أي هُوَ الذِي يُحَقِّقُ التَّوَازُنَ بَينَ الإِنتَاجِ وَالاستِهلاكِ: أَمَّا كَونُهُ هُوَ الحَافِزُ عَلَى الإِنتَاجِ، فَذَلِكَ أَنَّ الدَّافِعَ الرَّئِيسِيَّ لِقِيَامِ الإِنسَانِ بِأَيِّ مَجْهُودٍ مُنتِجٍ أَو أيَّةِ تَضحِيَةٍ هُوَ مُكَافَأَتُهُ المَاديَّةُ عَلَى بَذْلِ هَذَا المَجهُودِ أو تِلْكَ التَّضحِيَةَ. وَيَستَبعِدُ الاقتِصَادِيُّونَ الرَّأسْمَالِيُّونَ قِيَامَ الإِنسَانِ بِبَذْلِ أيِّ مَجهُودٍ بِدَافِعٍ مَعنَوِيٍّ، أو رُوحِيٍّ. وَالدَّافِعُ الأَخلاقِيُّ الذِي يَعتَرِفُونَ بِوُجُودِهِ يُرجِعُونَهُ إِلَى مُكَافَأةٍ مَاديَّةٍ، وَيَرَونَ أَنَّ المَجهُودَاتِ التِي يَبذُلُهَا الإِنسَانُ إِنَّمَا هِيَ لإِشبَاعِ حَاجَاتِهِ وَسَدِّ رَغْبَاتِهِ المَادِيَّةِ. وَهَذَا الإِشبَاعُ إِمَّا أنْ يَكُونَ عَنْ طَرِيقِ استِهلاكِ السِّلَعِ التِي يُنتِجُهَا مُبَاشَرَةً، أو عَنْ طَرِيقِ الحُصُولِ عَلَى جَزَاءٍ نَقدِيٍّ يُخَوِّلُهُ الحُصُولَ عَلَى السِّلَعِ وَالخِدْمَاتِ التِي أنتَجَهَا الآخَرُونَ. وَبِمَا أنَّ الإِنسَانَ يَعتَمِدُ فِي إِشبَاعِ مُعظَمِ حَاجَاتِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ كُلِّهَا عَلَى مُبَادَلَةِ مَجهُودَاتِهِ بِمَجهُودَاتِ غَيرِهِ، كَانَ إِشبَاعُ الحَاجَاتِ مُنصَبًّا عَلَى طَرِيقِ الحُصُولِ عَلَى جَزَاءٍ نَقْدِيٍّ لِمَجهُودَاتِهِ، يُخَوِّلُ لَهُ الحُصُولَ عَلَى السِّلَعِ وَالخِدْمَاتِ، وَلَيسَ مُنصَبًّا عَلَى الحُصُولِ عَلَى السِّلَعِ التِي يُنتِجُهَا، وَلِذَلِكَ كَانَ الجَزَاءُ النَّقدِيُّ، وَهُوَ (الثَّمَنُ) هُوَ الدَّافِعُ لِلإِنسَانِ عَلَى الإِنتَاجِ. وَمِنْ هُنَا كَانَ الثَّمَنُ هُوَ الذِي يَحْفِزُ المُنتِجِينَ عَلَى بَذْلِ مَجْهُودَاتِهِمْ، فَالثَّمَنُ هُوَ الحَافِزُ عَلَى الإِنتَاجِ.
وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ مُستَمِعِينَا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِأَبرَزِ الأفكَارِ التِي تَنَاوَلهَا مَوضُوعُنَا لِهَذَا اليَومِ: الثَّمَنُ هُوَ الحَافِزُ عَلَى الإِنتَاجِ وَالمُنَظِّمُ لِلتَّوزِيعِ وَأَدَاةُ الاتِّصَالِ بَينَ المُنتِجِ وَالمُستَهلِكِ وَإِلَيكُمُ بَيَانُ المَسأَلَةِ الأُولَى وَهِيَ أنَّ الثَّمَنَ هُوَ الحَافِزُ عَلَى الإِنتَاجِ:
المسألة الأولى: الثمن هو الحافز على الإنتاج:
1. الدَّافِعُ الرَّئِيسُ لِقِيَامِ الإِنسَانِ بِأيِّ مَجهُودٍ مُنتِجٍ هُوَ مُكَافَأتُهُ المَادِّيةُ عَلَى بَذْلِ هَذَا الْمَجهُودِ.
2. يَستَبعِدُ الاقتِصَادِيُّونَ الرَّأسمَالِيُّونَ قِيَامَ الإِنسَانِ بِبَذلِ أيِّ مَجهُودٍ بِدَافِعٍ مَعنَوِيٍّ أو رُوحِيٍّ.
3. الدَّافِعُ الأخلاقِيُّ الَّذِي يَعتَرِفُونَ بِوُجُودِهِ يُرجِعُونَهُ إِلَى مُكَافَأَةٍ مَادِيَّةٍ.
4. المَجهُودَاتِ التِي يَبذُلُهَا الإِنسَانُ إِنَّمَا هِيَ لإِشبَاعِ حَاجَاتِهِ وَسَدِّ رَغْبَاتِهِ المَادِيَّةِ.
