الإنسانية بين الجراد وكورونا
الخبر:
غزو الجراد يتسبب بأزمة غذاء لنحو مليون إنسان في أفريقيا (الاقتصادية الدولية)
التعليق:
في الوقت الذي يشهد الناس فيه حُمَّى أخبار فيروس كورونا على مدار 24 ساعة يوميا يتم تجاهل بقية أحوال الناس في أنحاء العالم المكلوم ليس بجائحة كورونا فحسب بل بما هو أشد فتكا وأكثر إيلاما.
إحصائيات كورونا تشير إلى أن عدد المصابين بالفيروس في أنحاء العالم خلال الأشهر الأربعة الماضية بلغ حوالي مليونين وعدد الموتى حوالي 120 ألفا حتى الآن. (COVID-19 Google)
في هذه الأثناء يهدد وباء انتشار الجراد بأزمة غذاء في أفريقيا لملايين البشر، حيث كشفت الأمم المتحدة أن أسراب الجراد في إثيوبيا أتت على 200 ألف هكتار من الأراضي الزراعية، وتستعد المنطقة لاستقبال أسراب جديدة أكثر فتكا، وقد مرت الأسراب عبر مناطق مترامية في شرق أفريقيا بما في ذلك الصومال وكينيا وجيبوتي وإريتريا وتنزانيا والسودان.
يقف العالم كله الآن على قدم وساق في مواجهة جائحة كورونا بينما يتجاهلون ملايين الفقراء الذين لا يجدون لقمة العيش. يتجاهلونهم حتى من ذكرهم في نشرات الأخبار ناهيك عن تقديم المساعدات العاجلة لهم.
العالم كله هرع إلى الأسواق بشراهة لتكديس المواد الغذائية خشية الحجر، بينما لا يجد هؤلاء ما يسد رمقهم ولا يسكت أطفالهم المتضورين جوعا.
لقد أصبح معروفا أن العالم اليوم غدا قرية صغيرة، لا تخفى أحوال الناس عن بعضهم بعضا، ولا تعجزهم مسافة أو مشقة ولا ينقصهم مال أو معدات لتقديم المساعدة للمحتاجين ومساندة بعضهم بعضا، إلا أننا رأينا كيف غابت الإنسانية عن الوجود واستحكمت أفكار الرأسمالية العفنة من وطنية وقومية، ومن جشع وأنانية ومن تصارع وتكالب سواء في جائحة كورورنا أو في مجاعات أفريقيا أو مذابح اليمن وسوريا.
يقول رسول الله عليه الصلاة والسلام فيما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما «مَنْ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَبَرِئَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ، وَأَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمْ امْرُؤٌ جَائِعٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى». (رواه أحمد)
ويشهد التاريخ كيف أن المسلمين طبقوا هذا الحديث بحذافيره ليس على حواضر الإسلام وعلى المسلمين فحسب بل حتى على الأيرلنديين الكاثوليك، ففي عام 1845 حدثت المجاعة الكبيرة في أيرلندا، وتعد تلك المجاعة من أهم الأحداث في تاريخها التي تعرف بـ”مجاعة البطاطا”، وعندما علم بها السلطان العثماني عبد المجيد قرر إرسال 10 آلاف جنيه إسترليني لها لنجدة شعبها ولم يطلب منه أحد القيام بذلك، وعلى الرغم من أن إنجلترا كانت وقتها واحدة من أغنى الدول في العالم، لم تتصرف الملكة فيكتوريا تجاه شعبها بالكرم نفسه الذي تصرف به السلطان عبد المجيد. وأرسلت الملكة لأيرلندا ألفي جنيه إسترليني فحسب. ولكي تحافظ لندن على اعتبارها طلبت من الحكومة العثمانية تقليل المبلغ من عشرة آلاف إلى ألف جنيه فقط. وافق السلطان العثماني لكنه أرسل إضافة إلى المال ثلاث سفن محملة بالغذاء والأدوية والبذور اللازمة للزراعة.
قيام الدولة العثمانية بمساعدة بلد يبعد عنها أربعة آلاف كيلومتر تعتنق ديناً غير دينها، كان امتثالا لوصية رسول الرحمة للعالمين، إلا أن المثير للدهشة هو قيام الحكومة الإنجليزية بمنع تلك المساعدات المقدمة لبلد تحت حكمها، فقام المسلمون بتهريب المواد الغذائية تحت جنح الظلام للجائعين في أيرلندا لنجدتهم.
هذا مثال من التاريخ غير البعيد، يشهد على حاجة البشرية للعودة إلى حكم ربها وتشريعه وترك أهواء الرأسمالية وتحكمها في مصائر البشر الذي أدى إلى قتلهم وحصارهم وتجويعهم ليبقوا خاضعين ومستعبدين لأصحاب رؤوس الأموال.
وعما قريب سيشهد الناس أن أمريكا ستحجب عنهم القمح والذرة والبذور التي احتكرتها ومنعت شعوب الأرض من إنتاجها وكيف أنها ستتركهم ليموتوا جوعا لأن الذي يحكمها هو الجشع والاحتكار والأنانية، وليس في وجهة نظرها عن الحياة ذرة إنسانية، وقد بدت معالم هذه التوقعات ظاهرة للعيان في تصريحات حكامهم وتصرفاتهم حتى مع أصدقائهم الأوروبيين.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
م. يوسف سلامة – ألمانيا
#كورونا | #Covid19 | #Korona