حديث الصيام
الحلقة الأولى
أَلِدَولَةٍ بلا سيادةٍ أو منقوصتها تثورون؟!
الدولة ذات السيادة هي الدولة التي تمارس إرادتها، أو التي تكون قراراتها ذاتية. وكل الدول القائمة في بلاد المسلمين اليوم لا تمارس إرادتها، فلا سيادة لها، شأنها في هذا شأن الدول المتخلفة في العالم.
والأمة لا تمارس إرادتها، فهي في مجموعها تريد أن تحكم بالإسلام إلا أنها لا تستطيع ذلك، فهم أشبه بالعبيد، يريدون ولا ينفذون، والذين يقفون في وجه الأمة ويمنعونها من تنفيذ إرادتها معروفون. وهي تريد أن تجاهد، وأن تحصل على حقها من الأموال العامة، وتريد أن يكون السلطان لها، إلا أنها لا تستطيع ممارسة هذه الإرادة، والذي يمارس إرادته على الأمة هم الكفار وأدواتهم لذلك عملاؤهم، فهي أشبه بالعبيد مع السادة. وادعاء عملاء الكافر بأنهم يملكون القرار المستقل ادعاء باطل قطعا، فالحكام لا يملكون من قرارهم شيئا على الإطلاق ويأتمرون بأوامر أسيادهم الكفار، وهذا لا يحتاج إلى دليل، لأنهم صاروا يجاهرون بذلك دون حياء أو خجل لا من الله ولا من الأمة، وليس في هذا القول مبالغة ولا تهويل، ولا اندفاع مع المشاعر، وحال الشام وما يجري به خير شاهد…
والمشاركة في إقامة دولة غير ذات سيادة للمسلمين حرام بدليل ما يلي:
• قوله تعالى: ﴿ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا﴾، والذي يقيم دولة ضعيفة لا سيادة لها يكون قد جعل للكافرين سبيلا على المؤمنين. والآية وإن كانت بصيغة الإخبار فإنها تفيد الطلب، والقرينة على هذا أن الكافرين كانت لهم سبيل على المؤمنين في الماضي والحاضر فاقتضى صدق المخبر أن يكون المراد الطلب من المكلفين ألا يجعلوا للكافرين عليهم سبيلا.
• أن رسول الله e لم يكن يعمل على إقامة دولة عديمة السيادة، ولا منقوصة السيادة، بل كان يعمل على إقامة دولة تدين لها العرب وتؤدي لها العجم الجزية. فهو لم يكن يبحث عن مطلق دولة عندما كان يعرض نفسه على القبائل، بل كان يبحث عن نصرة قادرة على حماية الدين من جميع الجوانب، وهذا ثابت في سيرته e: “عن علي: …فقال المثنى بن حارثة الشيباني: سمعت مقالك يا أخا قريش والجواب فيه جواب هانئ بن قبيصة في تركنا ديننا ومتابعتك على دينك، وإنا إنما نزلنا بين صريين اليمامة والسمامة، فقال رسول الله e: «ما هذان الصريان؟» فقال: أنهار كسرى ومياه العرب، فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور وعذره مقبول، وإنا إنما نزلنا على عهد أخذه علينا أن لا نحدث حدثا ولا نؤوي محدثا، وإني أرى أن هذا الأمر مما يكره الملوك، فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا؟ فقال رسول الله e: «ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق، وإن دين الله لن ينصره إلا من أحاطه من جميع جوانبه…» ووجه الدلالة في الحديث كائنة في قوله e: «وإن دين الله لن ينصره إلا من أحاطه من جميع جوانبه» أي حفظه، ولا يحوط الدين ويحفظه من جميع جوانبه إلا دولة ذات سيادة.
إن حرص الائتلاف على إنشاء علاقات مستقرة مع الأمريكان، وعلى كسب ودهم، ومراعاة مصالحهم والحفاظ على نفوذهم، لهو دليل واضح على عمالة الائتلاف، وهو نفسه الذي يبقي أمريكا دولة متفوقة متغطرسة.
وأما تبرير قيادات الائتلاف بأن التعامل مع أمريكا ضروري بوصفها القوة العالمية الأولى التي لا غناء عن التعاطي معها لاستمرار بقاء الثورة واستمرار تقدمها، فهو تبرير واه ينم عن ضعف سياسي خطير يعكس عدم وجود ثقة في النفس، وعدم وجود قوة إرادة وشكيمة لدى تلك القيادات، فهل تستحق بعد هذا كله أن توصف بالقيادات وما هي إلا إمعات بيد الكفار.
وإصرار هذه القيادات – أستغفر الله، بل الإمعات – على الاستمرار في نهج الانبطاح والخنوع لأمريكا، وإعلانها عن احترام الاتفاقيات الدولية، واستقبال الأمريكيين، والتشبث بالمساعدات الأمريكية الضارة القاتلة، فلن يوجد دولة ذات سيادة وإنما تكون هذه الدولة الجديدة امتدادا للدولة الهزيلة التابعة التي سبقتها. لذلك كان قطع العلاقات مع أمريكا هو الخطوة الأولى لإقامة دولة مستقلة حقيقية، وهذه الخطوة هي المقدمة الأولى لبناء دولة مبدئية تستمد سلطانها ذاتيا من أمتها.
﴿والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