5. إِشبَاعُ حَاجَاتِ الإِنسَانِ وَسَدُّ رَغْبَاتِهِ المَادِيَّةِ يَكُونُ بِإِحدَى الطُّرُقِ الثَّلاثِ الآتِيَةِ:
أ- عَنْ طَرِيقِ استِهلاكِ السِّلَعِ التِي يُنتِجُهَا مُبَاشَرَةً.
ب- أو عَنْ طَرِيقِ مُبَادَلَةِ مَجهُودَاتِهِ بِمَجهُودَاتِ غَيرِهِ.
ت- أو عَنْ طَرِيقِ شِرَاءِ السِّلَعِ وَالخِدْمَاتِ التِي أنتَجَهَا الآخَرُونَ بِمَا يَحصُلُ عَلَيهِ مِنْ جَزَاءٍ نَقْدِيٍّ.
6. لِذَلِكَ كَانَ الجَزَاءُ النَّقدِيُّ أيِ الثَّمَنُ هُوَ الدَّافِعُ لِلإِنسَانِ عَلَى الإِنتَاجِ.
7. وَكَانَ الثَّمَنُ هُوَ الَّذِي يَحفِزُ المُنتِجِينَ عَلَى بَذْلِ مَجهُودَاتِهِمْ, فَالثَّمَنُ هُوَ الحَافِزُ عَلَى الإِنتَاجِ.
وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ مُستَمِعِينَا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِأَبرَزِ الأفكَارِ التِي تَنَاوَلهَا مَوضُوعُنَا لِهَذَا اليَومِ:
1. يَرَى الرَّأسمَاليُّونَ أنَّ جِهَازَ الثَّمَنِ هُوَ الطَّرِيقَةُ المُثلَى لِتَوزِيعِ السِّلَعِ وَالخِدْمَاتِ عَلَى أَفرَادِ المُجتَمَعِ.
2. يَرَى الرَّأسمَاليُّونَ أنَّ جِهَازَ الثَّمَنِ أو مِيكَانِيكِيَّةَ الثَّمَنِ تُحْدِثُ التَّوَازُنَ الاقتِصَادِيَّ بِشَكلٍ آلِيٍّ.
3. المَنَافِعُ هِيَ نَتِيجَةُ المَجهُودَاتِ التِي يَبذُلُهَا الإِنسَانُ.
4. إِذَا لَمْ يَكُنِ الجَزَاءُ مُسَاوِياً لِلعَمَلِ فَلا شَكَّ فِي أنَّ مُستَوَى الإِنتَاجِ يَنحَطُّ.
5. يَرَى الرَّأسمَاليُّونَ أنَّ جِهَازَ الثَّمَنِ أو مِيكَانِيكِيَّةَ الثَّمَنِ تُحْدِثُ التَّوَازُنَ الاقتِصَادِيَّ بِشَكلٍ آلِيٍّ.
6. طَرِيقَةُ الثَّمَنِ عِندَ الرَّأسمَالِيِّينَ قَائِمَةٌ عَلَى تَركِ الحُريَّاتِ لِلمُستَهلِكِينَ فِي أنْ يُقَرِّرُوا بِأَنفُسِهِمْ:
أ- تَوزِيعَ المَوَارِدِ التِي يَملِكُهَا المُجتَمَعُ عَلَى فُرُوعِ النَّشَاطِ الاقتِصَادِيِّ المُختَلِفَةِ.
ب- إِقبَالَهُمْ عَلَى شِرَاءِ بَعضِ المَوَادِّ, وَعَدَمَ إِقبَالِهِمْ عَلَى بَعضِهَا.
ت- إِنفَاقَ دُخُولِهِمُ التِي يَكسَبُونَهَا عَلَى شِرَاءِ مَا يَحتَاجُونَهُ أو يَرغَبُونَ فِيهِ.
7. مِثَالٌ عَلَى مِيكَانِيكِيَّةِ الثَّمَنِ:
أ- المُستَهلِكُ الَّذِي لا يَرغَبُ الخَمْرَ يَمتَنِعُ عَنْ شِرَائِهَا, وَيُنفِقُ دَخلَهُ عَلَى شَيءٍ آخَرَ.
ب- إِذَا كَثُرَ عَدَدُ المُستَهلِكِينَ الَّذِينَ لا يَرغَبُونَ الخَمْرَ يُصبِحُ إِنتَاجُ الخَمْرِ غَيرَ مُرْبِحٍ.
ت- يَقِفُ طَبِيعِيًا إِنتَاجُ الخَمْرِ لِعَدَمِ تَوَافُرِ الطَّلَبِ عَلَيهِ. وَهَكَذَا جَمِيعُ المَوَادِّ.
ث- وَعَلَيهِ فَالمُستَهلِكُونَ هُمُ الَّذِينَ قَرَّرُوا كَمِّيةَ الإِنتَاجِ، وَنَوعَ الإِنتَاجِ فِي تَركِهِمْ وَحُرِّيتِهِمْ.
8. الثَّمَنُ هُوَ الَّذِي جَرَى بِوَسَاطَتِهِ تَوزِيعُ السِّلَعِ وَالخِدْمَاتِ وَيَظهَرُ ذَلِكَ فِي أمرَينِ:
أ- فِي تَوَفُّرِهِ لَدَى المُستَهلِكِينَ أو عَدَمِ تَوَفُّرِهِ لَدَيهِمْ.
ب- وَفِي إِعطَائِهِ لِلمُنتِجِينَ أو عَدَمِ إِعطَائِهِ لَهُمْ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ على منهاج النبوة في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.